Culture Magazine Thursday  13/01/2011 G Issue 329
فضاءات
الخميس 9 ,صفر 1432   العدد  329
 
خمسون عاماً على ندوة الرفاعي الأدبية
د. عائض الردادي

سبعون عاماً ما بين عامي 1342 و1414هـ عاشها أبو عمار عبدالعزيز الرفاعي وصفها في قصيدته «السبعون»:

سبعون يا صحبي وجل مصاب

ولدى الشدائد تعرف الأصحاب

سبعون في درب الطفولة شوكة

أما الشباب فليس ثمّ شباب

الجدّ أغراني برغم جفافه

فظمئت حتى لو أتيح شراب

سبعون عاماً كانت حافلة بالعطاء في الثقافة، شارك فيها في تأليف الكتب المدرسية، وأنشأ مع أصحابه من الشباب لجنة التأليف والنشر التي نشرت عدداً من الكتب، وفيما بعد أنشأ دار الرفاعي التي نشرت عدداً من الكتب من أبرزها سلسلة المكتبة الصغيرة وألّف اثنين وعشرين كتاباً نشرت في حياته ونشر غيرها بعد وفاته، وشارك مع رفيق عمره عبدالرحمن المعمر في إصدار مجلة عالم الكتب، وكتب في الرحلات والمقالة، وحلق في المقالة الوصفية بالذات، ونشر بعض شعره في ديوان ظلال ولا أغصان وأحمد الله أن يسر لي جمع شعره وإصداره، وهو كما قال عنه عبدالله القرعاوي: «كان شخصية شاملة، يتمتع بالخلق الرفيع، والأدب الجم حتى يصل به هذا الأدب إلى إنكار كل أعماله مع ما تمتع به من إنجازات، ولكنه تواضع العلماء.

لن أتحدث عن إنجازات الرفاعي، ولا عن أدبه بشقيه في الدرس والنفس، ولا عن الأوسمة التي حصل عليها، ولا المؤتمرات التي حضرها، ولا عن اللجان والهيئات التي كان عضواً فيها، فالكلام عن ذلك يطول، ولكني سأتحدث عن عمل خالد ما زال حياً نحتفل بمرور خمسين عاماً على إنشائه، إنه ندوة الرفاعي، التي كانت جلسة أدباء أصدقاء فتحولت إلى ندوة أدبية.

يقول عنها الرفاعي: «بدأت الجلسة عام 1382هـ في دار صغيرة كنت أستأجرها في الملز، في حي البحر الأحمر، في غريفة لا تزيد عن 4 × 5 أمتار، كان يوم الخميس من كل أسبوع هو اليوم الذي أخصصه لاستقبال أصدقائي ومعارفي، فقد كنت أعمل ليل نهار كما هو شأني الآن، والحمد لله على نعمه الوافرة، وحينما قدمت إلى الرياض من جدة لم أكن أعرف عنها إلا القليل، فكنت في حاجة إلى أن آنس بأصدقائي، وأجتمع بمعارفي.. إنها جلسة عفوية لا يخطط لها ولا ينسق، وطابعها هذا محبب لدي، أما التخطيط والتنسيق فمن شأن النوادي الأدبية الرسمية.

هكذا بدأت ندوة الرفاعي، ولم يخطر بباله آنذاك أن جلسته العفوية الأخوية ستكون تاريخاً لمجالس الثقافة والأدب في حياته وبعد مماته، ولكن حسن نيته وحبه للأدب، وعلو ما يدور فيها من سمر أدخل الجلسة التاريخ الثقافي لتكون أما أنجبت ندوات كثيرة وبخاصة بعد وفاته.

سئل عن سبب تعلقه بالندوات الأدبية فقال: «جلسات العلم والأدب في رأيي كتاب حي مفتوح، يشترك فيه أكثر من مؤلف، ويدخل النقد فيه عن طريق الحوار ليكون عنصراً ملازماً، وحب هذه الجلسات أمر فطري طبعي لمن شرب حب الأدب إذا لم يكن يميل إلى الوحدة والانفراد بالذات، وإلا فالإنسان مدني بالطبع.. والجلسات الفكرية تعد مدارس علم وأدب، والاجتماع في الأساس كان هو وسيلة العلم الأولى، وكان التلقي ركيزته، وذلك قبل أن يعرف الإنسان القلم والكتابة والكتب».

تلك كانت بداية الندوة، وتلك كانت فلسفة مؤسسها، كان صاحبها يفتح باب داره بعد المغرب وتمتد الندوة إلى حوالي الثانية عشرة، وعندما كان على رأس العمل كان لها رحلتان: رحلة شتاء في الرياض ورحلة صيف في الطائف، وعندما تقاعد أصبح لها ثلاثة مواطن الرياض شتاء وجدة في الربيع والأندلس في الصيف.

كانت موضوعات حوارها عفوية غير أن الموضوع إذا طرح استأثر بجل الوقت، وإذا حضرها ضيف زائر أعطي الفرصة للكلام عن الاتجاه المبرز، فيه ويعقب ذلك حوارات وتعليقات، ودرج صاحبها على تخصيص الثلث الأخير منها لإنشاد الشعر، ويندر أن يزور الرياض مثقف بارز دون أن نراه في آخر الأسبوع في ندوة الرفاعي.

كان الرفاعي رباناً ماهراً في إدارة الحوار، بالرغم من أنه يكرر أنه أحد روادها، ولذا يندر أن يحصل شدّ أو احتداد في الحوار ومتى ما رأى أن الموضوع قد استكمل نقاشاً أو بدأ يخرج عن التعصب للرأي تدخل بشكل هادئ وخرج به إلى موضوع آخر، وكان بارعاً في صرف من لا يحسن الحوار بلطف وأدب لئلا يعكر جو المنتدى، وكان حريصاً على أن يخاطب الشخص برتبته العلمية أو العسكرية أو الوظيفية أو بالكنية، ولم يكن يخاطبه باسمه المجرد.

لو أردت التفاصيل عن الندوة في زمن مؤسسها لطال الكلام ولكن حسبي أن أقول: كانت الندوة زينة المجالس في رقي حوارها، فالحوار يدور على مستوى رفيع، يتعرف من يحضره على حوارات الرجال والمثقفين وآدابها، وعلى حسن الكلام، وحسن الصمت، ويرى بعينيه أن مجالس ذوي الفضل مدارس آداب، ومعاهد ثقافة، وأنها راحة للنفس، وواحة للوجدان، وسلوة للحزين الحيران بما يتخللها من طرائف تليق بمجالس الفضل.

وإذا ألقى الشاعر قصيدة وكان لبعض الحاضرين نقدات، تلقاها بنفس راضية، لأن النقد يقدم بأسلوب راق، يجعل المنقود يفرح به، ويسعد بسماعه، ويدرك أنه صدر من ألسنة صادقة لا ألسنة حاقدة حاسدة.

وإذا ما انفض الجمع - تعلو وجوههم البسمات - لقيهم أبو عمار عند بوابة الخروج وفي يده قارورة عطر ليضمخ أيديهم بالعود.

ومعدل حضور الندوة حوالي ثلاثين رائدا في الليلة الواحدة، وقد يزيدون قليلاً، ولها فضل في صقل كثير من المواهب، وبخاصة المواهب الشعرية التي كانت تلقي الشعر فتجد التشجيع والتوجيه ولن أبالغ إن قلت: إن بعض الشعراء كان الفضل للندوة - بعد الله - في صقل مواهبهم وتعريف الناس بهم.

في عام 1414هـ حانت ساعة الوداع، فقال أبو عمار في قصيدة «السبعون»:

حنّت إلى عبق التراب جوانحي

لا غرو، يشتاق التراب تراب

وعند ذلك كان التوقع أن تغيب ندوة أدبية دام عمرها أكثر من ثلاثين عاماً كانت حافلة بالعطاء، وبكريم السجايا، وكانت نموذجاً لمجالس الأدب والعلم والفضل، لكن إرادة الله شاءت ألا تغيب شمس هذه الندوة، وأن تمتد عمراً ثانياً، فيه الوفاء، وفيه العطاء، إذ تكفل الشيخ أحمد بن محمد باجنيد الذي كان أحد روادها بأن تستمر في منزله إلى أن بلغت سن الخمسين من عمرها، ولم يكتف بذلك بل، وفاء منه لدور المؤسس سماها ندوة الوفاء، وحسبه ذلك نبلاً.

والشيخ أحمد باجنيد عميد ندوة الوفاء شخصية اجتماعية بارزة ذو صلة كبيرة بالمثقفين والأدباء والعلماء والمفكرين، له مشاركة بارزة في الخدمات الاجتماعية، وهو عضو في عدد من المجالس والجمعيات، وفي كتيب ندوة الرفاعي (ندوة الوفاء) الذي طبع طبعة تذكارية بمناسبة مرور خمسين عاماً على الندوة معلومات عن شخصيتي الندوة: الرفاعي وباجنيد.

أما عن ندوة الوفاء فقد كانت البداية إبان حياة الرفاعي حيث كثر سفر الأستاذ الرفاعي في السنتين الأخيرتين من حياته فاستأذنه الشيخ أحمد باجنيد أن تعقد في منزله وتعود تلقائياً لمنزل أبي عمار إذا عاد للرياض، وعندما رحل عبدالعزيز الرفاعي - رحمه الله - عام 1414هـ كانت أول جلسات ندوة الوفاء تأبيناً لمؤسسها شعراً ونثراً، واستمرت الندوة أسبوعياً على النهج كان ينهجه مؤسسها، فلم يكن لجلساتها موضوع معين، بل تأتي الموضوعات عفوية، واستمر ذلك خمس سنوات، تكون الجلسة الأولى في كل عام عن أدب الرفاعي، ثم رأى عدد من رواد الندوة أن منهج الندوة بحاجة إلى تطوير حتى تكون الفائدة أكثر، واتفق على أن يكون في كل أمسية متحدث رئيس يعد موضوعاً في حدود نصف ساعة ثم تكون الحوارات والمداخلات والأسئلة حوله ثم يخصص آخر الندوة للشعر من شعر الشعراء الحاضرين أو من المختارات، وأصبح لكل فصل جدول يصدر في بدايته، موضحاً فيه عنوان الموضوع، واسم المحاضر، وتاريخ الأمسية، وفي السنة فصلان يفصل بينهما إجازة منتصف العام الدراسي، وتتوقف الندوة صيفاً وصار للندوة موقع ينشر فيه الجدول، ويضم ملخصات للمحاضرات، وفي عام 1429هـ تغير موعدها ليكون مساء الأربعاء، وفي الكتاب التذكاري جدول بما ألقي في ندوة الوفاء من موضوعات.

تلك هي لمحات سريعة عن ندوة الرفاعي: ندوة الوفاء، أقدم الندوات الأهلية في الرياض وجدة والطائف، ولعلي أقول إنها كانت مشعلاً هادياً لمجالس الأدب والثقافة الأهلية التي صارت معلماً بارزاً في المملكة حتى قيل أن الرياض تتنفس برئة ثقافية إذ توجد ندوات في كل أيام الأسبوع.

وفي الختام لا بد من كلمة شكر ووفاء للشيخ أحمد باجنيد الذي رعى ندوة الرفاعي وكان وفياً بتسميتها بندوة الوفاء، ولا بد من شكره على إقامة هذا الاحتفال الثقافي، وهو وفاء إلى وفاء، وتتويج لسنين عطاء: فله الشكر من رواد الندوة، وله الدعاء بأن يحفظه الله، ويمد في عمره ويجزيه عن حسن صنيعه خير الجزاء.

كلمة القيت في حفل مرور 50 عاما على ندوة الرفاعي

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة