Culture Magazine Thursday  20/10/2011 G Issue 351
ترجمات
الخميس 22 ,ذو القعدة 1432   العدد  351
 
أفول مجد وبرستيج درجة (الدكتوراه) 1-2
مؤشرات غربية تدل على أن حامل درجة (الدكتوراه) قد أصبح أكاديميا غير مرغوب فيه
ترجمة وتعليق: حمد العيسى

إهداء من المترجم إلى : الصديق الأستاذ صالح بن عبد الله الوابل

تقديم المترجم: يسعدني أن أنقل للقراء العرب هذا التقرير الهام الذي نشر في مجلة الإيكونوميست البريطانية العريقة والمتخصصة في مجال الأعمال بتاريخ 16 ديسمبر 2010 عن أفول مجد درجة (الدكتوراه). ويتضمن التقرير مصطلحا ربما ليس شائعا كثيرا بالعربية وهوPostdoc والذي يقصد به (باحث-باحثة ما بعد الدكتوراه) Postdoctoral Researcher. وهو الشخص الذي يحصل على شهادة الدكتوراه ثم يواصل البحث في تخصصه لتعميق الخبرة في الموضوع أو لعدم وجود عمل سوى مواصلة البحث في نفس التخصص. وقد تم التعارف في العديد من البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية للإشارة إلى هؤلاء (الباحثين بعد الدكتوراه) بلقب عامي مختصر للجنسين هوPostdoc والذي سوف نعربه للتسهيل ليكتب هكذا (بوست دوك) أي (باحث-باحثة ما بعد الدكتوراه) وذلك نظرا لكثرة تكراره في التقرير. وكعادة المجلة لا تذكر اسم كاتب أو كاتبة المقال ولكن يبدو أنها مراسلة المجلة في واشنطن، دي سي. ونظرا لطول التقرير، قمنا بتقسيمه إلى جزئين. ونرجو أن لا يؤثر التقرير سلبيا على من يخططون لنيل هذه الدرجة التي كانت عظيمة.

التقرير:

في معظم البلدان تعتبر درجة الدكتوراه شرط أساسي للعمل في الأوساط الأكاديمية. أي أنها تعتبر -بحق- المدخل الرسمي إلى عالم البحث المستقل أي ما يعتبره البعض مثل إنجاز تحفة فكرية ينفذها طالب متدرب في تعاون وثيق مع أستاذ مشرف. متطلبات إكمال تلك الدرجة تختلف كثيرا بحسب البلدان والجامعات بل وحتى نوع المواضيع. بعض الطلاب يجب عليهم أولا قضاء عامين للحصول على درجة الماجستير أو الدبلوم. بعضهم يستلمون راتبا، والبعض الآخر يدفعون المال. بعض درجات الدكتوراه تشمل البحث فقط، وبعضها تتطلب أخذ كورسات واختبارات، والبعض تتطلب تدريس مواد لطلاب البكالوريوس. حجم الأطروحة يمكن أن يكون عشرات الصفحات في العلوم الصعبة مثل علم الرياضيات، أو عدة مئات من الصفحات في العلوم الناعمة مثل حقل التاريخ. ونتيجة لذلك، يمكن أن يكون الحاصل حديثا على الدكتوراه شابا صغيرا في أواخر العشرينات من العمر، أو شخصا (ميلانخوليا مكتئبا) منهكا في وسط الأربعينات بحسب التخصص!!!

ولكن عندما نعلم أن جامعة هارفارد كشفت بعد الأزمة الإقتصادية لعام 2008 أن 16 فقط من كل 100 دكتور متخرج من برامج أهم وأفضل جامعة في العالم نجح في الحصول على عمل آمن (أي دائم) فيجب أن ندرك أن هناك مشكلة خطيرة حول هذه الشهادة الكبرى ينبغي نقاشها.

الشيء المشترك بين معظم طلاب الدكتوراه هو التبرم والاستياء والنقمة أي ببساطة عدم الرضا عن وضعهم. بعضهم يصف نفسه بأنه يكدح في نظام استعباد مثل (عبودية وسخرة العمال) لمدة سبعة أيام في الأسبوع، وكما يسخر البعض: يمكنك بسهولة معرفة طالب الدراسات العليا عندما يكون مكتبه أكثر أناقة من منزله، وتكتشف أن لديه - بكل تأكيد - نكهة مفضلة من الأطعمة سريعة التحضير (مثل معكرونة إندومي). وكما يعترف أحد الطلاب (إنها ليست كلية الدراسات العليا نفسها التي تثبطنا، بل شعورنا في الغالب أن الوصول سالما لخط النهاية بعيد المنال).

أنين معاناة طلبة الدكتوراه ليست شيئا جديدا، ولكن يبدو أن هناك مشاكل حقيقية مع النظام الذي ينتج درجات دكتوراه تعتمد على الأطروحات البحثية (درجات الدكتوراه العملية في مجالات مهنية مثل القانون والأعمال والطب أصبح لها قيمة أكثر وضوحا). هناك وفرة في المعروض من حملة الدكتوراه. وبالرغم من أن شهادة الدكتوراه صممت للعمل في الأوساط الأكاديمية، فإن عدد مناصب الدكتوراه لا علاقة له مع عدد فرص العمل. وفي الوقت نفسه، يشكو قيادات قطاع الأعمال من نقص في الموظفين من أصحاب المهارات رفيعة المستوى. مما يدل على أن درجات الدكتوراه لا تدرس المواد المناسبة. أشد المنتقدين لدرجة الدكتوراه يقارنونها بخداع بونزي الهرمي. (تعليق المترجم: نسبة لتشارلز بونزي الذي اشتهر بعد القيام بعملية تزوير عقاري في ولاية كاليفورنيا عام 1920 وهو شبيه ببعض شركات توظيف الأموال في العالم العربي التي كانت تدفع أرباح خيالية بصورة مخادعة لأن الربح المزعوم مأخوذ من رأس مال نفس المستثمر أو مستثمر آخر وهلم جرا. انتهى تعليق المترجم).

شهادة للأثرياء فقط

لمعظم التاريخ، كان الحصول على درجة جامعية أولية يعتبر امتيازا لقلة من الأغنياء، وكان العديد من الأكاديميين لا يحملون شهادة الدكتوراه. ولكن مع توسع نطاق التعليم العالي بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح هناك طلب بأن يحمل الأكاديميون درجات علمية متقدمة. الجامعا ت الأميركية تولت تنفيد تلك المهمة في البداية: وبحلول عام 1970 كانت أمريكا تنتج تقريبا ثلث طلاب الجامعات في العالم ونصف درجات الدكتوراه للعلوم والتكنولوجيا (في ذلك الوقت كان سكانها يمثلون 6 ? من سكان العالم). ومنذ ذلك الحين تضاعف إنتاج أمريكا السنوي من حملة الدكتوراه حتى بلغ القمة مع 64,000 خريج.

وهناك دول أخرى تعمل على اللحاق بالركب. بين عامي 1998 و2006 ارتفعت نسبة عدد شهادات الدكتوراه الممنوحة في دول (منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية) OECD (التي تتكون من 34 دولة) بنسبة 40 %، مقارنة مع 22 % لأمريكا. إنتاج درجات الدكتوراه تسارع بصورة دراماتيكية في المكسيك وإيطاليا والبرتغال وسلوفاكيا. وحتى في اليابان، حيث يتناقص عدد الشباب، زاد إنتاج درجات الدكتوراه 46 %. جزء من هذا النمو يعكس التوسع في التعليم الجامعي خارج أمريكا. خبير الإقتصاد وشؤون العمل في جامعة هارفارد البروفيسور ريتشارد فريمان يقول إن أمريكا بحلول عام 2006 كان يدرس فيها 12 % من الطلبة الجامعيين في العالم.

ولكن الجامعات اكتشفت أن طلبة الدكتوراه هم عمالة رخيصة تتمتع بحافز عظيم ويمكن التخلص منها بسهولة فيما بعد. ومع عدد كبير من طلاب الدكتوراه، فإن معظم الجامعات أصبح يمكنها تنفيذ المزيد من البحوث، وفي بعض البلدان بتكلفة أقل من المعتاد. ويمكن لمعيد في جامعة ييل العريقة كسب 20.000 دولار في السنة مقابل تسعة أشهر من التدريس، بينما متوسط الأجر للبروفيسور الأمريكي كان 109.000 دولار في عام 2009 أي أعلى من معدل دخل القاضي والمدعي العام في نفس المدينة.

في الواقع، فإن إنتاج درجات الدكتوراه قد تجاوز بكثير الوظائف المتوفرة لأساتذة الجامعات. وأكد كتاب صدر مؤخرا لأندرو هاكر وكلوديا دريفوس، وهما أكاديمي وصحفية على التوالي، أن أمريكا أنتجت أكثر من 100.000 درجة الدكتوراه بين عامي 2005 و2009. وفي نفس الفترة لم يستحدث سوى 16.000 منصب تدريس جامعي جديد. أيضا، استخدام طلاب الدكتوراه للقيام بمعظم التدريس الجامعي لمستوى البكالوريوس يخفض عدد الوظائف الرسمية المطلوبة لأساتذة الجامعة. حتى في كندا، حيث نما إنتاج درجات الدكتوراه بصورة متواضعة نسبيا، فإن الجامعات منحت 4.800 شهادة الدكتوراه في عام 2007 ولكن في المقابل وظفت فقط 2.616 دكتور للتدريس. هناك فقط عدد قليل من البلدان سريعة النمو، مثل البرازيل والصين يبدو الآن أن لديها نقص في درجات الدكتوراه.

كورس قصير في العرض والطلب

وفي مجال البحوث فإن القصة مشابهة لما سبق وصفه. طلاب الدكتوراه والموظفين المتعاقدين المعروفين باسم (بوست دوك)، وهي الوظيفة التي يصفها أحد طلاب الدكتوراه بأنها (الوجه الخفي والقبيح في الوسط الأكاديمي) يقومون بمعظم البحوث في هذه الأيام. والمصيبة الطريفة أن هناك وفرة زائدة للغاية من (البوست دوك) هذه الأيام. واستنتج البروفيسور فريمان من بيانات لما قبل عام 2000 أنه إذا كانت وظائف هيئة التدريس الجامعية الأمريكية في علوم الحياة Life Sciences تزداد بنسبة 5 % سنويا، فإن 20 % فقط سيحصلون على عمل. وفي كندا 80 % من (البوست دوك) يحصلون على 38.600 دولار سنويا قبل الضرائب وهذا أقل من الراتب المتوسط لعامل بناء!!! زيادة عدد (البوست دوك) خلق عقبة أخرى في طريق الحصول على وظيفة أكاديمية. وفي بعض التخصصات أصبح الآن قضاء خمس سنوات كـ (بوست دوك) شرطا أساسيا للحصول على وظيفة أكاديمية بدوام كامل أي وظيفة (آمنة ودائمة).

هذه الجيوش الجرارة من طلاب الدكتوراه و(البوست دوك) ذوي المرتب المنخفض تنعش القدرات البحثية للجامعات وبالتالي للدول ذات العلاقة. ومع هذا لا يعتبر هذا الأمر جيدا بالضرورة. فالعقول العبقرية والمدربه جيدا يمكن أن تضيع سدى عندما تتغير الموضة. مرحلة ما بعد عصر القمر الصناعي السوفيتي سبوتنيك Sputnik قادت النمو السريع في إنتاج درجات دكتوراه في الفيزياء والتي توقفت بصورة مفاجئة بعدما استنزفت حرب فيتنام ميزانية العلم. يقول بروفيسور الفيزياء براين شوارتز من (جامعة سيتي يونيفرسيتي أوف نيويورك) إنه في السبعينيات كان هناك تقريبا 5.000 بروفيسور فيزياء يعملون في مجالات أخرى أي (خارج تخصصاتهم).

في أمريكا كشف بزوغ نقابات الدكاترة الجامعيين انهيار العقد الضمني بين الجامعات وطلبة الدكتوراه: مرتب تافه الآن (مقابل) وعد بوظيفة أكاديمية جيدة في وقت لاحق. كما شكل الطلاب العاملين كمدرسين في الجامعات العامة (الحكومية) مثل جامعة (ويسكونسن-ماديسون) نقابات مند وقت مبكر يعود للستينيات. ولكن وتيرة تشكيل النقابات زادت مؤخرا بصورة ملحوظة حتى بدأت تنتشر الآن حتى في الجامعات الخاصة. وعلى الرغم من مقاومة جامعتي ييل وكورنيل الخاصتين العريقتين تكوين مثل تلك النقابات بشدة، حيث يجادل رؤساء هاتين الجامعتين بأن طلبة الدكتوراه الذين يُدرسون لا يعتبرون موظ فين أو عمال بل متدربين. وفي عام 2002، أصبحت جامعة نيويورك أول جامعة خاصة تعترف رسميا بنقابات للدكاتره الجامعيين، ولكنها أوقفت المفاوضات معها بعد ثلاث سنوات.

(الجزء الثاني والأخير في الأسبوع القادم بحول الله).

* المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة