Culture Magazine Thursday  08/12/2011 G Issue 355
أوراق
الخميس 13 ,محرم 1433   العدد  355
 
السدحان... (مهوجساً) بيروقراطياً!

الثقافية:

تمهيد:

* نشر فقيد الوطن والقلم، معالي الدكتور غازي القصيبي، طيب الله ثراه، مقالاً في كتابه (صوت من الخليج، مقالات) الصادر في طبعته الثانية عام 2004م، بعنوان (السدحان مهوجساً بيروقراطياً)، وكان هذا المقال ضمن حصاد فكري ممتع نشره معاليه في حلقات متنوعة الموضوعات في (المجلة العربية) إبان ولاية ربانها، الأديب القدير حمد بن عبدالله القاضي، ثم رأى معاليه في وقت لاحق جمع شتات ذلك الحصاد في كتاب، صدرت منه طبعتان.

**

* ويطرح المقال المرفق وقفة نقدية وتأمليةً لكتاب السدحان المشار إليه صدر في تاريخ سابق بعنوان (هواجس بيروقراطية) تتحدث فصوله عن بعض المواقف و(المواجع) البيروقراطية في بنيتنا الإدارية، وقدم للكتاب معالي الشيخ تركي بن خالد السديري، رئيس ديوان الخدمة المدنية (آنذاك).

**

* ولطرافة ما جاء في مقال معالي الدكتور القصيبي عن كتاب صديقه السدحان، رُؤيَ إعادةُ نشره، تعميماً للفائدة.

* فإلى المقال:

السدحان.. (مهوجساً) بيروقراطياً..!

متى رأيت عبدالرحمن السدحان أول مرة؟

أعتقد أن ذلك كان في عام 1382هـ (1962م)، وكنت على وشك البدء في برنامج الماجستير في جامعة جنوب كاليفورنيا، وذات صباح جاءنا فتى أسمر خجول نحيل (لا يزال صاحبنا أسمر وخجولاً)، قيل لنا إنه كان أول الطلبة في التوجيهية الأدبية، وشاء سوء حظ الفتى الخجول النحيل أن يسكن في حي من أحياء (لوس أنجلوس) الموبوءة بالجريمة، وأوشك، ذات ليلة، أن يقع ضحية لمجرم خطير، على أن هذه قصة أخرى، له أن يرويها بنفسه ذات يوم. وعلى ذكر (قصة أخرى) أقول: (دأب الدكتور عبدالعزيز الخويطر، في الآونة الأخيرة، على أن يستخلص من التراث عبارات وأقاويل كان الشائع أن الغرب قد سبقنا إليها، وأضيف إلى ذخيرة الخويطر هذا التعبير: (هذه قصة أخرى)، سمعته، أول ما سمعته، بالإنجليزية، ثم رأيته يستخدم باللغة العربية، فافترضت أنه ترجمة حرفية، من الأصل الإنجليزي، وكم كان سروري عظيماً عندما قرأت، منذ شهور، هذا التعبير نفسه في كتاب من كتب شيخنا وشيخ الظاهريين ابن حزم الأندلسي - رحمه الله، على أن هذه، بدورها، قصة أخرى!

نعود إلى السدحان، ما أن التحق بالدراسة حتى تفتَّحت مواهبه الإدارية، وفي حقل الإدارة العامة على وجه الخصوص، ومرَّت بنا، هو وأنا، تجربة إدارية مثيرة، يوم انتخبت أنا رئيساً لجمعية الطلاب العرب بالجامعة، وانتخب هو أميناً للصندوق، وكنا نقوم بشتى أعمال الإدارة، من مطاردة الأعضاء لتحصيل الاشتراكات، إلى لصق الإعلانات، إلى غسل الأطباق بعد حفلات الطعام، على أن هذه التجربة، هي الأخرى، قصة أخرى!

المهم أن صاحبنا حصل على البكالوريوس في الإدارة العامة، ثم حصل على الماجستير في العلم ذاته، ثم التحق بمعهد الإدارة العامة في الرياض وقضى فيه سنين طويلة، مدرساً وباحثاً وخبيراً، ثم التحق بمجلس الخدمة المدنية، حيث أصبح أمينه العام منذ سنين طويلة، وعبر هذه التجربة الغنية الطويلة مع الإدارة العامة، منظِّراً وممارساً، أصبح لدى السدحان من الحكمة الإدارية ما يجعله واحداً من أبرز خبراء الإدارة العامة في هذا الوطن.

هذا ما يجعلني أقول إن كتابه الصغير (هواجس بيروقراطية) على دسامة ما يحتويه، يجب أن يكون المقدمة، والمقدمة فحسب، لكتاب أوسع وأشمل يتناول الإدارة تناولاً شاملاً بالقلم السدحاني الرشيق.

على أن القلم (السدحاني) يبلي بلاء حسناً حتى في هذا الكتيب الصغير.

* يقول عن علم الإدارة عند العرب:

(عندما نتحدث عن المدخل السلوكي للإدارة في إطارنا العربي أو المحلي فإننا نمارس ضرباً من ترف الفكر وغروره، معتمدين على نتائج اجتهادات صاغها أقوام غيرنا، وتزداد محنتنا حين نتجاوز التأمل، لهذه الاجتهادات إلى محاولة استخلاص (وصفات) نعالج بها مشكلاتنا الإدارية الراهنة، كمن يصف دواء وضعه صانعه لعلاج داء الكبد لمريض مصاب بضعف البصر فأين هذا من ذلك؟).

قال أبو سهيل: لو اشتغل السدحاني في قطاع الصحة لأدرك أن هذا كثيراً ما يحدث، وتلك قصة أخرى هي الأخرى.

* (أغمضوا أعينهم عن رؤية أي شيء سوى الوظيفة، حتى صارت تعني لهم كل شيء، صارت (زنزانة) تذوب بين جدرانها الباردة القدرة والإرادة، ولذا فهم يعيشون هاجس الخوف والقلق من الغد المجهول).

قلت: كلنا ذلك الرجل!

* ويقول عن الوساطة:

(إن القضاء على البعد القبيح للوساطة، خرافة رومانسية لا قاعدة لها، فهي باقية معنا، شئنا أم أبينا، لكن يمكن ترويضها، بعدة أساليب أهمها القدرة على التمييز بين صالحها وفاسدها، ثم الشجاعة في مواجهة سلبياتها بحزم رادع).

قال المتنبي: (والإقدام قتال)!

* ويقول عن رشوة الوساطة (أو وساطة الرشوة):

(هناك (صلة قربى) بين الرشوة وبعض أنماط الوساطة، إذ قد تغدو إحداها مطية تقرب من ذي نفوذ، فيبلغ منه طالبه ما يريد، ويتجنب ما لا يريد، والأعجب من هذا وذاك أن هناك فئة من الناس تجاهر بمثل هذا السلوك، وتدعي شرعيته، وتخلع عليه نعوتاً تقتبسها من قاموس أعمال التجارة، كما لو كان هذا السلوك عملاً حراً وشريفاً).

قلت للسدحان معابثاً:

- لو كتبت أنا ما كتبت أنت لغضب أقوام - ولا يغضب منك أحد فكيف تفسر هذا؟

قال ضاحكاً:

- الفرق في الحجم!

... والمعنى في بطن السدحان!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة