Culture Magazine Thursday  06/01/2011 G Issue 328
فضاءات
الخميس 02 ,صفر 1432   العدد  328
 
سيرة وتحية
لندوة غاب منشيها وحضر محبوها
عبدالرحمن بن فيصل المعمر

إنّ الحديث عن رجل بحجم عبد العزيز الرفاعي مجرد من كل لقب؛ فلا تزده الألقاب ولا تكبره المناصب، وهكذا العظيم كالسيف المجرد من غمده. لا أريد أن أحدثكم عن سيرته وحياته أو أعماله وبداياته، فتلك مجالها التراجم والسير، وقد رُصدت - والحمد لله - في الكتب والرسائل الجامعية التي صدرت عنه وأعطته بعضاً من حقه. لكن أريد أن أتحدث بعاطفة المحب المصاحب.

كنت أسمع عنه، كلما حل موعد الصيف حضر للطائف بحكم عمله في ديوان رئاسة مجلس الوزراء، كان يتخذ له في بعض الأمسيات مجلساً ومتكأ لدى مكتبة المؤيد بحي الشرقية بالطائف، وسكنه الأول مجاور لها، وتربطه بصاحب المكتبة فضيلة السيد محمد المؤيد الحسني صداقة ومودة وإعجاب متبادل. سعيت ذات مساء قاصداً رؤيته في المكتبة، وأقبل ثم اتخذ له مجلساً. هنا قفز إلى ذهني الرجل يوصف لك فتراه أقل مما قيل عنه إلا الرفاعي ترى ما قيل عنه أقل مما رأيت فيه..

كانت مساءلة الركبان تنبئني

عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر

حتى التقينا فلا والله ما سمعت

أذني بأحسن مما قد رأى بصري

في عام 1382 التحقت بالعمل في ديوان الرئاسة؛ صرت أراه عن قرب.

في الرياض كان يسكن في مشروع البحر الأحمر - فلل ذات طابق واحد - كانت الرياض بلدة هادئة لا صخب فيها ولا زحام, كنت أسكن غير بعيد من داره في الملز، ولمس عندي رغبة وتطلعاً إلى المعرفة وميلاً إلى الثقافة والصحافة فقال لي: «لما علمت أنك بالملز أحببت دعوتك لتشهد مساء كل خميس جلسة عندي يلتقي فيها بعض الإخوة». لاحظوا أنه لما علم أن المجيء إليه لا يشق علي أسر إلي بالدعوة. هكذا كان يرفق بالناس ويقدر ظروفهم ويراعي أوقاتهم. حضرتُ أول جلسة. كانت تحولاً كبيراً في حياتي؛ رأيت فيها الكبار السيد علي حسن فدعق والسيد ماجد الحسيني والشاعر أنور العطار والدكتور عبدالعزيز الخويطر وأحمد عمر عباس والدكتور فوزي هنانو وعبدالعزيز السالم وعلي محمد العمير وغيرهم.

رأيت كيف يدور الحديث وكيف تدار الأفكار، كان عميد الندوة يمسك بزمام الأمر فلا يخرج عن مساره ولا يطيش، واستمر هذا دأبه وديدنه. تنقلت الندوة في أربعة بيوت في الملز حتى استقرت في خامسها بحي الروضة. كبر المقر وكثر الرواد وأصبحت الصحافة الأدبية تنوه بها وتشيد. صار كل من قصد الرياض من كبار الفضلاء والأدباء والعلماء يحرص على المرور بها والتحدث فيها.

كان محور شخصية الرفاعي الخلق والترفع والحلم والتعفف، وهذا سر جاذبيته ومناط شخصيته؛ فأجمع الناس على حبه واتفق المختلفون على الميل إليه والرضا عنه. كان - رحمه الله وأعلى منزلته - كبيراً لا متكبراً، متواضعاً لا وضيعاً، كانت عظمته في الخلق والتواضع والتعفف والاستغناء عن الناس..

عظيم من استولى على الناس كلهم

ولكن من استغنى عن الناس أعظم

كانت لديه أحلام كبار وآمال كثار، منها النهوض بالكتاب السعودي وإيصاله إلى كل مكان، وقد تحقق بعضه الآن بإنشاء جمعية الناشرين التي كان من أوائل من فكر فيها. قلت له مرة يا شيخ عبد العزيز لا تذهب نفسك عليهم حسرات فما دام الشاب السعودي يدفع خمسين ريالاً لإصلاح رأسه من الخارج ويتردد في دفع خمسة ريالات لإصلاحه من الداخل فلا ترجو خيرا. رد ضاحكا: يا (أبو عوف) كن كأصحاب الرسالات لا ييأسون ولا يقنطون. استعن بالله ولا تعجز. كانت لديه مشاريع تدور حول الإصلاح الثقافي والاجتماعي. يحمل بين جنبيه قلباً كبيراً، ويسعى لكل فضيلة وكمال.

فتراه بالإصلاح مُغرى كلما

وجد السبيل إلى صلاح سارا

حتى كأن عليه عهدا للعلا

أن يصلح الأخلاق والأفكارا

أيها الإخوة: قلتُ لكم إن الحديث عن شخصية بحجم المرحوم الشيخ عبد العزيز الرفاعي واسع وكبير، والخوض فيه شاق وعسير. عاش حتى جاوز السبعين، ورثى نفسه كما تعلمون بالقصيدة المشهورة، ثم شاءت إرادة الله ورحل بعد أن فتح في حياته للمجد باباً وللخلود أبواباً، وهكذا استمر ذكره الباقي والذكر للإنسان عمر ثان.

وقد حيّاه كثير من الشعراء في حياته مشيدين بأفعاله وأفضاله، نختار اليوم شاعر اليمن الكبير وراويتها الشهير أحمد بن محمد الحضراني الذي وقف يوماً وهتف وسط جمع حاشد من الحضور قائلاً:

عبدالعزيز الرفاعي منتهى أربي

بعد الإله ومقصودي ومطلبي

فإن ظفرت به فالله يكلؤه

فقد ظفرت بطود العلم والأدب

ختاماً، أحيي كل من سعى لإظهار هذا اللقاء الذي اتسم بالوفاء لصاحب الندوة التي مضى على إنشائها نصف قرن، ونحتفل اليوم بيوبيلها الذهبي. هذه سيرة وتحية لمن غاب منشيها وحضر محبوها وفي مقدمتهم محتويها الشيخ أحمد باجنيد.

القيت في حفل تكريم ندوة الرفاعي بمناسبة مرور نصف قرن على إنشائها

***

الخميس القادم: الدكتور عايض الردادي يكتب عن نصف قرن على ندوة الرفاعي

الطائف

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة