Culture Magazine Thursday  13/10/2011 G Issue 350
حوار
الخميس 15 ,ذو القعدة 1432   العدد  350
 
كان فرصة للاطلاع على بؤس الحياة
فريدة النقاش: السجن جعلني أعيد ترتيب أفكاري

القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي

فريدة النقاش كاتبة وناقدة أدبية أسهمت في تأسيس أحد الأحزاب المعارضة في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، ودخلت السجن دفاعاً عن مبادئها التي تؤمن بها، ما زادها صلابة وتمسكاً بآرائها، وقد أصدرت عدة كتب من أهمها «السجن دمعتان ووردة» وهو يتناول تجربتها الحية أثناء اعتقالها على ذمة إحدى القضايا السياسية، وظلت سجينة حتى شملتها قرارات الاعتقال في حملة 5 سبتمبر التي جردها الرئيس الأسبق أنور السادات ضد المعارضة المصرية قبيل شهر من اغتياله في أكتوبر من العام 1980.

تتولى «النقاش» حالياً موقع رئيس تحرير جريدة «الأهالي» الصادرة عن حزب التجمع، وهي أول امرأة مصرية تتولى هذا المنصب، وقد آثرنا في هذا الحوار أن نكشف عن الوجه الإنساني أو الآخر في شخصية فريدة النقاش فإلى التفاصيل:

* إذا عدتِ إلى أبعد نقطة تصل إليها ذاكرتك فما المحطات التي يمكن أن تتوقفي عندها؟

- أتذكر أمي وقريتي ورفاق الصبا والطفولة حيث نشأت في إحدى قرى شمال الدلتا، ويؤسفني وضع هذه القرية الآن، وكلما تذكرتها استدعت ذاكرتي المناطق العشوائية في مصر.

* ماذا عن تأثير المكان في تشكيل شخصيتك وثقافتك؟

- المكان هو أحد مكونات الشخصية الرئيسية في هذا السياق، أذكر أن نهر النيل لعب دوراً كبيراً في حياتي المبكرة في قريتي، فكان ملاذاً بدلاً من البيوت الضيقة ومأوى للحلم والحرية لأنك لا يمكن أن تبحر فيه إلى ما لا نهاية، كما كانت الطفولة تصور لي أن النيل لا نهاية له وأن مجراه ممتد بامتداد الكرة الأرضية قبل أن نعرف علم الجغرافيا الذي أظهر لنا أن للنيل منبعاً ومصباً وأن له بداية ونهاية.

* مَن مِن الشخصيات التي تأثرت بها في حياتك؟

- تأثرت بشخصيات كثيرة جداً يأتي في مقدمتها والدي عبد المؤمن النقاش، الذي كان شاعراً ومعلماً وكان يعقد ندوة أدبية أسبوعية في منزلنا يستضيف فيها مثقفي القرية من زملائه المدرسين والمحامين والشعراء، ولا أنسى فضل شقيقي الأكبر رجاء النقاش الذي منحني أول كتاب قرأته في حياتي، كما لا أنسى شخصية أمي التي شجعتني على القراءة رغم أنها كانت سيدة أمية، لكنها أصرت بصلابة وثبات على أن نتعلم «أنا وشقيقتي أمينة النقاش» من بين الأولاد، ويبدو أنها كانت تريد أن تعوّض ما فاتها من العلم من خلالنا.

* ماذا عن تأثير الرجل في حياتك؟

- هناك دور أبي وأخي رجاء، ولا أغفل الدور المهم لزوجي حسين عبد الرازق، وربما كان حسين أكثرهم تأثيراً منذ ارتباطنا بالزواج من 40 عاماً متصلة حتى الآن، لقد اخترنا أهدافنا معاً وكافحنا معاً من أجل تحقيق العدل الاجتماعي، وساهمنا في تأسيس حزب التجمع، وتأسيس جريدة الأهالي الصادرة عن الحزب، وكان أهم ما مارسناه معاً هو علاقات ديموقراطية جداً داخل محيط الأسرة وبين كل أطرافها تقوم على المناقشة واحترام حق الاختلاف والحوار، مما جعلنا متحابين وأصدقاء.

* ماذا عن تأثير السجن في حياتك؟

- السجن كان فرصة للاطلاع على بؤس الحياة في مصر لأن السجن بمثابة صورة مصغرة للمجتمع المصري، فقد تعاملت مع المجرمين وتجار المخدرات وتعرفت على سلوك الضباط والضابطات مع السجينات كما كان السجن فترة للتأمل في كل شيء وإعادة ترتيب الأفكار وهي فترة لا تتوافر للإنسان كثيراً في حياته العملية حين يجد نفسه محبوساً في زنزانة لمدة 23 ساعة يومياً، يستطيع أن يتأمل حياته بشكل عميق وصادق.

* هل صحيح أنه من الصعب أن تكون المرأة سياسية وتحتفظ برصيدها كإنسانة في الوقت نفسه؟

- بالنسبة لي السياسة تعني تغيير العالم إلى الأفضل واكتشاف كل الممكنات طبقاً لمقولة السياسة فن الممكن، وأقول إن الواقع فيه ممكنات كثيرة جداً عليك أن تختار منها ما يناسبك ويتلاءم مع إمكانياتك وقدراتك.

وأنا اخترت الانضمام إلى الناس والإيمان بقيمة الوعي باعتباره قدرة الإنسان على السيطرة الكاملة على مصيره، وهذا عمل طويل المدى، وبالتالي تكون السياسة هي عمق إنساني ويعلي من إنسانية الإنسان وليس إلغاء إنسانيته، ولذلك أقول إن ارتباطاتي السياسية جعلت مشاعري الإنسانية أكثر عمقاً، فأنا أعمل من أجل عالم أفضل لكل البشر يقوم على المساواة والعدالة، وأحترم الكرامة الإنسانية، وتوفير الاحتياجات الأساسية لكل الناس من تعليم وصحة وطعام وترفيه وثقافة بدون التمييز بين الناس على أساس الجنس أو اللون أو الطبقة.

* ماذا عن الصداقة في حياتك؟

- لدي عدد كبير من الأصدقاء والصديقات الذين أعتز بهم، وكوّنت صداقة عمل على مدى 40 عاماً في الحقل السياسي ليحدث توازن للنفس الإنسانية، وأبرز صديقاتي المقربات «شاهندة مقلد»، كما لدي صديقة إيطالية تُدعى «جوليانا زجريتا» اختطفها المسلحون في العراق في العام 2005 وهي صحافية ومناضلة تعتبر أن الصحافة وظيفتها كشف الحقيقة وإظهارها للناس وإرشادهم للعمل من أجل التغيير، وهناك أختي الصغرى أمينة النقاش، ويعتبر زوجي حسين عبد الرازق أقرب الأصدقاء إليَّ.

* ماذا عن كتابك الصادر أخيراً بعنوان: «لا أحد يخاف إسرائيل»؟

- عنوان الكتاب وليد مناقشة جادة مع الشاعر الفلسطيني «سميح القاسم» الذي قال لي: للأسف نحن نخاف إسرائيل أكثر من اللازم، وهي كيان صغير ليس بهذه القوة التي نتصورها، وأن حقيقة قوتها مستمدة من علاقتها بأمريكا.

الكتاب يحتوي على توصيف وتحليل واقتراحات، وأنا عادة ما أبحث في كتبي عن مخرج للمشكلات، ولا أحب الكتابة التي تكتفي بتشخيص الأزمة، وأفضل أن أساعد القارئ، وتساعدني معرفتي من أجل البحث عن حلول.

* قامت الثورة في مصر ويبدو أن الثورة الثقافية بيننا وبينها سنوات طويلة متى يحدث هذا؟

- عادة ما تستغرق الثورة الثقافية وقتاً أطول، لأنها تتوجه إلى تغيير العقول والذهنية العامة للمواطنين، وحتى ننجز الثورة الثقافية لا بد أن تكون هناك مؤسسات قادرة على ذلك، لكن الثقافة اليوم لا تقوم على بناء اقتصادي قائم على الاستغلال والفساد، وهذا يستغرق وقتاً أطول.

* هل هذه الثورة قادرة على إفراز أصوات إبداعية جديدة ومؤثرة حتى لو جاء ذلك فيما بعد؟

- قبل الثورة كان هناك مبدعون بالعشرات يمثلون مصدراً ذهنياً ووجدانياً لقيام هذه الثورة، لأنهم فضحوا الواقع الفاسد، وأصبحوا وقوداً للحركة الشعبية التي انفجرت فيما بعد، وهذا النبض الخفي لم يكن قادماً من فراغ، فقبل اندلاع الثورة استلهم هؤلاء الشباب المناخ العام، وكتبوا كتابات رائعة، وأتوقع أن نرى عن الثورة كتابات جميلة في المستقبل، لكن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً حتى يحدث.

* هل تتوقعين أن تكون الرقابة على الإبداع أقل حدة في مقتبل الأيام؟

سوف يبقى هناك شكل من أشكال الرقابة، لأن المجتمع المصري مجتمع محافظ بطبعه، وكل ما نريده أن تدفع النخبة في اتجاه توسيع هامش الحريات العامة، وبخاصة حرية التعبير والفكر، عندئذ سوف تتسع مساحة الحرية وتضيق مساحة الرقابة.

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة