Culture Magazine Thursday  13/10/2011 G Issue 350
فضاءات
الخميس 15 ,ذو القعدة 1432   العدد  350
 
لغتي التي أخاف عليها!
عبدالله آل ملحم

هل ثمة جدوى للحديث عن الاهتمام باللغة العربية، والخوف عليها، وقد تكفل القرآن بحفظها، ألم يقل المولى عز وجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}؟ وهل الذكر إلا القرآن الكريم بلسان عربي مبين؟ فأي ضير على العربية بعد تلك الضمانة، وأي داع للخوف والضامن هو الله؟! المفهوم آنفاً هو في الغالب تصور الكثيرين لكيفية حفظ اللغة العربية من خلال حفظ القرآن الكريم لها، بيد أن الفهم الصحيح للآية ينفي هذا الفهم المفرط في التفاؤل؟!

المولى - عز وجل - نص على حفظ القرآن الكريم فقط، وحفظه ليس شرطاً لحفظ لغته، ودليل ذلك أن ابن كثير وغيره من المفسرين نصوا على أن الحفظ المقصود في الآية هو حفظ النص القرآني من التحريف، والتغيير، والتبديل، والزيادة والنقص، وآية ذلك وجود آلاف الحفاظ في دول مثل: باكستان، والهند، وبنغلاديش، وإندونيسيا، وإفريقيا وغيرها، يتلون القرآن بفصاحة لفظه العربي، ولكنهم لا يتكلمون العربية، ولا يفقهونها، وبهذا يتحقق معنى الآية، ويسقط الفهم المغلوط لها.

ومنذ القدم ما من محاولة استهدفت تحريف القرآن إلا فُضحت قبل أن تحقق أهدافها، ولكن انفضاح النَّيْل من النص القرآني لا يعني بالضرورة انفضاح مَنْ يعملون ضد اللغة العربية؛ لعدم تلازم الحفظ، ولأن المفتئتين على «العربية» على اختلاف دوافعهم وثقافاتهم ليسوا مستخفين أو غريبين عنا، بل هم منا، وإذا ما فتشت عنهم ألفيت فيهم الكاتب والروائي والقاص والمثقف والأديب الذين يُفترض فيهم الغيرة عليها، والدفاع عنها، ولكنهم من حيث الممارسة لا يفعلون ذلك!

بل إن البعض ينبذ التحدث بها لأي سبب ودون ضرورة، بل إن منهم أيضاً المتدين الذي تراه فتحسبه شيخ الإسلام لفرط تشبثه بطقوس أمثاله، ومع ذلك يدع التحدث بالعربية مع أول فرصة للحديث بالإنجليزية! ومنهم المتطفل الذي تحسبه لفرط استخدامه الإنجليزية محاميها الناطق باسمها، رغم أن أحداً لم يفوضه سوى فضوله وتطفله، ومنهم مَنْ يستخدمها كوجاهة ثقافية واجتماعية ليس إلا، ومنهم المندفع المطفوق الذي يحسبها أكسجين الحضارة والعصر والاتصال، رغم وجود دول كثيرة تقدمت ونجحت وما زالت تتقدم وتنجح دون أن تحمل نفسها على لزوم ما لا يلزم من تعلم «الإنجليزية» والأخذ بها، كما نفعل نحن.

العربية تشهد نمواً على الشبكة العنكبوتية، وفي شبكات التواصل الاجتماعي كما الفيسبوك وتويتر، وفي جامعات كثيرة حول العالم، ولكنها - وبكل أسف - تتراجع على أرضها، وبين شعوبها الناطقة بها، ويكفي زيارة واحدة لمدينة مثل دبي أو الدوحة؛ لترى الهزيمة اللغوية التي تعيشها «العربية» في هاتين المدينتين، وأحياناً هنا كما في الدمام والخُبَر؛ حيث أول لغة تلامس أذنيك هي الإنجليزية، وكأنك على أرض غير الأرض التي صهلت عليها خيول عبدالقيس وبكر بن وائل وبني تميم!

العربية في خطر، والحفاظ عليها مسؤولية مشتركة، تبدأ من المدرسة، وتنتهي بالنخب، مروراً بتفعيل مواد أنظمتنا التي كانت واضحة في تأكيد أولوية التخاطب بالعربية قبل أي لغة أخرى، وما ذاك إلا لأن اللغة علامة هوية وسيادة لا ينبغي التفريط بها، أو المجاملة في ترك استخدامها.

-

+ Twitter:@abdullah_almolh الاحساء

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة