Culture Magazine Thursday  24/03/2011 G Issue 336
فضاءات
الخميس 19 ,ربيع الثاني 1432   العدد  336
 
مساقات
حكاية مَدْرَسَة!(1-2)
أ.د عبد الله بن أحمد الفَيفي

ترحَّل أبي، الشيخ أحمد بن علي بن سالم آل حالية الخُسافي الفَيفي، (1337- 1432هـ)- رحمه الله- للتعليم في تهامة، فتلقّى التعليم في مدينة بَيْش، وكانت تسمَّى: (أُمّ الخَشَب)، على يد الشيخ عبدالله القرعاوي. وكذا تلقّى التعليم على يد تلميذ القرعاوي: الشيخ حافظ بن أحمد الحَكَمي، رحمهما الله.

ثُمَّ اتّجه إلى تأسيس التعليم شِبه النظاميّ في جبال فَيفاء، وذلك من خلال تأسيسه مَدْرَسَة الخَشْعَة، وهي: بُقعة معروفة في جبل آل أبي الحَكَم، في فَيفاء، اشتهرت قديمًا بمَدْرَسَتِها تلك، التي خرّجت طليعة الجيل الأوّل من المتعلّمين والمعلّمين في فَيفاء. وتُعَدّ تلك المَدْرَسَة، كذلك، أوّل مَدْرَسَةٍ في فَيفاء تفتح باب تعليم البنات. أسّسها سنة 1373- 1374هـ. أي قبل قيام المدارس النظاميّة للبنات في المملكة العربيّة السعوديّة بسنوات.

وبذا يُعدّ الرجل من روّاد التعليم قبل التعليم النظّامي في المنطقة، بل في المملكة. وهو أوّل من احتال لفتح المجال لتعليم المرأة هناك، في وقتٍ كان ذلك من المستحيلات. وكانت لتعليم البنات في تلك المَدْرَسَة قِصّة طريفة، سيأتي ذكرها.

ويمكن القول إنه لو لم يكن والدي قد صاهر مشيَختي القبيلتين، آل المَشْنِيَة وآل أبي الحَكَم، ومن ثَمَّ أصبحتْ له دالّة لدى الشيخَين، ما تسنّى له تأسيس المَدْرَسَة. وفي الحكاية دلالة على أوضاع الناس يومئذٍ، ووعيهم بأهميّة التعليم، وتقبّل فكرة تعليم المرأة، تحديدًا. وإليك بعض التفاصيل:

كان قد أقام المَدْرَسَةَ في مكان يسمّونه (الوِشْر)، معروف في جبل آل المَشْنِيَة، ولكن- بمبادرة من الشيخ محمّد بن أحمد الحَكَمي، رحمه الله، شيخ الحَكَميّين- تمّتْ تهيئة مكان آخر راقَ للمعلّم أحمد بن علي أكثر، وذلك في مكان يسمّى (النَّقِيْل)، في بقعة الخَشْعَة، من جبل الحَكَميّين، فأزمع الانتقال إليه. غير أن الانتقال ب»المعلامة» (وهي كلمة تعني: الطَّلَبة) بين قبيلتين متناطحتين كان مخاطرة، بل كان انتقال الطالب لوحده، أو غير الطالب، أمرًا محفوفًا بالخَطَر، ناهيك عن التقاء الطلاّب من القبيلتين في مَدْرَسَة واحدة؛ فبَين قبيلتيهما إذ ذاك ما صنع الحدّاد للقبائل لتصفية الأيّامٍ والثارات، وإنْ كانوا جميعًا إخوةً في الأصل وأبناء عَم. ذلك أن الآباء يورّثون تلك الحِنَات أبناءهم ويلقّنونهم إيّاها. بل لم يكن الأبناء- ممّن يتعلّمون يومئذٍ- بأطفال، أو صغار السنّ، بل هم فتيان أو شبّان.

جازف المعلّم باصطحاب طلاّب مَدْرَسَته ذات ضُحَى- كما يحكي- على مرأى ومسمع من الناس أجمعين من القبيلتين، رجالًا ونساءً، مطلّين من بيوتهم أو مزارعهم على تلك المسيرة الصاخبة بالأناشيد، منطلقةً من (الوِشْر) إلى (النَّقِيْل)، لتحطّ رحالها في موقع المَدْرَسَة الجديد.

ومن ثَمَّ كان عليه أن يؤاخي بين المهاجرين والأنصار! أي بين المشنويّين والحَكَميّين، باللِّين تارة والحزم تارة أخرى؛ فكان مثلاً يعمد إلى ترتيب الطلاب في المَدْرَسَة على نحو خاص: جاعلاً طالبًا من هذه القبيلة إلى جوار طالبٍ من القبيلة الأخرى، حتى ألِفوا بعضهم واستتبّت له الأمور. إلاّ أن المشكل ظلّ يكمن في الكبار، لا في الصغار، أي في الآباء لا في الأبناء، ولكن الله أعانه على «قنافرهم»! وقد ضَمّت المَدْرَسَة بعد تأسيسها واشتهارها طلبة آخرين من قبائل أخرى.

aalfaify@yahoo.com - http:khayma.com-faify الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة