Culture Magazine Thursday  13/01/2011 G Issue 329
فضاءات
الخميس 9 ,صفر 1432   العدد  329
 
الحوار الوطني ما بين إحياء الثقافة القبلية وحرية الاعتقاد الفكري
سهام القحطاني

كل الدول التي انتقلت شعوبها من طور القبيلة إلى طور المدينة، مثل السعودية، بالتدريج تحولت القبيلة عندها من الانتماء التمثيلي إلى الانتماء الرمزي، أي أصبحت تمثل شعاراً معنوياً لا قانوناً حياتياً على مستوى الثواب والعقاب.

وقد تم هذا الانتقال بفضل توحيد قاعدة قوانين التعايش المشترك بين القبائل في ظل توحيد المكان وثباته واستقرار السوق الاقتصادي وضبط كلية بنية السجل الثقافي للمشتركين، كل ذلك ما كان ليحدث لولا فرض أحادية الدستور السياسي، وبذلك تغيرت فكرة الانتماء التمثيلي عند البدوي المستوطِن وانتقلت ماهية الانتماء من الخاص إلى العام ومن الجزء إلى الكل ومن فوضى المكان إلى «الوطن المكان»، ومعها نُقلت معايير مركزية الانتماء في ظل قوانين التعايش المشترك من رأس القبيلة إلى رأس الدولة.

وإعادة تشكيل انتماء القبلي المستوطِن ليتناسب مع متطلبات وخصائص «وحدة الهوية الوطنية» الجديدة لم تمنعه من الاحتفاظ بوثيقة ثقافته القبلية، وقد ساعده على سهولة الاحتفاظ أن ضبط السجل الثقافي للقبائل المستوطِنة من قبل مركزية الانتماء لم يهدف إلى تغيير معايير ثقافة المستوطِن القبلي أو عصرنتها خشية من تمرد القبلي على تلك المركزية، وإنما هدف إلى توحيد الكلية الثقافية دون تفاصيلها؛ فالتفاصيل الثقافية ظلت متعددة ومتنوعة، وهو ما جعل المستوطِن القبلي «السعودي» يتكيّف مع التحديث الاجتماعي والاقتصادي والعمراني بذهنية قبلية.

ولا شك أن الاحتفاظ بتلك الذهنية القبلية يمثل عامل قوة على مستوى وعامل ضعف على مستوى آخر؛ لأن تحديد قيمة القوة والإيجابية أو إشكالية الضعف والسلبية يعتمد على مؤثر المقاصد والغايات والأثر.

والذهنية القبلية هي عامل قوة على مستوى معادلة التناسخ والتبادل التي مكنت القبلي المستوطِن «السعودي» من نقل مركزية الانتماء وتوحيدها من القبيلة إلى الدولة ونحوله من «كائن قبلي» إلى «كائن مستدول» على المستوى الانتمائي والبرغماتي، وبذلك أصبح القبلي يشعر بأنه جزء من كيان موحد ومتنوع في الوقت ذاته، وهذا الشعور أذاب التمييز والصراع القبلي بين الأفراد على مستوى الانتماء إلى الدولة والانتقال من مفهوم القبيلة إلى مفهوم الوطن في ظل مشترك ثابت سياسي ومكاني وحقوقي.

أما عامل الضعف فالانتماء القبلي على مستوى الشعار المعنوي يبطئ عملية التغيير والتغير لمنظمومة العادات والأعراف، وقد يدفع أي إجبار لتغيير أو تغير تلك المنظومة القبلي المستوطن إلى تفكيك مركزية انتمائه والعودة إلى الخاص والجزء ورأس القبيلة.

ولو توقفنا للبحث عن أسباب عودة السعودي إلى «إحياء ثقافته القبلية» سنجد أن هناك جملة من الأسباب هي التي دفعت الشباب السعوديين إلى حركة «إحياء الثقافة القبلية» وهي حسبما أعتقد:

بعد تأسيس الدولة ظهر لدينا جيل أستطيع القول إنه يمثل جيل النهضة في المجتمع السعودي، وتواكب ظهوره مع حيوية حركة نهضة المجتمع السعودي. وقد ألمح أستاذنا الغذامي إلى هذا الجيل في كتاب حكاية الحداثة.

وجيل النهضة بدوره انقسم إلى قسمين: القسم الأول انشغل باستثمار مقومات النهضة والطفرة الاقتصادية لبناء مستقبله الاجتماعي والاقتصادي، والقسم الثاني هم الذين بُعثوا إلى الخارج لاستكمال تعليمهم، وبذلك انشغل جيل النهضة عن تأسيس وثيقة أو قاعدة بيانات لهوية ثقافية يستفيد منها الأجيال الجديدة؛ فجيل النهضة عادة هم المسؤولون عن تأسيس مرتكزات الهوية الثقافية للأجيال بعدهم، وهذا قدرهم وليس اختيارهم.

وفراغ الهوية الثقافية الذي وُرث من جيل النهضة توازى مع عوامل مختلفة بعد جيل النهضة؛ ليكرس ذلك الفراغ، منها المقررات التعليمية التي كانت تُحرم مصطلح الوطنية كما تُحرم الاحتفاء باليوم الوطني أو تعزيز البعد الوطني والقومي والعروبي عند الطالب، وكان طلاب التعليم العام يتخرجون فارغي الهوية والوطنية، وتوازت مع المقررات الحركة الشعرية الجديدة في السعودية المعنونة ب»شعر الحداثة» وقصيدة النثر، وكانت تجربة «شعر الحداثة» فارغة من أي هوية ثقافية محلية، مغرقة في الغموض والأوهام.

وبذلك فقد الأدب وظيفته كمؤسِس من مؤسِسات الهوية الثقافية للفرد والمجتمع، ومع هذا المناخ «الدراكولي» لشعر الحداثة كانت حركة «الصحوة» تمد أطرافها لتقتلع الشباب السعودي من هويتهم المحلية والعروبية وانتمائهم الثقافي المحلي من أجل دفعهم إلى التضحية بأنفسهم باسم الجهاد الإسلامي.

ولا شك أن تجريد الشباب السعودي من انتمائه الوطني والثقافي كان في مصلحة تلك الحركة، وقد دعم أهدافها شعر الصحوة وفتح المنابر الثقافية لها في ذلك الوقت.

ثم جاءت تفجيرات الحادي عشر من أيلول واشتراك بعض الشباب السعوديين في تلك التفجيرات، الذي دفع بعض الدول الغربية إلى التشهير بالمجتمع السعودي وهويته وثقافته وتحويله إلى مجموعات من العصابات والمتطرفين لمجرد اشتراك ثلة من الشباب السعودي في تلك الأحداث.

ثم جاءت الحرب الاستباقية على الإرهاب التي تزعمتها أمريكا وتهديدها المستمر للمجتمعات التي اشترك شبابها في تلك الأحداث بتغيير المجتمع وثقافته، وتصاحبت تلك التهديدات مع بروز العولمة التي هددت الخصوصيات الثقافية بالتذويب والانصهار مع ثقافة القطب الواحد وأمركة ثقافات الشعوب، وظهور الفضائيات التي كانت إحدى وسائل الدفاع عن هوية المجتمعات وثقافاتها مقابل جمود الإعلام السعودي.

وفي خضم كل ذلك كان المواطن السعودي نفسه شبه فارغ من أي خصوصية ثقافية «مستدولة» توفر له الأمن النفسي والثقافي؛ فلم يكن لديه سوى أن يلجأ إلى إحياء ذاكرة ثقافته القبلية؛ كونها ثقافة مكتملة ومعروفة لتعبئة شعوره بوجدانية الهوية والإحساس بالتمييز الثقافي عن الآخرين، وحماية شخصيته من ألم الفراغ الثقافي.

أما فيما يتعلق بالتصنيفات الفكرية أو «حرية الاعتقاد الفكري» فالمقصود بالاعتقاد الفكري الاختلاف في المنهج على مستوى النظرية وقانون الإجراءات المفترض الذي يُمكن أن يحقق إنجازاً معيناً أو أن يسهم في حل مشكلة أو كيفيات تشجيع حركتي التطوير والتغيير الاجتماعيتين.

والمجتمع السعودي «أحادي الفكر الثقافي»، ولا يوجد لدينا حتى اليوم على مستوى أصلية النظرية أو القانون الإجرائي «تعددية فكرية ثقافية حقيقية»، بمعنى أن كل مثقف يحمل أجندة فكرية ثقافية مبنية على كلية نظرية الاعتقاد الفكري المخصوص. نعم لدينا أفكار علمانية لكن نفتقر إلى الفكر العلماني، ولدينا أفكار ليبرالية لكننا نفتقد الفكر الليبرالي، الذي يلزم استراتيجية إجرائية وحرية تطبيقية، وهذا ما يجعل الأفكار المستجدة مقلدة وساذجة لا تصل إلى مستوى تكوين منهج فكري أو تأليف تيار.

كما أن غياب التعددية الفكرية في المجتمع السعودي مرجعه إلى غياب العلمانية الثقافية وعلمانية الدستور السياسي والديمقراطية الإعلامية من خلال صحافة مستقلة ومعارضة ثقافية، وقبل الجميع هيمنة «الخطاب الديني» مقابل ضعف الأفكار الثقافية التي حتى الآن لم تستطع تكوين خطاب ثقافي متكافئ مع قوة الخطاب الديني.

إن غياب التعددية الفكرية في المجتمع السعودي وترسيخ أحادية ثقافية مرجعهما ربط تجديد الاعتقاد الفكري بمصدر «تقاليد الدين»، وذلك هو الذي يدفع إلى الصراع في المجتمع: استغلال الدين كمنظومة تقويمية للاعتقاد الفكري.

فالاعتقاد الفكري يجب أن يرتبط بأمرين: الأول نهضوي «النفعية والغاية» المحققة للفرد والمجتمع، والثاني «حقوقي»؛ فمن حق كل فرد أن يختار اعتقاده الفكري كما يريد دون أي شروط أو قيود دينية أو مذهبية أو عرقيّة، سوى مراعاة سلامة الأمن القومي للبلد ومنفعته النهضوية.

وأخيراً لا بد من الإشادة بالتنظيم الدقيق لجلسات الحوار الوطني وتكافؤ الفرص بين المداخلين والمداخلات؛ فقد حرص جميع المشاركين والمشاركات على حضور الجلسات والمشاركة، وتلك الأمور للأسف نفتقدها في الأعم الأغلب من الفعاليات الثقافية إن لم تكن كلها.

كما أن تلك المميزات غطت على فتور الحوار وبرودته في الجلسات والتحفظ الملاحظ على مداخلات المشاركين والمشاركات؛ فخرج الجميع من الحوار لا غالب ولا مغلوب.

لكن ما لفت انتباهي هو هيمنة «رجال الدين» سواء من المعتدلين أو المحافظين القدامى على إدارة الجلسات، مع التزامها بالرقي السلوكي في إدارة الجلسات، وإقصاء أرباب بقية التيارات، وكذلك غياب المرأة عن المشاركة في إدارة الجلسات، ولا أدري ما السبب؟!

مع أن الحوار الوطني يهدف إلى إشاعة قيم المساواة بين النساء والرجال والتيار الديني والتيارات الأخرى ومكافحة التمييز الفكري والجنسي على مستوى التنظير والتطبيق «أليس كذلك»؟!

مداخلات أُلقيت في جلسات الحوار الوطني في جدة

جدة sehama71@gmail.comb

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة