Culture Magazine Thursday  21/04/2011 G Issue 338
فضاءات
الخميس 17 ,جمادى الاولى 1432   العدد  338
 
عن لماذا
التقاليد أكثر السعوديين حرية
لمياء السويلم

ربما نشعر كسعوديين اليوم أننا نعيش مرحلة وعي محيرة، في هذه الأيام صرنا ندرك أكثر من أي وقت مضى أننا نفتقد لبعض من حقوقنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي ذات الوقت نحن ندرك أنه رغم رغبتنا القوية في التغيير إلا أننا لا نتغيير بالشكل الذي يرضينا، والمساحة الواسعة بين الذي نرغبه وبين ما نعيشه هي مساحة خطيرة، بسببها نعتبر مجتمعنا متناقضاً في أقواله وأفعاله، وبسببها نشعر بالعجز أحيانا كثيرة، ومن الواضح أن النكتة التي نشطت هذه السنوات بشكل طارئ هي أيضاً بسببها.

إذن، كيف يمكن أن نقطع هذه المساحة بين ما نرغبه وبين الذي نعيشه؟ كيف يمكن أن يتفاعل هذا الواقع معنا؟ والحقيقة أن الإجابة على هذه الأسئلة لم تكفينا ولن تكفينا، إن قطع هذه المساحة لا يكون بالإرادة والعزيمة كما يردد سوق الإدراة الإسلامي وقيادة الأمة، المسألة ليست حمية صحية أو تنظيماً للوقت، ولا هي عادة شخصية سيئة يرغب فرد ما أن يتخلص منها، لا يقطع المساحة هذه الانفعالات التي عشناها مع ثورات الآخرين مهما كان صدق وقوة الانفعال، لأن الغضب الشديد الذي عشناه هذه الأيام لم يغير من واقعنا شيئاً، فالمسألة أيضاً ليست مجرد نظام سياسي غير مرضي، التقاليد الاجتماعية لا تتغير لأننا نريد فقط، التقليد ليس حالة جامدة كما نظن، إن التقاليد تتقدم وتتحرك وتتغير أيضاً، التقاليد ليست أعراف المجتمع القديمة وليست هي تاريخ الناس، وفي حياتنا نحن السعوديين تقاليدنا ليست أسيرة الماضي لكنها أكثر السعوديين حرية.

إن الإنسان منا يقاوم التقليد ويقلده، يرفضه وهو يساهم في بقائه، الحالة القبلية العصبية كتقليد يرفضها الكثير هنا، وأعداد كبيرة منا تحاول مقاومتها، وتهاجم تصنيف المجتمع على أساس من القبائل، رغم أن المشكلة في هذا التقليد ليست في فكرة تصنيف الناس اجتماعياً، لأن غالب المجتمعات المدنية أيضاً تقوم على تصنيف طبقي اقتصادي، لكن مدنياً هذا التصنيف لا يجعل الطبقة الوسطى تتعصب لنفسها رغم أنها الأساس المنتج لنهضة مجتمعاتها وركيز توازنها، بالمقابل نحن في رفضنا للتقليد القبلي وسعينا على أن يعاد تشكيل مجتمعنا على أساس اقتصادي كخطوة نحو المدنية، لم نتخلص من هذه القبلية بل أضفنا إليها الطبقية الاقتصادية والمناطقية أيضاً، وهي جميعاً تبدو محاولة للتخلص من التصنيف القبلي أو محاولة خلق تصنيفات جديدة، التقليد العصبي استمر وتغير فقط من تصنيف الى آخر، فالاقتصاد لم يصنفنا مدنياً بل نحن من صنف الاقتصاد بالتقاليد العصبية، ووجاهة شيخ القبيلة صارت وجاهة للشيخ صاحب المشاريع الاقتصادية، إنها العصبية التي هضمت رغبتنا في المدنية ومقاومة التقاليد، إنه التقليد الذي نرفضه لكننا نقلده ولم نملك بعد القدرة على تجميده، والتقليد كي يكون تقليداً عليه أن يصير جامداً لا يتحرك معنا ولا يعيش في داخلنا.

الوعي الذي نعيشه يحيرنا، أردنا التخلص من القبلية فأنتجنا غيرها، فالقبلي هو إنتاج مجتمع بدوي سابق لتأسيس الدولة، لكن المناطقي والطبقي إنتاج المجتمع السعودي بامتياز، ورغبتنا في التغيير الاجتماعي هنا قد اصطدمت بنفسها.

كنا اجتماعيا قد رفضنا تعليم الفتيات أسوة بالبنين في مدارس نظامية في عهد الملك الثاني، وعندما سن القرار الحكومي كان وقتها العالم الشرعي ابن حميد قد أفتى بجواز تعليمهن بما يخص أمور الدين فقط وعدم جواز غيره من العلوم كالأدبية مثلا لأنها مفسدة، ومع مرور السنين عندما اكتظت الجامعات والتعليم العالي من أعداد الخريجات كان الظن أننا تغيرنا اجتماعياً، لكننا اليوم وبعد أربعين عاماً وفي عهد الملك السادس لا نزال نرفض مساواة البنات بالبنين في البعث الدراسية لخارج البلاد، ويفتي العلماء بعدم جواز ابتعاث البنت وحجم البلاء فيها، فكرة عدم المساواة هي التقليد الذي تقدم وتحرك وتغير خلال هذه السنوات، نحن تغيرنا إذن ولكن التقليد تغير كذلك ولم يتوقف، هذه المرة أيضاً اصطدمت رغبتنا في التغيير بنفسها، فلا زلنا نأخذ من الشيخ فتواه ونسلب من الفتاة حقها.

واليوم في هذا التوقيت الثوري ندرك رغبتنا في المواطنة الكاملة، ونسعى لحقوقنا المدنية الناقصة، نرفض التقليد القديم في الهبات والعاطايا ونريد تجاوزه، نريد أن نكون مدنيين نكسب من المال حق عملنا فقط، لكننا اليوم أيضاً لا نزال نسعى إلى الحصول على منح الأراضي ونسخط من خصم الراتب عند التقصير ونفرح لمضاعفة هبة، تقليد التبعية الذي نرفضه من تاريخنا يتقدم معنا ويعيش فينا ويتغير من شكل لآخر، ومرة ثالثة ليست أخيرة نصطدم بأنفسنا ونحي تقاليدنا التي نرفضها..

الرغبة في التغيير لا يكفيها قيم الصدق والإخلاص، ولن يكفيها إدراك الفروق بين المدنية المؤسساتية وبيننا، التغيير ليس معرفة ما نرغب ونريد أن نصل له، بل في معرفة الآن أين نحن وما حالنا أيضاً، التغيير ليس فقط تخطيط المستقبل بل هو أولاً تفكيك الحاضر بكل ماضيه.

lamia.swm@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة