Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
فضاءات
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
فكرة الاصطفاء
هل المحتسبون هم الإخوان الجدد في السعودية ؟
سهام القحطاني

كل الفئات التي آمنت بفكرة الاصطفاء خرجت من رحم «العزلة» أو «الجيتوالفئوي»، وبذلك فهي فكرة عادة ما تصاحب أي عزل كما نجد ذلك في فكر المحتسبين لدينا، وبياناتهم.

والاصطفاء فكرة دينية في الأساس تقوم على أن الرب قد اختار مجموعة من البشر للقيام بوظيفة تطهير العالم من الشر وقيادته إلى الخير إنها معادل للنبوءة من خلال بسط ومقام فرديين يحددان إطار التجربة الإنسانية وفق إدراكات مخصوصة يتشكل ضمنها الوعي العام للجماعة.

والضمنية تقتضي هنا الضرورة والشمولية وهما خاصيتان من خصائص مقرر التطبيق أي تحويل الذهني أو التصور إلى قيمة إجرائية تتمثل من خلال طريقة أو عدة طرائق تنتج السلوك المرغوب وقصدية الإنتاج من أهم مظاهر التغيير.

وهذا يعني أن فكرة الاصطفاء ومعمولاتها ليست مجرد تصور فلسفي لاهوتي بل هي مقدرة إجرائية تعيد صياغة التجربة الواقعية وتنظيمها وإتمام ذلك دلالة على فاعلية انتقال المدركات من مصدر الفكرة إلى وعي المستقبل عبر أنشطته المختلفة باعتبار أن النشاط هو الذي يعبر عن مدرك الوعي «الخير والشر».

والخير والشر مفهومان صوريان لتقويم النشاط الإنساني وهو ما يجعل ممثلاهما عادة ما يخضعان للنسبية وفقا لطبيعة المعيار النوعي الذي تحدده الجماعة نفسها وفق نظام تقويمي خاص مكتسب أو لاهوتي وهو ما يجعل الدين والعرفي معا مؤسسين للسلم التقويمي للجماعة.

والخير والشر مفهومان صوريان بناء على خاصية المجاز التي تزيح الشر والخير من طبيعتهما كآليتين للتقويم لإحلالهما في منظومة تعريفية يمثلها المفهوم.

وهذا الانتقال من قيمة الآلية إلى التنظيرية المفهوم لم يضر بهما لأن الإحلال لم يفقدهما خاصية الآلية وبذلك فقد جمعا بين المفهوم والآلية وهو ما حول فيما بعد فكرة الخير والشر إلى إشكالية بين الشعوب.

لأن المفهوم تحديد إطار للفكرة والإطارية تتنافى مع فكرة وجدانية خالصة مثل الخير والشر لأننا عادة نقيس الخير والشر وفق مجموعة من الاستدلالات أي أن الوظيفة العامة هي آلية والإحلال والثانية لوظيفتهما هما اللذان يوقعان المعيار التقويمي في مشكلة الشمولية بما يعني أن المعيار قد تجاوز وظيفته التصنيفية المخول بها إلى وظيفة شمولية وبذلك يصبح المعيار التقويمي هاهنا معادلا رمزيا للدستور.

إن خطورة فكرة الاصطفاء تكمن في طبيعة الإحلال والثانية بين المفهوم والآلية وتحول معيارها التصنيفي إلى شمولي مما يعطيها حق المعادل الرمزي للدستور إضافة إلى مضمون علاقة الحلولية التي تحتويها أي إسقاط الحاجز الفاصل بين المحسوس والغيبي سواء أكان المخلوق مقابل الخالق أو المحدود مقابل المطلق أو الذات مقابل الجوهر أو المستقر مقابل المتجاوز أو القصور مقابل التعالي.

كل دلالة مقابل لدلالة مما سبق تكون علاقة حلول؛ أي الارتفاع بهدف التوحد مع مصدر البقاء والخلود لممارسة المساكنة مع المركز لاكتساب صفة خاصة تلزم بدلالة الخلود «الألوهية».

وهو ما يجعل المتوحد يعتقد بأنه يملك الحقيقة المطلقة كامتياز لتلك المساكنة مع المركز وهو اعتقاد يلزمه ممارسة كل فعل يؤيد استحقاقه للدلالة المكتسبة أو يشير إليها.

ولذلك يصبح للقوة المادية دور مهم لكونها علامة من علامات الدلالة المكتسبة وخاصية من خصائص الإحلال الارتفاع فوق ما هو شعوري «عالم الألوهية» من خلال تبادل الأدوار وإعادة تنظيم خاصية التأثر والتأثير والوصول إلى النائبية التفويضية عن المركز كونها تمثل تبادل الأدوار في علاقة الحلول التي تعتمد على اعتقاد نوعي مخصوص هو اليقين.

إن قوة الأفراد تتعاظم بمقدار تطور درجة اليقين لما يعتقدونه وكلما تطورت درجة اليقين تعاظمت القوة وهكذا يظل الارتباط الشرطي قائما بين قوة اليقين وعظمة القوة حتى يتوحدا في مركز واحد يتقاسمه اليقين المطلق والقوة المتشددة.

القوة التي ترك المنطق الاستقرائي للتجربة المعرفية فتفرض عليها الاستسلام لمعطى أن الاستثناء في ذاته عقيدة ترتبط بيقين الفرد نحو الأشياء لا بضرورة تكافئ الأشياء مع متطلبات النهضة وضرورة التعايش.

والاستثناء هنا ليس خاصية من خصائص علاقة الحلول بل هو نتيجة من نتائجها لأنه يرتبط بالإجرائية أي التحول والتغيير أي نوعية النتيجة لا تتناسب مع منطق المقدمة وهذا ما يربك السلم الاستقرائي أي أن ضمان التوازن والتناسب بين المقدمة والنهاية النتيجة المقترحة لطبيعة معطيات المقدمة يعتمد على برمجة مزودة بمعايير وأحكام تمارس بصورة تلقائية عمليات الإحصاء والتطابق.

لكن اليقين كداعم لفكرة الاصطفاء سواء كآني أو بأثر رجعي «الخلفيات التاريخية «ليس عملية مبرمجة وإنما هو سلسلة من الانفعالات المنتظمة تكون طاقة مادية تحجز عن صاحبها الإحساس بالخوف والميل نحو اقتحام الخطر بما فيه التفجير بالنفس تلك الطاقة هي التي تربك التوازن الاستقرائي لتقويم الفعل وفق البرمجة الاستقرائية المخصوصة التي لا تعترف بقيمة المعطى النهضوي والحاجة الإقتناعية.

كونها تدعي الاستناد إلى معين إلهي وهذه الإعانة الإلهية تختلف الجماعة في حسابها وتقديرها والدلالات التي تحملها.

والتطرف في تقدير دلالاتها هو الذي يحولها لمحتوى علاقة حلولية.

ويصبح اليقين كداعم لفكرة الاصطفاء الفئوي إشكالية عقدية في حالة الاكتفاء بخاصية الطاقة مجرد إنتاج سلسلة من الانفعالات المنتظمة التي تهدف إلى تغيير مخصوص وإنتاج مخصوص، والمخصوصية هنا هي مسألة طبيعية لعملية التغيير لكن ليست بالضرورة أن تكون دلالة ارتقاء، وخاصة إن كان الهدف من التغيير إعادة إحياء تجربة اجتماعية معينة.

فالتعيين هو قصد تأطيري لتمهيد نوع من الإحلال وأي تعارض بين مواصفات ما هو داخل الإطار ومواصفات ما هو خارج الإطار يؤدي إلى صراع مع المعطيات والأشكال المعصرنة مما يحول ذلك الإطار إلى فاصل بين المؤثرات.

sehama71@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة