Culture Magazine Thursday  08/12/2011 G Issue 355
أفق
الخميس 13 ,محرم 1433   العدد  355
 
مقاربة
عبدالهادي صالح في ديوانه "في انتظار الغيوم":
بين اسم الشعر وفعل النثر تتجسد معاني الدهشة
عبدالحفيظ الشمري

يتقشف الشاعر عبدالهادي صالح في بثه لشجن القصيدة التي تسكنه.. تلك التي يريد منها أن تكون رسالة متوامضة كبرق يذكر الفلاة بقرب الهطول، ليسعى بهدوء شعري وبلغة متوازنة من خلال هذه الومضات إلى تكريس رغبة مهمة أن يصل المعنى إلى القارئ بأقصر السبل.

فالشاعر هنا في أوراق ديوانه (في انتظار الغيوم) أخذ على عاتقه مهمة البيان الإفصاحي المتأصل في ملامسة معاني البحث عن الحقيقة من خلال الكثير من الصور الوجدانية المعبئة بالحكمة تارة وبالدهشة أخرى، فيما تلج روح النص أخبية الذات لتكشف للقارئ حيز التماس الذهني بين القصيدة والواقع الذي لم يفرغ الآن من رؤاه المضطربة.. تلك التي يسعى الشعر إلى تجاوزها وبناء عالم أكثر فألاً..

في القصائد توامض يشعل حضور الوعي بمغزى الفكرة التي يريدها الشاعر عبدالهادي على نحو ما رامه في قصيدة «تلون» حينما يستدعي صورة الجمال في المساحة الممتدة بين الأرض والسماء، ليستشرف رحلة البحث عن الحقيقة في تأمله للأفق الذي يزرع فيه أماله وطموحاته بأن يرى العالم وقد بات أكثر جمالاً..

ينتهج الشاعر في ديوانه أسلوب التوقيع الشعري المقتضب، حيث يصوغ في جملة قصيرة مكثفة رسالته الإنسانية، ليكشف لنا في «قصار القصائد» عتاب الأحبة وليل الشعر وصور الغياب وألون من الخيبة التي يطالعها الشعراء في قرائح شعرهم.

فالقصائد في الديوان مساحة بوح يتجلى فيها عبدالهادي صالح ليرسم فكرة التأمل الوجداني:

«هنالك في آخر البيت وردٌ

وفي الورد عطر شفيف

أقدمه في الصباح إليك،

وفي مغرب الشمس

قربان وصلٍ وروح»

يسجل الديوان حضوره الواعي في الذات والذائقة حينما يجد أن الحب لا يكون في وارد الفناء طالما انه محكوم بقوة العاطفة وصدق المشاعر، كما أن القصيدة لا بد لها أن تكون بياناً إنسانياً جمالياً يحقق معادلة المتعة والجمال..

«سأترك في هذه الكلمات

الكثير من الروح والشوق

أنثر في راحتيها

زهوراً تعطر خديك

كل صباح»

فالكلمات هنا تبقى محكومة بقاموس الجمال على نحو استحضار صورة الحب والفجر والزهور النهر والشوق وما إلى تلك المترادفات التي يصوغ منها جملته الشعرية التي لا تجد صعوبة في التعلق بها، نظراً لأنها ذات حس مرهف وبعد تأثيري آسر يصنع من المشهد العابر أيقونة جمال يرصفها إلى جوار ما سواها من مشاهد جمالية، لتكون في النهاية على هيئة بيان وجداني يرتق الفرق بين الشاعر وأحلامه التي باتت تهرب كالغيم في ذكاء السماء، .

وحينما يحمل الديوان (في انتظار الغيوم) صفة الغيم والانتظار منذ الكلمة الأولى وحتى آخر مشهد شعري يقف القارئ على مفترق الشعر حيث لا يزال الشاعر مشدوداً إلى عمق الهاجس الإنساني الذي يتطلع إليه حينما يذيع في كل قصيدة من قصائده رسائل الانتظار لغيث سيهمي، لكنه لا يعرف متى وبأي هيئة .. فهل سيقع على هيئة حب في صحاري القلب الظامئة، أم تراها أرض تشتاق إلى المطر لكي تعود إلى مجدها الجميل.

لم يطل الشاعر في وصف الكثير من الصور الإنسانية، ولم يشأ أن يطنب في النشيد، أو طلب الجمال، أو البحث عن ذات مسكونة بالحب والحنين إنما حرص في رسائله الوجدانية على أن يصور لنا الموقف بشاعرية جمة وبفكر مستنير، حتى جاء الديون على هيئة إضمامة رشيقة من الكلمات المنتقاة بعناية، لكي يحقق معدلة المتعة والفائدة.

* * *

إشارة:

في انتظار الغيوم (شعر)

عبدالهادي صالح

المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2011م

لوحة الغلاف للرسام البولندي رافال أولبنسكي

يقع الديوان في نحو(60صفحة) من القطع المتوسط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة