Culture Magazine Thursday  13/01/2011 G Issue 329
فضاءات
الخميس 9 ,صفر 1432   العدد  329
 
ذكرياتي معهم
الشاعر: طاهر زمخشري
د.حمد الزيد

شاعر سعودي عملاق من الرعيل الأول ويدخل في الرعيل الثاني لرواد الشعر السعودي المعاصر، كتب الكثير من الشعر ولدي منه مجلدان ضخمان نشرتهما شركة تهامة للنشر بجدة وسمتهما «مجموعة النيل» نسبة إلى مصر و»مجموعة الخضراء» نسبة إلى تونس.. وكان الشاعر يحب هذين القطرين العربيين.

وهو «بابا طاهر» الذي كنا نسمعه ونحن صغار في الإذاعة السعودية كما اشتغل المرحوم بالصحافة في المنطقة الغربية، ولكن صفة الشاعر بقيت ملازمة له ومسيطرة على شخصيته وشعره وإنتاجه الغزير، وكان يكتبه بالفصحى ولغته قوية وديباجته وسبكه لا يجارى كما كتب بعض الأغاني بالعامية.

وهو «محبوب في الأوساط الأدبية والشعبية.. خفيف الروح ذو سمرة داكنة وقلب أبيض وقامة مكتنزة مربوعة، تعرفت عليه في «ثلوثية» السيد محمد سعيد طيب بجدة في حدود عام 1402هـ، ثم سعيت إليه في داره بتونس ومعي الكاتب عبدالرحمن المعمر، وهناك وجدناه فاستقبلنا بحفاوة.. وكان مريضاً بالكلى ويده مربوطة من أثر الإبر التي كان يغرز بها كل أسبوع لعمل الغسيل الطبي.

وجلسنا وتعشينا وتحدثنا.. ولكن في غير صفاء فقد كان مريضاً وكانت عنده المطربة «عايدة بوخريص» وهي مطربة تونسية تبنّاها «بابا طاهر» فنيا وأشهرها وتغني بعض أشعاره وكلماته وكانت تقوم برعايته وكأنها إحدى بناته.. وتتحمله، ولم يكن شاعرنا في سعة من العيش، وقد اشترت الحكومة السعودية له تلك «الفيلا» التي قابلناه بها في تونس وكانت بجوار وزارة الفلاحة.. وأثاثها عادي، وتبدو الفوضى وانعدام الجو العائلي سائدة، ولولا هذه الفنانة الشابة التي تقف بجوار شاعرنا العملاق لعاش في بؤس عظيم!

وفي تلك الجلسة سجلت مع شاعرنا حديثاً صحفياً لنشره في الصفحات الثقافية التي أشرف عليها في مجلة «اقرأ» ولازال شريط التسجيل بصوت الشاعر الكبير عندي وهو من الأشياء التي أعتز بها كثيراً.

وبعد أيام فوجئت بزيارة «بابا طاهر» لي علي غير موعد، وكنت أسكن في «نزل تونس الدولي» في شارع الحبيب بورقيبه بالعاصمة التونسية، نزلت من الغرفة ووجدته -رحمه الله- واقفاً عند مكتب الاستقبال، وكان كل التوانسة يعرفونه ويحيطون به كلما رأوه وكان يظهر بالزي السعودي.

ودعوته لفنجان شاي أو غيره في مقهى الفندق فقال: نطلع للغرفة؟! وصعدنا للغرفة وكان مضطرباً بعض الشيء ومتعباً كما يبدو، وجلسنا وطلبت له بعض الطعام فأخذ منه ملعقة أو اثنتين ثم قام لسرير وتمدد عليه وطلب النجدة! والنجدة هنا «عايدة» فطلبتها بالهاتف وجاءت مسرعة، وساعدناه على النزول إلى السيارة التي كانت تقف على باب الفندق، وعرضت على «عايدة» أي مساعدة أو أن أذهب معهم فرفضت شاكرة وقالت إنها ستتدبر حالته كالعادة وستذهب به للمستشفى لعمل ما يجب، ويبدو أنها تعودت على مرضه رحمه الله.

ولم أر شاعرنا اللطيف الظريف بعد ذلك إلا في جدة مرة أو مرتين ولكنني كتبت عن بعض دواوينه في الصحف السعودية ثم في كتابي «كاتب وكتاب» وعن مجموعته الشعرية» (مجموعة الخضراء) وتمنيت أنني عرفت الشاعر الكبير في وقت مبكر فقد عانقت روحي روحه!

إن (بابا طاهر) إنسان حقاً وشاعر مجيد وعظيم وعندما تقابله أو تقرأ له تحس بتوهج الإنسانية والشاعرية وروحه السامية في حضوره الشخصي ونفسه الأدبي، وتواضعه وخفة دمه فكان يدعو نفسه أمامنا ( أنا الفحمة السوداء) وهو في الواقع ماسة لامعه خرجت من الفحم.

رحم الله الزخمشري فقد كان من بقية الشعراء العظام في العصر السعودي الحديث وما أقلّهم؟!.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة