Culture Magazine Thursday  21/04/2011 G Issue 338
مراجعات
الخميس 17 ,جمادى الاولى 1432   العدد  338
 
استراحة داخل صومعة الفكر
لا... أحبك
سعد البواردي

عبدالمحسن بن سليمان الحقيل

94 صفحة من القطع المتوسط

ترى أي اللامين يعني شاعرنا؟ لا النافية الحاسمة؟ أم لا الجازمة المؤكدة لحبها..؟ في الأولى لا أحسب كائنا حيا يأبى الحب ويعلن نفيه على رؤوس الأشهاد أيا كانت الدواعي والأسباب ذلك أن الحياة بلا حب حقل بلا زرع.. وساقية بلا ماء.. و جسد بلا حياة..

لعلها الثانية.. نفي إثباته من أجل تأكيده.. تحمل لاؤه كل دلالات الحب.. ومفردات الغرام والهيام.. إلى التفاصيل:

ونعم أحبك.. شاعرنا بدأ بتأكيد الحب..و

نعم أحبك ما ذنبي وقد علقت

بك الحياة فصار العمر لقياك

نعم أحبك هل في الحب من خطأ

بيدي فديتك في قلبي خطاياك

كما لاخطأ في الحب لا أخطاء لمن أحب.. بهذا ولهذا كفرَّ شاعرنا عن عشقه عندما يرحل من دنياه وقد اتقدت في جوانحه أشواق وأشواك الفراق قبيل إغماضة عينيه.. إنها يعاتبها في رقة ورفق لا تجرح لها كبرياء:

يا آية الحسن لم أطلب مبادلتي

ذاك الغرام ففيم اليوم عقباك؟!

تساؤله له ما يبرره.. إنه إذا لم يرتكب خطأ.. ولم يتجاوز خطا أحمر في قاموس العشاق.. يهاتفها على بعد وقلبه على مقربة منها:

مهما ابتعدت سيبقى الحب سيدنا

مهما فعلت فإني لست أنساك

هنا أموت فقولي كان ذا أمل

ولا تجودي بدمع العين.. حاشاك

حب.. ووفاء. وتضحية كهذه تكفي.

لا يخلو حب من خدوش تشوه مرآته.. الرجل أحيانا.. والمرأة أحيانا ترسم وجه خدوشها على لوحة التجربة.. هنا يثور الغبار ويستقر الحوار..

لا ترحبي ما عاد ينفع أي شيء

الحب مات.. والقلب مات

وتشوهت صور الحياة

لا شيء بعد هذا يستحق دمعة.. ولا حتى أنفاس شمعة.!

تارة يعاتبها على عذل.. وأخرى يطالبها بكراهية.. ربما عن خطأ.. أو عن عقل..

أرجوك اكرهيني.. وبالغي. وبالغي.!

أريد أن تغتالني ظنوني

كوني كما شئت. ولا تفكري

حبيبتي.. عزيزتي.. صديقتي

ولكن..! اكرهيني..

علام كل هذا الحب كي تكرهك.. الوفاء لا يقابله جفاء حتى ولو كان خاطرة شعرية لرفع العتب!

يا شاعرنا المتيم بمشاعره لم تترك لنا نافذة حب.. ولا خطاب عتب.. ولا رسالة اعتذار إلا وطرحتها في تضحية مشهودة..

لا تكذبي.. في ذلك الركن العتيق تركتيني

في ذلك الركن القصي قصيدة تبكي عليك

وشكتك.. من شوق.. إليك

فاليوم تفتقدين يا شمس الدليل

وكان لها مشهد في مسرح المناظرة:

واليوم جاءت في غرور

لتقول إن فؤادها لم يخطئ الدرب القديم

لم تنس يوما قصة أبطالها موت: وموت

وما درت أن الممات بلا نشور..

بلى.. يا عزيزي.. للبداية نهاية.. وللنهاية بداية أخرى.. الحب الصادق لا يموت.. يموت الحب حيا حين يتقوض عيشه وعيشه.. لا.. لا أحبك.. هنا مربط الفرس.. وهنا نفي الإثبات وإثبات النفي نستقيه من حكم مشاعرنا له أو عليه.

تسألني هل أحبك؟!

صدقيني لا أحبك.. لا أحبك.. لا أحبك

غير أني عندما انطلق باسمك

يعبث الشوق بقلبي.. صدقيني

ألف إحساس غريب يعتريني

أبصر الغيب ضياء.. وأرى القادم حلما

وأمني النفس أني ذات يوم

سوف أحيا في حناياك حبيبا..

كل هذا الزخم من المشاعر الوجدانية الملتهبة وأنت لا تحب.. كفى. أنت تحب الحب أكثر، وأكثر.. ما ينقص حبك علامات تعجب واجبة تضعها في أعقاب كل كلمة حب في قصيدتك (!!!) كي تدلل بها على جنون حبك المفتون بكيد بيد أحلامك يقول لفتاة أحلامه وقد بثها الكثير من النفي..أي الإثبات الذي لا يقدر على نفيه..

لا أحبك غير أن القلب يحيا في رجاء

أن يكون القلب قلباً ذات ليلة

أن يكون العمر عمراً

أن يكون الحلم حلما فيه ألقاك فأحيا

أشرب النشوة كأسا وأغني

هل علمت الآن أني (...)

يريد أن يقول:

هل علمت الآن أني رهن حبك

احتضار قصيدة لها نكهة موت العاطفة.. وكآبة القلب:

قولي لها إني سئمت حياتي

ونسيت نفسي في تغرب ذاتي

قولي لها إن الفراق أحاطنا

بالموت تلكم غربة الأموات

ملامح من المشهد الجنائزي الحزين..

هي لهفة دانا ترقب عاشق

والعمر يقهر أعذب البسمات

هي دمعة والعمر بعض لهيبها

وأن الضياع مكبل

شاعرنا لم يكمل شطره الأخير. استئذنه نيابة عنه بتكملته:

وأن الضياع مكبل الخطوات.

من حب إلى حب.. ومن عتب إلى آخر.. ومن شكوى إلى بلوى.. هكذا تنطوي صفحات شاعرنا الملهم عبدالمحسن الحقيل.. بين عيون ناعسة.. وملامح بائسة.. وأحلام يائسة.. كلها تصب في خانة شعره المليء بالافتتان.. والأحزان.

أجنحة الليل واحدة من نبراته وعبراته الشاكية:

أيها الليل لو رأيت سرابا

بين فوديك لا تبعت سرابي

فوديك ربما أراد بها شاعرنا فؤاديك.. حسنا ولوضوح الرؤية الاستعاضة عنها بمفردة (جنبيك) حيث يسكن القلب والحب شاعرنا ظلم الليل وحمله أكثر مما يحتمل بقوله:

أنت مثل الغناء دوما فراغ

في هدوء فما يضير عذابي

هذه وظيفته يا شاعرنا.. سكون وهدوء يمنحنا فرصة الراحة التي نحتاج إليها بعد عناء وكد وكدح النهار..

أنت يا ليل أكذب الكون طر

فيك ستر.. وظلمة باكتئاب.

الكذب لا ذنب لليل فيه.. نحن الذين نصب في وعائه كل آثامنا.. وظلامنا، وظلمنا.. نيابة عنك أعتذر لليل المظلوم..

هذه المرة يبشرنا فارس رحلتنا بالنور.. ونعم البشارة:

أعرف معنى أن تقسو أنثى. وتثور

أعرف معنى أن تهرب للظلمة في طلب النور

أعرف أني سيد قلبك..

فالأنثى يا قلبي تقسو لما تضعف

فاتنتي لا تخشي شيئا.. لن أزعج يوما إحجامك

سأكون كما شاء صدودك..

وسأبعد رغما عن قلبي وأجي إليك بالنور

عليك نور..

بين الغياب والإياب في رحلته الشعرية مساحة من الترددات.. وساحة من الركض اللاهث مرة هو المتحرك.. وأخرى فتاة أحلامه.. يبدو هذه المرة أن دور العودة جاء عليها:

عادت فهل عادت علي حياتي

بنعيمها؟ أم ذاك لحن وفاتي؟

عادن تحيل شتات عمري بسمة

تهب الحياة لعالم الأموات..

عادت تقول: لننس كل حياتنا

ولنقتل الأيام بالبسمات

ليس صحيحا نسيان الحياة فالحب حياة والحياة حب.. ما يجب نسيانه هو الهجر والخديعة.. والقسوة.. حسنا لو أبدلت كلمة حياتنا بكلمة (خلافنا) و (هجرنا)..

أخيراً مع صفحاته وهو يستعرضها صفحة صفحة وهو يعبر شوارع حياته كمن يستعيد ذكرياتها.. ويرصد شواهدها داخل ذاكرته..

وحدي هنا أسير في الطريق.

أقلب الشوارع

صفحة فصفحة اقلب الشوارع

كيف وجدها وهو يتحسسها بخطواته.. وربما بأخطاء السالكين عليها..

فصفحة مقطوعة.. وصفحة محروقة.

وصفحة كانت بلا حروف..

لا شيء في الطريق..

هذا ما انتهى إليه شاعرنا الحقيل عبر ديوانه الجميل (لا.. أحبك) جاءت رحلتنا معه شيقة وممتعة كإمتاع شعره ومشاعره.

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة