Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
سرد
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
قصة قصيرة
اعتراف
محمد المنصور الشقحاء

قال: لا أعرف أبي عندما تفتّح ذهني.. كانت أمي هي كل شيء، في الثامنة من عمري وبناءً لدعوة ملحة من خالتي كان سفري الأول، ومعه عرفت قيماً جديدة وناساً لهم حراكهم الخاص والعام، وها أنا وقد تجاوزت الخمسين أسير وحيداً في مدينة لم تشكّل شوارعها وضجيجها أي نقطة حياة في وجداني.

قال: وأنا في الرابعة عشرة من عمري كان عليّ العمل خادماً في منزل أحد أقارب زوج خالتي، وفي الأسبوع الرابع وعند غياب رب الدار اكتشفت فصلاً جديداً من حياتي من خلال سيدة الدار التي أصدرت أمرها بأن أراقب طفلها ذا السنوات الثلاث وأنا أقوم بغسل بعض الملابس، لما انتهيت حملت الطفل وبحثت عنها فوجدتها في غرفة الضيوف تتحدث عبر الهاتف، لما لمحتني أغلقته وسحبت الطفل مني ونهرتني وهي تغطي عريها فتركت العمل.

قال: في السادسة عشرة تعرفت على رفيق الدراسة في المرحلة المتوسطة صالح فتى فلسطيني يلاحقه الأقران لكسب وده. ذات ظهيرة شاركت في عراك آخرين تطاول بعضهم بألفاظ قاسية عليه وعندها عرف أبناء الحي قدرتي في القتال.

قال: جارنا رجل عسكري شارك في حرب فلسطين تأخر زواجه بسبب تنقله في مهام عسكرية ورعايته لوالدته وأخته التي لم يتقدم أحد للزواج منها، وأخ يقاربني في العمر يأتي في العطل والإجازات فأمه الزوجة الثانية لوالد جيراننا المُتوفى والمتزوجة من آخر وافق على بقاء ابنها معها.

قال: توفيت والدة جارنا العسكري الذي استقر ترحله بسبب وصوله إلى منصب قيادي في قطاع التدريب العسكري، معها فكر وهو في الأربعين في الزواج فكان له ما أراد.. كانت الزوجة من أقارب والدته تصغره بعقدين من الزمان توافقت خطوطها مع أخته فوجد في السكينة التي لم يقلقها شيء سوى تأخر حمل الزوجة ليكتشف أنه عقيم، وأنها تحتاج إلى علاج طويل لتتجاوز حالتها، وإن كانت النسبة متدنية.

قال: بعد عشاء يوم أخذ الجار زوجته إلى راقٍ وصل منذ أيام من دولة عربية في ضيافة شخصية معتبرة بعد ترتيب مسبق كنت ألعب مع الزوجة ومع الأخت الكريمة تشاركنا الخادمة الأفريقية اللعب والصراخ.. بقيت والأخ وانشغلت الخادمة بشؤون المنزل وواصلنا اللعب أنا والأخت.

قال: في اتصال هاتفي دعتني الأخت لأمر هام عرفت أنها قلقة بشأن أخيها وأن تأخر زواجها جانب منه خوفها من عواقب فقدها لعذريتها بسبب مداعبات أحد أفراد المركز الذي تولى إدارته أخوها وهي في العاشرة من عمرها لتدخل الزوجة متلبسة اللحظة فتنقلت نظراتها بيني وبين الأخت ثم جلست بيننا لتلتفت نحوي وتقول: أحبك وتلتفت نحو الأخت وتلتحم بها وتقول بصوت مرتجف: أعشقك.

قال: قلق الأخت انساب إلى أعماقي ووجدته في حديث أمي وأختها وانساب بعضه في يومي الدراسي من خلال مشاركتي في صحيفة حائط للفصل ناقش فيها أحد المشاركين نعمة الدنيا الأطفال.

قال: كنت حقل تجارب وجد فيّ الجار من خلال زوجته وأخته جزءاً من الحلم فقد تجاوزنا الحديث النظري بمناقشة العمل والخطوات فكان أن تم عقد قران الأخت على قريب للأسرة ولم يتم الزواج إذ اكتشف الجميع أن أمه أرضعتها فكان التفريق معه.. اتفقت الأخت والزوجة على تجريبي سافر جارنا في رحلة عمل لمدة أسبوع كنت فيه البديل للزوجة ولم يظهر الحمل.. عندها جاء دور الأخت التي رسمت كل شيء فجاء حملها، فرحٌ صامت عمّ الدار وعند الولادة أدخلت المستشفى باسم الزوجة.

قال: تخرجت من الثانوية وكان السفر الثاني للدراسة الجامعية تركت أمي في ضيافة أختها الأرملة وعند التخرج كان الحفل برعاية قريب زوج خالتي عندما صافحته مستلماً شهادتي حدّق في، لم ينبس بكلمة وإن كنت شعرت بانقباض وهو يخافت الواقف بجانبه بشيء وانصبت نظرات الاثنين كسياط تلهب ظهري.

قال: بعد حصولي على الوظيفة جاء سفري الثالث وفي نهاية الشهر الثاني استسلمت أمي للمرض وجرى إدخالها المستشفى وأنا أراجع في أوراق نقلها للعلاج في مستشفى متخصص، لفظت أنفاسها وفي المقبرة شاركني أبناء خالتي في الدفن وتقبل العزاء، وكان من ضمن المعزين جارنا العسكري الذي خطّ الشيب فوديه، احتضنني وأجهش بالبكاء.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة