Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
فضاءات
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
(انحسارُ الشعر): انتصارٌ للشعر..!
فيصل أكرم

انفضَّ معرض الرياض الدولي للكتاب، وعادت كميات (رجيع) الكتب إلى مواطنها أو مستودعاتها أو ذهبت إلى معارض أخرى، وتبقى كلمة كانت ترنّ ويتعالى رنينها بين الباعة في دور النشر وبين المهتمين بالكتب الشعرية مفادها التقريريّ: (انحسار الشعر).

كيف أصبح (الانحسار) توصيفاً مرادفاً للشعر وحده، حين يكون الحديث عن الكتب وانتشارها بين القراء؟!، مع أن مفردة (الانحسار) تنطوي على كثير من الالتباس اللغوي، مما يجعلها تحتمل أكثر من معنى، وقد لا يكون لمعانيها الصحيحة ما يقصده مطلقوها..

فالانحسار يعني (الكشف) وقد يعني (الانقطاع) أو (النضوب) ولكن بصيغة عكسية مبينة، كأن نقول (انحسار القرّاء عن الشعر) لا (انحسار الشعر).

على كل حال، فما يهمني هنا هو المعنى وليس القول، فلقد سمعتُ أقوال عدد من الناشرين عن هذا (الانحسار) الكبير الذي أفقد الشعر مكانته في أيدي القرّاء، ولكن: حين سألتُ أحد الناشرين عن (الشعر) نفسه الذي يصفه بذلك (الانحسار) وطلبتُ منه أن يريني بعض النماذج منه؟ كان جوابه أن ليس كل الشعر والشعراء يقصد، فثمة شعر لشعراء لا يزالون مطلوبين – وإن من عدد قليل من القراء – وثمة شعراء لا يزال شعرهم يتصدّر قائمة (الأكثر مبيعاً) في مختلف معارض الكتب، إنما هنالك إصدارات حديثة – وهي الأكثر - من الدواوين (الشعرية)، لشعراء جدد، لم تجد من يلتفت إليها بالشراء..!

لن أضيف جديداً حين أقول: بمجرد مطالعتي لتلك الدواوين (الشعرية) الكثيرة، اكتشفتُ أن ما يحدث هو (انتصار) للشعر الحقيقيّ، فمعظم تلك الكتابات أو الإصدارات ليست بأكثر من (خواطر إبداعية) ولكنها تقلّ كثيراً عن (الشعر) كما نعرفه ويعرفه كلّ قارئ حقيقيّ لهذا الفنّ الذي يختلف عن كل الفنون (الكتابية) الأخرى..

سأظلّ أتعجّب متسائلاً: لماذا لا يقدّر المبدعُ – غير الشاعر - كتابته الإبداعية خارج إطار الشعر؟! لماذا إصرار بعض المبدعين الجدد على منح (الخاطرة) مسمّى (الشعر)..؟!

قد يكون (الانحسار) ليس مقصوراً على جمهور الشعر الآن، ولكنه يشمل الناشرين العارفين بالأجناس الأدبية وحساسية مسمياتها، مما ترك المجال واسعاً لإلصاق المسميات في غير مواضعها، فكتابٌ يضمّ مقالات وجدانية نجده بمسمّى (قصص قصيرة)، وكتاب كله خواطر نجده آخذاً مكانه بين الدواوين (الشعرية).. ربما من أجل ذلك الخلط لم يعد القارئ المثقف يقبل على اقتناء الشعر والقصص القصيرة وصار يفضّل عليها كتب (المقالات) الصريحة اسماً وموضوعاً، وكذلك (الروايات) لأنها تبقى روايات تروى وإن افتقدت جلّ مقوماتها التقنية.

فالمقصود إذاً، من كلّ قول عن (انحسار الشعر)، بهذا المعنى الذي يريده -أو يرمي إليه- بعضُ المشتغلين على صناعة الكتاب ونشره، إنما هو (انتصارٌ للشعر) الذي يشتغل عليه بعضُ الشعراء الحقيقيين..!

نستطيع أن نتفهّم اختلاط المسميات بين السيرة والرواية، المقالة والقصة، الطرائف والتعليقات(!).. ولكنَّ ما لا يمكن أن يتفهّمه أو يتقبّله كلُّ منصفٍ للذائقة واللغة والثقافة عموماً، هو أن يكون الخلطُ بين الشعر وغيره من الكتابات؛ فالحدُّ الفاصل بين هذا الشيء وتلك الأشياء عريضٌ وممتلئٌ بما يكفي لأن يكون شاملاً للذائقة واللغة والثقافة عموماً..

وأرجو ألاّ يُفهم من كلامي هذا أنني أنتقص من قدر الفنون الأخرى – بخاصة الخاطرة – وإن وصفتها بالأقلّ من الشعر، لأن القلة والكثرة في هذا السياق تقاس بالجرأة على اللغة والذائقة والثقافة عموماً، لا بالجمالية والمتعة الفنية.. فمن يتابعني جيداً يعلم مدى احتفائي بفن الخاطرة، ومن أدلة احتفائي واعتزازي بالخاطرة أنني حين كتبتُ خاطرة بعنوان (بين المنحنى والظلّ) جعلتها بعد ذلك (مقدّمة) لديواني الشعريّ الذي كان عنوانه (مقدّمة الكتاب الأخير) وصدر عن نادي حائل الأدبي عام 2002، ومؤخراً حين كتبتُ (كلمات على المرآة)، وهي خاطرة أيضاً، جعلتها كذلك مقدمة لديواني الصادر أخيراً عن دار الفارابي بعنوان (حوار الليل ونجمة الصبح)..

إذاً ليس أمامي إلاّ أن أكرر التساؤل متعجّباً: لماذا لا يقدّر المبدعُ – غير الشاعر - كتابته الإبداعية (كخاطرة) خارج إطار الشعر..؟!

ثم أكرر الرأي واثقاً: إنما (انحسار الشعر) أو (انحسار القرّاء عن الشعر) – حين تجيء الخواطرُ بمسمّى الشعر – يصبح هو (انتصار الشعر) أو (انتصار القرّاء للشعر)..

* * *

مُستهتِراً بالرَّمْلِ كانَ

كأنّ جمراً لا يمدُّ إلى الوسادةِ

غيرَ بعضِ الدفءِ صَبراً

مثل حِضنِ الأمِّ، يفقدها مناماً

ثم تفقدهُ ظلاماً

ثم لم يُطلق سهاماً خلفها..

وكأنّ قلبَ الطفلِ لم يكبرْ

يخافُ، كأنّ ميزاناً مُداناً

كادَ أن يُرمى على جبلٍ من الخطواتِ

تكمن تحتها كتبٌ، سيفهمها الذي

عادت به الأوراقُ كي يخسرْ..

حتى إذا انسحبتْ عليه خطيئةٌ

ما خطّها قلمٌ لهُ..

مرّتْ به الأمطارُ، تأخذهُ إليها

في حساباتٍ مع الذنْبِ الذي

ما اعتادَ أن يُغفرْ..

سيفيضُ عن نهرٍ قديمٍ

ثم يدخل في هوى نهرٍ عظيمٍ

كانَ يرمزُ للذي عُرفتْ يداهُ حميمتينِ

وقلبه يُهجرْ.....

ffnff69@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة