Culture Magazine Thursday  24/03/2011 G Issue 336
فضاءات
الخميس 19 ,ربيع الثاني 1432   العدد  336
 
تقريباً
الفن على كف الساحل
ألف حياة وحياة
ضياء يوسف

ما الذي يعنيه أن تخرج من بوابة متحف يعرض الفن المعاصر بخطوات جريئة لتجد في الخارج عوائل سعيدة وأطفال مغمورين ببهجة اللعب وسط بيوت شعبية نسي التاريخ أن يأخذها معه.. تركها عرضة للفن وللأدب والثقافة.. غير الايقاع الرفيع للحياة!.

مالذي يعنيه أن يتسابق الجميع وسط الساحة للحصول على بالونات هي واحدة من أعمال فنان مشارك في المعرض.. غير البهجة!.

مالذي يعنيه أن يقف وسط كل هذا عمل تركيبي ضخم لصاروخ حربي أبيض يمثل أحد الصواريخ القديمة المصنوعة في لبنان من قبل طلاب جامعة ولغرض علمي فقط.. غير تحريك مؤثر للبصيرة!.

مالذي يعنيه أن تخطفك الأصوات هنا وهناك تبحث عنها خلف الأبواب تقتفيها حتى تغمسك في الدهشة حين تراها فجأة متبدية لك في خشونة الجدران بين أزقة البيوت وسطوحها وسلالمها الضيقة وجوه من أفلام فيديو تخرج لك تحدثك بكل حميمية وتسرد لك قصصها التي تعرفها جيدا..ولاتعرفها!.. غير الخطف!. مالذي يعنيه أن تخرج من بعد الدهشة إلى أحد الشوارع الخلفية فتجد عملا ضخما جدا يتحدث مباشرة إليك بعبارات جد مؤثرة.. إنما المؤثر أكثر هو أن تجد لصقه مسجدا يرتفع فيه الأذان ليقطع تأملك للعمل ذهاب المصلين إلى الصلاة!.. مالذي يعنيه هذا غير نعيم الحياة مع الانسجام!. مالذي يعنيه أنك بعد ساعة من هذا تكون على موعد أخاذ جدا مع نعمى عمران.. تأتي بكل أصواتها.. البحر على يسارها والفن على يمينها والسماء فوقها.. تأتي بصفتها واحدة من الحالات المثالية لتمثيل الفن المعاصر.. تأتي لتعطي الجمهور باقة من الأصوات التي تبدأ بالقلب همسه ووسوسته..إلى الصراخ..إلى الهمس.. إلى التمتمة.. إلى الحب..إلى الوله.. إلى الخوف.. ساعة من الموسيقى الموحية والحية تسبح برشاقة بين السوبرانو والقدود الحلبية والمواويل وعوالم الجاز اللامتناهية والكلمات الأخاذة في الشعر القديم.. ساعة من الشعر على صورة صوت يتناسخ في أجناس الموسيقى.. ساعة من الفن حين الفن يهذب ويرقى..يحدثها قلبها فتنطق جمالا على جمال على جمال!. مالذي يعنيه أن يأتي من بعدها مباشرة يوسف لطيف عازف الجاز الكبير ليعيد الجمهور إلى الضفة الأخرى من النهر.. يعيدهم بكل الحميمية وبمزاج عال من المحال التملص منه إلا بالتصفيق وقوفا ولمدة لا يستهان بها، تعيد الفن مرارا إلى المسرح حبا وكرامة. مالذي يعنيه أن تجلس بين الجمهور المنتظر فتلاحظ أن من حولك أكثرهم من العرب.. وأن من حولك أكثرهم منسجمون.. وأن من حولك يغرقون في نقاشات ثقافية رائعة..غير شعور صاف من الامتنان!. مالذي يعنيه أن تشاهد أمامك عائلة بكاملها تنتظر طفلا في التاسعة لينتهي من قراءة بيان عمل فني ليمكنهم التحرك إلى طابق آخر.. ولا يتحرك الطفل إلا بعد أن يقرأ ويفهم ويتأمل!.. مالذي يعنيه شعور المراهقة التي يحرص والدها على أن تعي كل الأعمال التي تمر بها وهي تنظر باهتمام إلى كل شيء وتصور كل شيء.. غير بركة الوعي وتأثير الثقافة.. التي هي (ثقافة) بالفعل!. مالذي يعنيه أن يأتي الفن بجديد يقود بخطوات كبيرة وبفهم يكرس لعموم الحركة الفنية المعاصرة ولخصوص تفاصيلها للفكر وللتاريخ.. أن يتجلى من المادية باتجاه الوعي.. أن يكرس للحياة بواقعها.. لا للحياة بزيفها!.. مالذي يعنيه حقا أن تشهد بينالي الشارقة العاشر وتنغمس فيه.. أن تتقاطع مع تفصيلاته الكثيرة حيث تختلط أعمال فنانين رواد مع فنانين معاصرين وموسيقيين ومحررين ومؤدين وسينمائيين أتوا من ست وثلاثين دولة.

في الشارقة وبحق كان الفن ريحا على ريح.. وريحا في قلب الريح.. شيء يعد بالحركة حين الحركة بداية لمسيرة حقيقية يرفرف وعيها في أول كوكب الحضارة. ليس هذا وعيا يتعلق بمكانة الشارقة بقرب رفيقاتها في العالم العربي بل هو أيضا تفريق لها عما يحدث حتى في محيطها فضمن فعاليات فنية ضخمة جدا عجت بها دبي في نفس الوقت.. أتت الشارقة لتنسق رصدها لأهم التحولات الجمالية والفكرية بحس ثقافي حقيقي وببساطة آسرة.

وأقول مثلما أتت كلمة الشارقة للفنون.. بينالي الشارقة هو تجاوز لمفهوم العروض البصرية السياحية، وإبراز للحدث كحاجة أصيلة، وليس كترف بصري.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة