Culture Magazine Thursday  10/03/2011 G Issue 334
فضاءات
الخميس 5 ,ربيع الآخر 1432   العدد  334
 
ليس للنشر
الثورة والأدب: أين يكمن السر؟
نورة القحطاني

لا أدري لِمَ استحضرت تاريخ الأدب ودور الأدباء عندما تجولت في معرض الرياض الدولي للكتاب في ظل غياب بعض دور النشر العربية التي اعتدنا وجودها سنويًا في عرس الكتاب، ربما لأنه أقيم في فترة زمنية تعصف الثورات فيها بدول العالم العربي، ويسود القلق على مستقبل أخوتنا العرب في كل مكان من عالم نشعر بأننا جزء منه نشاركهم همّهم وندعو بالنصر لهم وإعادة الأمن والاستقرار لأوطان غالية علينا ولنا فيها أصدقاء وأهل وأحبة سنظل نقف معهم حتى يصلوا إلى بر الأمان.

هنا تستحضر دور الأدب في تاريخ العرب والحضارة الإسلامية، فقد نهض بأدوار مهمة، فكان الشاعر والخطيب في العصر الجاهلي لسان قومه في السلم والحرب، وكانت كل قبيلة تحرص على اختيار شاعرها وخطيبها فما أن تندلع حرب حتى يخرج ذلك الشاعر يلهب حماسة قومه ويشد من أزرهم في المعارك، تارة بالمدح وتارة بهجاء العدو والتقليل من شأنه وتارة ثالثة بالتغني بأمجاد قومه وبطولاتهم، وبعد ظهور الإسلام استمر الشعر قائمًا بدور رئيس في الدعوة والجهاد، فكان لسان الدعوة الذي أسهم في انتشار الإسلام ورافق المسلمين في انتصاراتهم على الشرك وأهله، بل إنه كان سلاحًا فتاكًا تخشى منه قريش وتهابه فعرضت أموالاً وإبلاً على شاعر الرسول حسان بن ثابت كي يسكت عن هجائهم، ولكنه كان سيفًا صارمًا نال منهم وأربكهم في أرض المعارك حتى حثَّه الرسول صلى الله عليه وسلم على حربهم فروي عنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اهجهم وروح القدس معك» ليكون دليلاً على مكانة الشعر عند العرب وأثره في الحياة، بل إن العرب كانت تستخدم الأدباء للمفاخرة على قبيلة أخرى وما فن المنافرة الذي حمل لنا تاريخ الأدب جزءًا كبيرًا منها إلا تعبير صادق على تقدير العرب باختلاف عصورهم للأديب ودوره في نصرة قومه وأمته، وما عليك إلا أن تعود إلى صفحات الأدب لتقرأ قصائد المتنبي التي دعمت الدولة الحمدانية ورافقت انتصارات سيف الدولة الحمداني الذي ربطته بالشاعر علاقة حميمة دفعت الحاقدين لإفسادها، ومن ثم القدرة على إسقاط حكم سيف الدولة بعد أن حفظت قصائد المتنبي معاركه وبطولاته حتى أصبح الشعر في مراحل زمنية مختلفة وثيقة تاريخية، وصارت الرسائل والخطب والمقامات والفنون الأدبية المختلفة مرجعية مهمة للمؤرخين وعلماء الاجتماع وغيرهم، وخير دليل على دور الكتاب في عهود تاريخية مختلفة شهادة صلاح الدين الأيوبي في حق كاتبه القاضي الفاضل (عبد الرحيم البيساني) عندما قال: «لولا قلم القاضي الفاضل لما فتحت القدس» وكذلك دولة الموحدين في المغرب التي احتفت بالكتّاب والاهتمام بكتاباتهم ورسائلهم التي لا يستبعد أيضًا دورها في انتصاراتهم العظيمة.

الأدب هو الكلمة الحرة المسؤولة والمعبرة عن الذات الجمعية التي تبحث عن الأسباب وأساليب العلاج وليس تلك الكلمات المنافقة التي تسعى للتبرير والمجاملات لتحقيق مصالح خاصة، فالأديب عندما يكتب يكشف عن بركان الثورة في الذات الواعية بدورها، وتظهر ألفاظه ومعانيه ورموزه كعناصر ثورية يعبر بها عن رسالة يحملها إلى المتلقين، فتتحرك داخلهم تلك العناصر وتتشكل المعاني في وعيهم لينهضوا بما يحقق لهم القيم التي يناضلون من أجل تحقيقها، فالقيمة التعبيرية للنصوص الأدبية تكمن في رسم معاني الحرية وقيم العدالة والإنسانية التي ينشدها المتلقي ويبحث عنها، فنجد قصائد محمود درويش في المقاومة الفلسطينية، ونضاله بالكلمة من أجل الوطن، وخطابه المشحون بالغضب وسيلة من وسائل الثورة على الأعداء، وشحذ الهمم لمقاومة الاحتلال الغاشم، فرافق الأدب القضية الفلسطينية منذ بدايتها ولا يزال يسجل صوت الحق المناضل لعودة الوطن المسلوب لأصحابه، وهناك صوت أديب آخر ناشد الحرية بصوت لم يضعف أمام التهديد والتعذيب والسجن (أمل دنقل) الذي قضى حياته في النضال بالكلمة التي كانت وما زالت سلاحًا لا يستهان به.

وتعود للأذهان قيمة الأديب عندما تسمع الشعب التونسي أثناء الثورة يردّد بيت أبي القاسم الشابي:

إذا الشعب يومًا أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر

مما يدل على عمق تأثير الأدب وأنّ القصيدة لازالت تحتفظ بمكانتها وتأثيرها في المتلقين بما تحويه من أصالة وعمق يعبر عن وعي الأديب بهويته التاريخية وذاته الحرة المتطلعة إلى الاعتزاز بقيمها العليا، وبهذا لم تقم ثورة عبر التاريخ إلا والأدب فارس من فرسانها، والكلمة سيف أشد في كثير من المواقف من «وقع الحسام المهنّد» وما يحدث هذه الأيام يدفعك للتساؤل: أين تأثير الكلمة اليوم؟ بل أين الأدب والأدباء عن دورهم التاريخي العميق؟ لن تحضرك إلا إجابة واحدة وصادقة: الأدب وكتّابه موجودون ولكنهم جردّوا من أسلحتهم، بل كسرت أقلام أبطالهم، شنّت الرقابة وسياسة الحجب والمنع حربها ضد الكلمة وكاتبها، فأصابت المثقف والمفكر والأديب مشاعر العجز والإحباط أمام معارك التصميت والإقصاء التي لا تفتأ تشن غاراتها على ذوي الكلمة والرأي خوفًا من الكلمة!

وسيظل السؤال: هل ستبقى سياسة القمع والحجب مجدية في زمن خرج أهله عن صمتهم وارتفعت أصوات حناجرهم تدك أسوار الصمت؟؟ يبقى الجواب معلقًا على صفحات تاريخ الأدب.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة