Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
فضاءات
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
تهافت المثقفين وسَلْعَنَةُ الثقافة!
خالد الخنين

الثقافة: كما وردت (في معجم متن اللغة، محمد رضا ج1ص 440) أصلُ معناها الحذقُ، والفطنة.. وعند المتأخرين التربية التي تنمو بها أساليب التفكير والعمل بما يلائم الزمان والمكان. كما عُرِّفَتْ بأنها الأخذُ من كل فن بطرف، بمعنى أن يكون المثقف مُلماً بأطراف العلوم والآداب والمعارف العامة.. وهي في علم الاجتماع الثقافي: مفاهيم عديدة وقوية لفهم الآليات التي تحكم صراع الثقافات أو تفاعلها ومن هذه المفاهيم مفهوم التثاقف الذي سيطر على أبحاث العلماء في الحقب السابقة وفي الفترات اللاحقة.

لقد تحولت الثقافة في العصر الحاضر إلى أيدلوجيات فكرية عالمية تقودها الولايات المتحدة مما سمِّيَ أمركة الثقافة، ثم تحولت إلى سلعة تجارية اصطلح على تسميتها: سلعنة الثقافة أي أن الثقافات أصبحت سلعاً يروج لها كما يروج للسلع التجارية الأخرى تخضع لتعميم قيم السوق.

في هذا الخضم الهائل من الثقافات المتنوعة التي تبثها وسائل الاتصال العالمية تتباين المعايير وتتنوع الأساليب في ممارسة الفعل الإنساني تحدده وتنظمه تراكمات معرفية تصب في معيار الثقافة. لهذا كانت شريحة المثقفين في كل زمان ومكان هي التي تضع المعايير.. والمتتبع لتاريخ الثقافات يجد أنها تتنوع وتتعدد بتعدد الرؤى والسياسات والأيدلوجيات. فهناك مثقفون حقيقيون وهناك الأشباه والأدعياء ولهذا تصبح درجة الخلاف والاختلاف واضحة بين هؤلاء وأولئك.

يقول أحد الفلاسفة: (يصبح المثقف مُزيفاً ويصبح من ألدّ أعداء الثقافة الحقيقية والمثقف المزيف يدافع عن حجج تبدو واهية وتقدم نفسها على أنها دقيقة) وهذه الفئة من المثقفين يقدمون أنفسهم في الساحة الثقافية ويحاولون إبراز أسمائهم على قاعدة خالف تعرف. فينتقدون السلطة، ويدعون بأنهم وحدهم هم القادرون على تغيير خارطة العالم ويدخلون في سجال مع غيرهم من ذوي الثقافات الأصلية والموضوع لا يعدو أن يكون سجالاً فحسب.

والشكل الأخير الذي بدأ يلوح في الأفق من التهافت الثقافي.. أن هناك من يردد أفكاراً مستوردة ويروج لها ولم يدر بأن كل مجتمع من المجتمعات له ثقافاته وظروفه المختلفة عن ظروف أمته التي ينتمي إليها فعمدوا إلى إقامة أفكار ونظريات يريدون تطبيقها ضمن بيئة جديدة ولو كان الأمر يقف على حد الاطلاع على ثقافات الأمم الأخرى وما توصلت إليه من تجارب وعلوم ومعارف، ثم سعى على تطويرها لتلائم مجتمعه الذي يعيش فيه لكان ذلك مقبولاً ما دامت تساعد في حلول وتطوير نظم.. أما أن يصبح الأمر ترويجاً لمجموعة من السلع الثقافية التي تطرح في مزادات القيم السوقية فإن ذلك يعني الادعاء.. لقد اختلطت الأهداف والسبل عند هذه الفئة من المثقفين، وقذفت بين شعوبها ومجتمعها أنماطاً من الثقافات الهجين فأصبحوا غرباء على المعرفة والثقافة وتغربت الثقافة والمعرفة عنهم وذلك نتاج هذا التهافت الثقافي غير المنظم والأصيل. مما حول ثقافتنا إلى سلع تباع في أسواق المزاد، ولا أعتقد أن تعميم المنطق التجاري على الثقافة والمنتجات الثقافية يشكل سِمة متقدمة من سمات هذا العصر.

ألا ترون أن القيم الثقافوية المعلنة هي أقرب ما تكون إلى الطقوس الفارغة.. ثم ألا ترون أن الفساد الذي أصاب النظم المالية والإدارية قد أصاب ثقافة الأمم والشعوب؟!.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة