Culture Magazine Thursday  21/04/2011 G Issue 338
أفق
الخميس 17 ,جمادى الاولى 1432   العدد  338
 
مقاربة
فهد الخليوي في مجموعته «مساء مختلف»: في المجموعة الجديدة بُعد تجذيري لفن القصة القصيرة جداً
عبدالحفيظ الشمري

تؤكد مجموعة «مساء مختلف» للقاص فهد الخليوي أن جيل الرواد من كُتّاب القصة شغوفون بفنهم، ومكبلون بصور الدأب والتواصل مع منجزهم، بل حريصون تمام الحرص على صياغة بُعد جمالي يصنع المفارقة العفوية ويؤسس للذائقة حضورها وثراءها.

فالقاص فهد الخليوي أستاذ لجيل كامل، كتب القصة وظل وفياً لها حتى نراه وقد جسَّد في هذه المجموعة الجديدة بُعداً تجذيرياً لفن القصة القصيرة جداً؛ ليقطع طريق الادعاء والمزاعم بأن فن القصة حديث النشأة جداً.

فالمجموعة وإن لم تعنون بثنائية القصر جداً إلا أنها جاءت حاملة لحساسية هذا المنحى الفني الذي درج عليه قلة من الكُتّاب، ومنهم القاص الخليوي وجبير المليحان وعبدالله السالمي، في مقابل جيل من كُتّاب القصة الذين استمروا في الكتابات القصصية الطويلة نسبياً.

مجموعة «مساء مختلف» اسْتُهلت بتقريظ عابر، وبهيئة مقدمة صاغها الناقد التونسي عباس سليمان؛ حيث وصف هذه القصص للخليوي بأنها تنائي التقليدية، أي أنه استطاع أن يخرج من عباءة القول المتسم بالحكائية، والبوح المكرور والفكرة العادية والزمن الفضفاض إلى تأثيث النص واستدعاء جماليات الإبداع.

بعد هذه المقدمة الإلماحية تطل القصة الأولى «قناعات» مجسدة لمشهد الحياة في شخصيتَيْ الزوج والزوجة الشابين على خلق مناخ جديد داخل البيت، إلا أنهما فشلا في تكييف مناخ الخارج بإسقاط فني محترف يوجز الكثير من الرؤى المتعلقة بتحولات الحياة.

فقصص الخليوي تسير على هذا النحو الابتكاري الذي يقتنص الفكرة ويدوِّنها بأقصر السبل دون أن يكون هناك اقتضاب مُخِلّ؛ لتنشأ من خلال هذه المطارحات القيّمة صور واقعية عدة على نحو قصة «قلق» حينما يستحضر الراوي مقولة خاطفة «تشعر وكأن الزمن يمر فوق هذا الركام..»؛ فالفضاء السردي عبر سريعاً رغم تمثله بحكاية بشر كُثُر؛ ليخلق مع فضاء المكان في الغرفة التي يقطنها الراوي البطل هذا التعاضد الاستشرافي المهم في بناء العلاقة الإنسانية بمعالجة قِيَمِيَّة تحدد المعنى الجوهري لفن (القصة الومضة).

صور سريعة ورؤى مقتضبة تنشد فكرة الهرب المبرر من الترهل والاستطالة اللفظية؛ ليمعن القاص في سرد كل ما يريده من نقد لاذع أو إيماء فائق الدلالة بل نراه ينبش قبر المسكوت عنه بصورة كاريكاتورية حاذقة.

في قصة «مساء آخر» التي حملت اسم المجموعة جاء مشهد العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار تفاعلي يرقى من العلاقة العابرة لشاب وفتاة إلى رغبة واعية في التعالق بين ما هو معنوي غارق في جدوى المشاعر الحميمية في اللقاء العاطفي وبين ما هو مادي محسوس في علاقات أسرية صارمة وبُعد معرفي يسترشد بالعلاقة من أجل أن ينتصر الوعي حتى وإن كان على نحو عابر.

في المعنى البعيد نقف مع الكاتب وبطلي قصة لنستشرف رحلة العلاقة الممكنة رغم عنتها، إلا أن الإرادة الواعية هي التي امتزجت بين شابة تقارب بين بحثها عن كتب ومؤلفات تعينها على تجاوز مرحلة الدراسات العليا وقلب يتوق للقاء العفوي الممتزج برؤية الركض بين الماء والنار.

يستخلص القاص الخليوي من تجارب الحياة الكثير من الصور المعبرة.. تلك التي يحسن بحق التقاطها وتدوينها بلا شرح ممل أو إطناب فضفاض، إنما هي حالة من بناء الجملة السردية المتكاملة وغير المتكلفة.

كما يظهر في هذه القصص حرص الكاتب الشديد على اكتمال منظومة القص أو فنيات السرد الذي لا يحيد عن حضور المكان والزمان ونحت اللغة المناسبة وصياغة الحدث وبناء الفكرة العامة التي لا تقبل المزيد من الإيهام، إنما نراه وقد صاغ لنا هذه المنظومة البديعة من القصص التي يتفاعل معها القارئ وتقبل عليها الذائقة.

* * *

إشارة:

مساء مختلف (قصص)

فهد الخليوي

النادي الأدبي بالرياض (ط1) 1432هـ ـ 2011م

تقع المجموعة في نحو (104 صفحات) من القطع المتوسط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة