Culture Magazine Thursday  08/12/2011 G Issue 355
فضاءات
الخميس 13 ,محرم 1433   العدد  355
 
قل.. وقل!
عبدالله العودة

شكيب أرسلان يوم كان في العشرينات من عمره خاض حرباً صحفية ضد عالم اللغة الكهل «البستاني» انتصاراً لأحمد شوقي في عباراته التي استخدمها وتخفف فيها من القواعد العربية الصارمة؛ كان البستاني ينتصر لمذاهب علماء العربية من أهل الكوفة وغيرهم الذين يجيزون القياس في اللغة، ويفتحون الباب لسعة الاستخدمات المجازية والتعبيرية في اللغة العربية، ولكنه في الوقت نفسه قاده حسه اللغوي للحملة الشرسة على أمير الشعراء: أحمد شوقي.

كان شكيب أرسلان يقول إن البستاني يحسد شوقي على ثرائه اللغوي وأنه يريد أن يتصيد عليه الزلات ليقول للناس: أمير الشعراء يرتكب هذه الأخطاء اللغوية السخيفة!.

شكيب أرسلان، أمير البيان كما كان يسمى هو الآخر، لاحظ مبكراً أن كثيراً من تلك التعبيرات «العربية» هي مترجمة بطريقة أداتية تجعل القارئ العربي يفهم بالدقة ماذا يريد الكاتب من غير أن يرتبط ذلك التعبير بقواعد العربية المحددة من قبل بعض مدارس اللغة الشهيرة بل ربما كان له قواعده الخاصة عند مدارس أخرى.

تلك التعبيرات المجازية والعبارات الحرفية المترجمة والمعربة حين بدأت بالتحول للغة عربية فصيحة دارجة في الصحافة والإعلام بل والأدب وقف منها المهتمون باللغة العربية مواقف مختلفة كان أشرسها مهمة القيام بالحرب النحوية لتبخيس هذه العبارات والمجازات للحفاظ على الصيغ التقليدية. وقد ألف في هذه الحرب هؤلاء اللغويون مؤلفات كثيرة حول «أخطاء لغوية شائعة» و»أدب الكتاب» و»أوهام الكتاب» و»تصحيف الصحف» و»قل ولا تقل».. إلخ من البستاني نفسه والشدياق وغيرهم إلى أبي تراب الظاهري وبكر أبوزيد وغيرهم.

وموقف آخر بالمقابل يبرر تلك العبارات ويجيز القياس اللغوي ويفرع على الكلمة اشتقاقاتها حتى غير المستعملة سلفاً ويجيز التوسع في اللفظ والتعبير ويعتقد هؤلاء أن ذلك من دلائل الصحة والقوة للغة نفسها ولمعطياتها وآلياتها التي لا تنتهي.. وبين هذا وذاك يكون مجمعا اللغة العربية في القاهرة وبغداد.

وهذان الفريقان اللغويان بقدر السهام المحلقة بينهما.. لكل منهما إرث وتاريخ لغوي مدرسي يمتد لتلك المدارس النحوية البصرية والكوفية والبغدادية وقبلهما.

وهذه الفجوة بينهما هي التي جعلت أحمد الزيات يعدل عنوان الديوان الشهير لنزار قباني - في بداياته- من «طفولة نهد»- وهو العنوان الحقيقي له- إلى «طفولة نهر» -وهو الذي ظنه الزيات وظن أن الأول تحريفاً مطبعياً!

وحين كان يقول الطنطاوي- على سبيل المثال- بأن كلماة الستينات والسبعينات ونحوها خطأ لغوياً لأن الستينات جمع ستين وأن الصحيح «ستينيات» لأنها النسبة لسنة الستين، كان ناصر الدين الأسد يقول بأن الستينات والسبعينات ونحوها صحيحة لأنها جمع «واحد وستين» و»اثنين وستين» .. إلخ.

وأمثلة كثيرة تقول بأن تلك العبارات المستخدمة لها سبيلها للغة اليومية والصحفية وأن العربية لا تضيق بذلك لأنها اتسعت لعبارات هي أبعد وأغرب منذ عصر التاريخ غير أن قواعد اللغة العربية وأصول لغة القرآن باقية راسخة تكفل الله بحفظها من الزوال وصيانتها من العبث.

تلك المدارس العربية هي التي غمزها المثل المعروف «لا يخطئ نحوي» لأن النحو العربي بأصوله الغنية الثرية وقياساته ودلالاته واسع .. له دائرته الشاملة بيد أن لها محيطها الثابت.

وفي اللغة العربية اليوم.. تلك العبارات الكثيرة المتسللة إلى العربية هي عربية مركبة أو عربية مؤصلة.. لها قواعدها التي تجعلها أوسع من أن تقول فيها لكل عبارة «قل ولا تقل» بل «قل وقل».. وفي نفس الوقت، اللغة العربية بأصولها وقياساتها ودلالاتها ومجازاتها حفظها الله بالقرآن العظيم لأنه لسان عربي مبين لا مجال للخوف عليه أو التخويف فيه.

aalodah@hotmail.com أمريكا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة