Culture Magazine Thursday  06/01/2011 G Issue 328
الثالثة
الخميس 02 ,صفر 1432   العدد  328
 
إمضاء
الحقوقي
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

يُشار إلى دوره في بواكير المَأْسَسة الإدارية؛ بل هو أبٌ من آبائها، و هو عراب أنظمة الخدمة المدنية حين اختط مساراتها ومداراتها؛ فلم تعد نظاماً متواضعاً للموظفين، كما اعتادت أدبيات الإدارة على توصيفه، ورغم الاستقلال المالي والإداري لمعهد الإدارة عن «ديوان الخدمة المدنية» -كما كان يسمى- فقد كانا جهازين في جهاز واحد، ووصل التنسيق بينه وبين «المعهداريين» مداه؛ فكان الحاضرَ في إدارته وبرامجه وتطلعاته.

ولمن يُهمه التأريخ الإداري فقد نأى «محمدا» المعهد (أبا الخيل والطويل) في الوقت الذي نأى فيه «عراب الخدمة المدنية» عن الواجهة الرسمية، وارتبط المعهد بعدهم بوزير الخدمة المدنية رئيساً لمجلس إدارته، لكن التنسيق القائم بين الجهازين، وهما منفصلان، لم يتكرر وهما متصلان إلا بعد سنوات حين تغيرت إدارة المعهد، وفي هذا درسٌ لمن يظنون خيراً بتكامل التبعية، وحقيقته في استقلال الحرية.

كان له دورٌ في التنظيم الإداري عبر إدارته المركزية في وزارة المالية، وفي الإصلاح الإداري من خلال لجنته العليا، وأنظمة التوظيف والترقية والتدريب والتأديب بحكم نيابته لرئيس ديوان الموظفين ثم رياسته لديوان الخدمة المدنية، وبقي رقماً فاعلاً في الفعل الإداري وقت عضويته في الوزارة، وخبير وذو قرارٍ بهذا الحجم يدرك الزوايا المؤثرة في التشريع المعلن والمستتر، لكنه كما هدوئِه صمتُه، ومثلما رزانته رضاؤُه ؛ ما يجعل التطلعَ لقراءة ما يستبطنه جوفُ العمل القيادي منالاً صعباً لامتلائه بالمتغيرات غير القابلة للتحرير والتوثيق، ولو كان هذا ممكنًا لرأينا للمُمْضى عنه كثيراً من التآليف والذكريات.

زاهدٌ في الأضواء، متعففٌ عما ليس له، ويروي المتعاملون معه أنه يدقق في فواتير مكتبه الهاتفية؛ فيدفع منها ما يخص مكالماته الشخصية، وتعطلت سيارته الرسمية فلم يرض بإصلاحها على «حساب الحكومة» واستخدم سيارته الخاصة، وحين يُنتدب لا يرضى بغير أيام عمله الفعلية، وهو نزيهٌ يهتم بتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، وقد وصفه مسؤول كبير بخصالٍ ثلاثٍ هي: النزاهة والإخلاصُ والأمانة.

يحترم الوقت فدوامُه الرسمي بالدقيقة وجزئِها، وتعارض موعد جلسته المفتوحة مع اجتماع رسمي بحضورٍ مشهود؛ فاعتذر عن هذه لأجل تلك، ويحظى منتداه السبتي بحضور كبير فيعطي كل شخصٍ حقه، وعندما أخطأ أحدُهم بحق عامل لديه طلب منه الاعتذار أو عدم حضور مجلسه.

قارئٌ يعي، ومثقف لا يدعي، تنقل في دراسته بين عسير وجازان والدمام ولبنان وبريطانيا والولايات المتحدة فأسهم هذا التنوع بثرائه الفكري وأفقه المنطلق واهتمامه بأمور الضعفاء والمظلومين، وحين لم يجد أنه سيقدم شيئاً ذا بال في هيئة حقوق الإنسان اعتذر عن عدم استمراره فيها، وظل -كما هو- مُحبًا لغيره محبوباً منهم، و»خير الناس أنفعهم للناس».

معالي الشيخ تركي بن خالد بن أحمد السديري (أبها؛ 1936م) يحمل الشهادة الجامعية في العلوم السياسية من الولايات المتحدة؛ التحق بالخدمة العامة منذ عام 1962 م في وزارة التجارة فمصلحة الإحصاءات العامة فديوان الموظفين ثم ديوان الخدمة المدنية رئيساً له ووزير دولة وأخيراً رئيساً لهيئة حقوق الإنسان (2006م) لكنه لم يكمل فترته فيها فطلب إعفاءه منها (2009م).

أبو زياد نموذج لإدارة الزمن الجميل، ولن نطالبه بغير توثيق تجربته ليقرأها جيلٌ لن يُقدر له أن يعرف هذه النماذج إذا ظلت صامتةً وظللنا متفرجين.

الصمت لغة.

Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة