Culture Magazine Thursday  24/03/2011 G Issue 336
مداخلات
الخميس 19 ,ربيع الثاني 1432   العدد  336
 
تَوْقيعُ الكتاب وثقافة المظاهر

ما سمعنا بمصطلح (توقيع كتاب) في آبائنا الأولين، وما أثر عن أيِّ واحد من العلماء أو الأدباء أنه (وقَّع) كتاباً.

فما الذي طرأ، وما الدواعي التي أوصلت هذا المصطلح لساحتنا الثقافية؟!! وهل هو التقليد أو سياسة البيع والترويج للكتاب أو السعي للتقدم والتطور بأي طريق!! أجزم أن تلك الدواعي الثلاثة وغيرها كانت أكبر سبب أوجد عندنا ما يوصف ب:(توقيع كتاب).. ولكنّي أضيف لها عاملاً آخر ضمَّنته عنوان هذا المقال.

لقد اشتريت - ولله الحمد والمنة- مئات الكتب منذ كنت طالباً في المرحلة الثانوية وعلى مدى عملي في التعليم منذ سنين، وليس عندي كتاب واحد (وقَّعه مؤلفه)، ولست وحيداً في هذا، فوالدي -حفظه الله ومتَّعه متاع الصالحين- وهو أستاذي، ليس في كتابه توقيع مؤلف، ومئات من العلماء والمشايخ من أساتذتنا وزملائنا في شتَّى التخصصات عندهم مكتبات تصل محتويات بعضها إلى خمسين ألف كتاب ليس في واحد منها توقيع مؤلف. ولقد قُرِئتْ كل تلك الكتب وحافظ عليها أصحابها وصانوها ولم يُفرِّطوا في واحد منها.

وفي مكتبتي نوادر الكتب ولم يُرْخص قيمتها عدم وجود توقيع مؤلف، وما سعيت ل(شراء) كتاب من أجل أن يوقع لي مؤلفه في معرض الكتاب أو غيره.. فقيمة الكتاب في ملعوماته وموضوعاته لا في اسم صاحبه أو توقيعه.

وفي تطور جديد في معرض الكتاب في عامي 2010م و2011م -وأنا آسف لكتابة التاريخ الميلادي فقط -هذا التطور هو مسارعة عدد كبير من النساء لشراء روايات وكتب لمؤلفين رجال والحرص على توقيعهم، وحرص بعض النساء على التصوير مع المؤلف وهو يوقع الكتاب.

وهنا أسأل وبصراحة: ما فائدة توقيع المؤلف على كتابه وهو لم يقدمه مجاناً؟!

ثم لماذا تُصوِّر المرأة مع المؤلف وهو يوقع الكتاب؟ لم أجد أي داع مقنع لذلك العمل.

وإذا كان الكتاب ضعيفاً أو فيه رداءة شكلاً أو مضموناً، فماذا يستفاد من توقيع مؤلفه؟! وأنا كنت ولا أزال حريصاً على بيع كتبي وانتشارها ولكني لم أفكر يوماً -ومنذ خمسة عشر عاماً- أن أُروِّج كتاباً من كتبي ب(مسرحية توقيع كتاب). وقد سبق أن كتبت في هذا الموضوع وظننت أن الحال ستتغيَّر، ولكن الأمر لم يتغيَّر، بل تهافت من هبَّ ودبَّ على (منصات التوقيع)، بل ونُظِّمت حفلات خاصة بعيدة عن معرض الكتاب، وهدف تلك الحفلات الوحيدة (توقيع المؤلف على الكتاب) بنسخ مجانية محدودة!

والمخجل أن عدداً كبيراً ممن اشترى بعض الكتب والروايات من معرض الكتاب وزاحم في منصة التوقيع و(فاز) بتوقيع المؤلف كانت آخر عهده بالكتاب في ذلك اليوم ولم يقرأ منه صفحة واحدة، وحسبه (فخراً واعتزازاً) أن عنده نسخة وقعها المؤلف لتكون للذكرى فيترحم عليه بعد موته!

وحينما أنعم الله علينا ببناء (القصور) بعد البيوت الشَّعبية كان من اللازم تأسيس وتخصيص مكان يسمى (مكتبة) في البيت تُجمع فيها الكتب والروايات، ولكنها في بعض البيوت الغرفة الوحيدة التي لا يدخلها أحد إلا حينما يشرف البيت زائر من الأقارب فتفتح (المكتبة ليطلع عليها شكلاً وتنظيماً) وكفى!

وزاد الطين بلة مزاحمة التقنية للكتاب الورقي، وظن بعض الناس أن التقنية ستغني تماماً عن الكتاب الورقي، وضعف النفوس والكسل والخمول هي الحكم في هذه القضية، ولذلك لا تجد من يقرأ ويبحث في الكتاب الورقي إلا صنفين فقط:

الأول: طلاب الدراسات العليا في شتى التخصصات لحاجة بحوثهم ورسائلهم العلمية لذلك وأثرها في حياتهم العملية.

الثاني: بعض النقاد والأدباء والكتاب الذين عشقوا الكتاب عشقاً وعاشوا معه زمناً وذاقوا لذة القرب منه وأثر الحصول على المعلومة من الكتاب الورقي.

أما بقية ملاك الكتب ذكوراً وإناثاً والحريصون على ما يسمى (توقيع الكتاب) فهم من يحملون ما أسميته (ثقافة المظاهر)، فعندهم أحسن السيارات وأروع أثاث البيوت وواجهات رخام للبيوت وأحسن الغنم والإبل ويضاف إلى ذلك كتب وقَّعَها أصحابُها.

عبدالعزيز بن صالح العسكر

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة