Culture Magazine Thursday  06/01/2011 G Issue 328
ترجمات
الخميس 02 ,صفر 1432   العدد  328
 
تجارب أمريكية معاصرة تحاول الإجابة عن أعظم لغز في عالم النشر
كيف تصنع «بست سيلر»؟ 2 – 2
حمد العيسى

نواصل ترجمة الجزء الثاني الأخير من هذا التحقيق الاستقصائي المفصل Investigative Report عن كيفية صنع البست سيلر وهو بقلم الصحفية شيرا بوس من صحيفة نيويورك تايمز:

إنها مجرد عملية «تخمين» كما يقول بيل توماس كبير المحررين في دار «دبل داي بروداي». الأمر برمته عبارة عن عملية «تخمين» يعتمد على الخبرة المتراكمة. لكنه ليس إلا «تخمين»، مع ذلك!! نحاول مجرد التأكد من أن الأخطاء الأولية (عند مغامرة شراء النص) تعوض الأخطاء النهائية» (عند تنفيذ تصميم الكتاب والطبع والتسويق). الأخطاء الأولية أكثر مخاطرة عندما تأتي مع مقدمات مالية ضخمة.

الأخطاء الأولية تنتج عن حروب المناقصات بين الناشرين عندما تقرر دار نشر أن مشروعاً ما شديد الأهمية ويستحق الحصول عليه بأي تكلفة.

«في حالات عديدة، نحب ونعشق القيام بالتخمين، ونتخطى مأزق طحن وحساب الأرقام المخيفة، ونستمتع للغاية عندما نتخيل أنفسنا ونحن نكتب اسم المؤلف على ظرف البريد لإرسال عرض/ عطاء شراء المخطوطة رسميا، أوعندما نكلم الوكيل الأدبي للمؤلف مبكرا ونعرض بالحدس - هكذا - نصف مليون دولار!!» كما يقول السيد توماس ويضيف ساخرا ومبتسما بمكر: «لينتج عن هذا حمى حتمية تشعل المزاد!!».

«هذا ما يحدث عندما ينهار «نموذج العمل» لهذه الصناعة» كما يقول السيد ديفيور الوكيل الأدبي المعروف «لأن دور النشر تدفع أحيانا أرقاما مذهلة من ست إلى سبع خانات على أمل أن هذه الكتب ستنجح بصورة خرافية ولكن في الحقيقة بعضها سينجح فقط والبعض سيفشل حتما، ولهذا هذه المراهنات الضخمة خطيرة للغاية على صناعة الكتاب».

في حالة النسخة الفاخرة (الهارد كوفر)، كتب قليلة جدا من التي يعتقد الناشرون أن لديها إمكانية لتصبح بست سيلر يتم ترويجها بحملات تسويقية ودعائية ضخمة. والأخرى تعتبر بعيدة المدى مع مبيعات سنوية تقدر بآلاف قليلة من النسخ معظمها تعتبر متوسطة النجاح مع مبيعات جيدة بحدود 15-20 ألف نسخة في المعدل، كما يقول البرفسور غريكو ويضيف: ولكنها ليست مبيعات خارقة.

عناوين الكتب يمكن أن تغير النتائج بصورة غير متوقعة. «لا أحد في صناعة الكتب لديه الذكاء الكافي لمعرفة أي من الكتب الكبرى سيكون مهزلة، وأي من الكتب الصغرى سيصبح ناجحا وأي من الكتب المتوسطة سيتأرجح» كما يقول السيد توماس.

هناك طريقتان ليصبح الكتاب بست سيلر: واحدة هي أن يصل إلى قائمة بست سيلر معتمدة عندما يبيع نسخ عديدة خلال أسبوع قدرتها بعض التقارير الصحفية بخمسة آلاف نسخة أسبوعيا على الأقل كما في كندا، وفي بريطانيا بمعدل 15 ألف نسخة أسبوعيا تقريبا لكن الرقم الحقيقي والمعيار المتبع لضم كتاب في قائمة بست سيلر شهيرة يعتبر سراً خطيراً بل من أهم أسرار جريدة «نيويورك تايمز» مثلا.

كتب أخرى تبيع بصورة مثابرة عبر شهور وسنوات وتنجح في النهاية في تجاوز مبيعات الكتب التي تسمى رسميا بست سيلر. رواية «البكاء غير المستجاب» وهي حكاية عن جريمة حقيقية كتبها توم فرينش تم شراء حقوقها في 1989 بواسطة دار «سانت مارتنز» بمبلغ 30 ألف دولار. يوجد في السوق منها حاليا 400 ألف نسخة بيبرباك، وباعت على الأقل 31 ألف نسخة العام الماضي فقط.

هذه العناوين القديمة تعتبر هامة للأرباح لأن تكاليف التسويق والشراء تم استرجاعها في الغالب. ومع هذا، الناشرون يركزون اهتمامهم أكثر على صدور طبعة الهارد كوفر. وعندما يبدأون الاستعداد لإدخال كتب إلى السوق، فإن خليطا سحريا من بعض العناصر الهامة مثل التوقيت والتغليف والتسويق وأمور تصادفية أخرى يمكن أن تساعد في قدح الشعلة الغامضة التي تؤدي إلى جنة البست سيلر.

فعلى سبيل المثال، مما ساهم في نجاح كتاب «السر» يمكن أن يكون أي من أو جميع التالي: الموضوع، العنوان، الإطلاق المسبق للنسخة السينمائية، الحملة التسويقية، قوة مفعول الإنترنت. وطبعا الأهم: الصرعة والموضة الهامة الأخيرة «أوبرا وينفري».

لكن «السر» هو فقط الكتاب الأخير من هذا النوع. «أناس كثيرون صرفوا أموال كثيرة لمحاولة طباعة كتب مماثلة ل «السر» كما تقول سوزان بترسون كيندي رئيسة دار «بنغوين غروب» العريقة، وتضيف: «الكثير من الكتب المشابهة طبعت لكنها لم تنجح!».

ونفس هذا الغموض أحاط ب رواية «استعدادي» Prep. فعندما كانت الآنسة ستينفلد تكتب هذه الرواية كما تتذكر الآن قال لها زملاؤها الروائيون «إنها رواية عن مدرسة داخلية وهي فكرة مستهلكة، وقد تمت كتابتها بالفعل سابقا لماذا تضيعين وقتك في كتابتها مرة أخرى؟!».

والمفارقة المضحكة أنه عندما أصبحت «استعدادي» Prep في قمة قائمة البست سيلر، قالت الآنسة ستينفلد أنها سمعت من «نفس» هؤلاء الزملاء العكس: «بالطبع نجحت بقوة! إنها عن مدرسة داخلية!!!».

ناشر «استعدادي» ينسب نجاحها بالإضافة إلى العنوان المثير والغريب الذي وضعه محرر الناشر بذكاء وحنكة بدل العنوان الأصلي للمؤلفة «الشيفرة»، أيضا إلى كل من: الغلاف والحملات الدعائية المبتكرة. حيث قام فريق يتكون من أربعة مستشاري ترويج ودعاية Publicists بعمل أحزمة نسائية للشابات تماثل تصميم غلاف الكتاب للتوزيع على الجمهور عندما وصلت الرواية للمكتبات. وأرسلوا شنط قماشية جميلة تحمل هدايا مبتكرة (مثل: حزام نسائي، وشنطة جلدية للكتابة Portfolio، دفاتر ملاحظات، ومرطب شفايف) مع مراسليهم إلى المحررين الأدبيين للمجلات والجرائد الهامة. وفي رسالة توزيع الرواية على وسائل الإعلام، تم وضع صور لهؤلاء المستشارين الأربعة مأخوذة من الكتب السنوية التذكارية لمدارسهم الثانوية!!

«لقد نجحنا!! فقد جلبت تلك الهدايا البسيطة والمبتكرة الاهتمام بالرواية، وبدأنا نستلم مئات الاتصالات تطلب المزيد من هذه الهدايا» كما قالت جين مارتن وهي واحدة من هؤلاء المستشارين الأربعة المختصين بالترويج والدعاية.

وتلي ذلك أوتوماتيكياً تغطيات إعلامية كثيرة متتالية ومبهرة. ثم نتجت عن هذه الخلطة الترويجية مفاجأة تسويقية مذهلة لم تكن في الحسبان حيث تغيرت فئة الجمهور المهتم بالرواية وقفز من فئة «الشابات» فقط ليهتم بها فئات جديدة من الذكور المراهقين وأكثر نضجا بحسب معلومات «حكائية» Anecdotal متواترة أي غير علمية ويتناقلها الناس في جلساتهم وفي المقاهي.

المعلومات عن نوع القراء المهتمين بكتاب معين في العادة «حكائية» Anecdotal لأن الناشرين يجادلون بأن عمل بحوث تسويق مفصلة لكل كتاب جديد عملية صعبة ومكلفة جدا لأن كل كتاب يختلف عن الآخر.

«بعض أفضل الكتب مبيعاً والأكثر إثارة تتضمن محتويات ضدية تسبب مفاجآت سعيدة وبهجة غامرة» كما تقول سوزان وينبيرغ ناشرة مجلة «ببلك أفيرز»

خذ مثلا مفاجئة «العاهرة الرشيقة» Skinny Bitch وهو كتاب حمية Diet لروي فريدمان وكيم بارنوين وهما عارضتا أزياء سابقتين. «صوت الراوية Narrator طريف ومضحك، هناك حب حقيقي، ولا هراء في الكتاب» كما قالت الوكيلة الأدبية للمؤلفتين تاليا روزن بلات كوهين. ولكن المؤلفتين كانتا مغمورتين تماما وتناصران أسلوب الحياة النباتي. «الجميع قالوا: لا يوجد محتوى هام حقيقي، ولا حبكة متقنة، والأسوأ أنه كذلك نباتي!!!» كما قالت الآنسة كوهين.

الكتاب بيع لدار «راننغ بريس» في فيلادلفيا بمبلغ من خمس خانات وبصعوبة ولم يحصل على تغطية جيدة في الإعلام السائد Media Mainstream منذ نشره قبل 16 شهرا. ولكن مع هذا انتشر الحديث عنه وتشعب بأسلوب حكائي Anecdotal عبر النباتيين وطالبات الجامعات وأصبح بست سيلر على قائمة جريدة لوس أنجلوس تايمز المرموقة. هناك أكثر من 10 آلاف نسخة مطبوعة في السوق حاليا. والأهم أن المؤلفتين وقعتا صفقة ضخمة لكتابة كتابين قادمين مع نفس الدار «راننغ بريس» بمبلغ مقدم «تماما فوق ستة خانات» أي بالملايين كما أشيع!!

بعض الخبراء يتساءلون إذا ما كان الناشرين يمكنهم تقديم كتب ناجحة كهذا لو حاولوا بجدية معرفة ماذا يريد القراء بالضبط.

«جمعية الصحف الأمريكية لديها معلومات هائلة عن الناس الذين يقرأون الصحف، ولكن صناعة الكتب لديها في الواقع وللأسف لاشيء» كما قال البروفسور غريكو.

«إنهم لا يذهبون إلى الأسواق ويوقفون الناس الخارجين من المكتبات لسؤالهم: ماذا اشتريتم؟ وهل وجدتم طلبكم؟ ما الذي حفزكم لاختيار ذلك الكتاب بالذات؟».

الاستثناء في عالم النشر هو «البحث الموسع عن العملاء» الذي جمعته «جمعية كتاب الرومانسية الأمريكية»، وهي جمعية للمؤلفين الرومانسيين التي تنشر «دراسات سوق» عن قراء الكتب الرومانسية، وتنشر معلومات هامة للغاية مقتبسة من نتائج استبيانات خاصة عن قراء الكتب الرومانسية. فعلى سبيل المثال، لديهم معلومات مذهلة عن أذواق القراء من مختلف التركيبات السكانية مثلا: واسب، وزنوج، وتشيكانو أي من أصل مكسيكي لاتيني، وكذلك معلومات نادرة عماذا يحب أن يقرأ الناس العاديين، وحتى نوع الأغلفة التي تجذبهم. المؤلفون الرومانسيون ومروجو كتبهم يستعملون هذه المعلومات لصنع حملات ترويجية ذكية ومؤثرة.

معظم الناشرين، مع هذا، يواصلون جمع المعلومات عن المبيعات فقط وليس غيرها، مع أن الأداء في الماضي لا يضمن بالتأكيد نتائج مستقبلية مماثلة حتى بالنسبة لنفس المؤلف.

بعدما أصبحت رواية «استعدادي» بست سيلر، وقعت دار «راندم هاوس» الشهيرة مع نفس المؤلفة الآنسة ستينفلد عقدين لروايتين لم تكتب حرفا واحدا فيهما ودفعوا لها مقدمين ضخمين، ولكنها ترفض الإفصاح عن قيمتهما. صدرت رواية «رجل أحلامي» سنة 2006، وصدرت رواية «زوجة أمريكية» عام 2008م.

رواية «رجل أحلامي» التي تتحدث أيضا عن مرحلة العبور إلى سن البلوغ وهي طبعت مايو الماضي، ومرة أخرى لم يكن المقدم الذي حصلت عليه يناسب عوائد المبيعات. وحسب مؤسسة «نيلسن بوك سكان» التي ترصد مبيعات الكتب الأمريكية، فإن «رجل أحلامي» باعت 36 ألف نسخة هارد كوفر فاخرة و 6 آلاف نسخة بيبر باك شعبية فقط.

الآنسة ستينفلد تقول إن هذا الخبر يذكرها بشيء سمعته من محرر خبير لدى إحدى دور النشر: «يعتقد الناس أن النشر هو نوع من الصناعة أو التجارة الراسخة ولكنه ليس إلا كازينو للقمار فقط!!».

المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة