Culture Magazine Thursday  27/01/2011 G Issue 331
فضاءات
الخميس 22 ,صفر 1432   العدد  331
 
انصهار الليبرالية الحديدية ببساطة... بن علي ليبرالي يحب الحياة
محمد عبدالله الهويمل

دمر الله سد مأرب بفأر وأغرق العالم من ثقب في تنور و قضى على النمرود ببعوضة وعلى بن علي بنار صغيرة بعيدة. وكلهم ذوو موقف متقارب في سلبيته من حاكمية الله للعالم. ذلك فهمنا المتناقض مع فهم الليبراليين المصطنع والمتوارط وهم يرون حاضن مبادئهم بن علي يسقط أمام إرادة إنسان جديد يهتف بالعبارات والشعارات ذاتها بفهم أقرب إلى التلقائية الحرة دون أن تحدد حتى الساعة أسرار الخلفية الثورية وكيف هرب ممثل الليبرالية الحديدية مخلفا أثرا ذميماً عن تلك المبادئ وليس تطبيقها فحسب.

الليبراليون في كل مكان في قفص الاتهام،يدسون رؤوسهم تحت الطاولات أو ربما التزموا (الحجاب الشرعي) لتغطية العيون القلقة والشفاه المضطربة الجافة من أي قدرة على الاعتذار بعد أن تضامنوا نظريا مع بن علي وتبنوا لغته المتصادمة مع مظاهر الشريعة وصعدوا النبرة الاحتجاجية ضدها حد الانسجام اللغوي مع القانون الليبرالي الحديدي التونسي وصرفوا النظر عن كل سلبياته الإجرامية التي اتفق عليها الجن والأنس والكائنات،آملين في تعديلها تدريجيا دون أن يشعر خصومهم ودون المساس بالمكتسبات ضد الشريعة وأهلها والإبقاء على القلعة العلمانية حصينة شامخة لتبقي على معنوياتهم ومفاخراتهم وصدقية أجندتهم وأهليتهم للوصاية والقيادة،وأن نجاحات بن علي الاقتصادية برهان عصري على أن الليبرالية هي الخيار الوحيد للتنمية والتحديث.

اللافت أن اللبراليين ومنهم السعوديون لا يكثرون الحديث عن التجربة التونسية خجلاً من الليبرالية الإجرامية وخوفاً عليها من النقد والتعرية والاتهام بالانفصامية والتحايل الفج على المثل والسحق المتعمّد للخيارات العفوية فضلاً عن التسييس العلماني للدين واللبرلة المتعسفة لاحتمالات النص وجلد التراث للانصياع لمقتضيات المفهوم العلماني. ولا أدل على هذا من إقالة مفتي تونس قبل عام لإصداره فتوى في الطلاق تخالف التوجه العلماني كما نشرت صحيفة الشرق الأوسط.

بعد سقوط بن علي حاول الليبراليون صرف المشهد عن دلالاته التي تطوقهم بالعار والتهم فأحالوها بزخم إلى ثورة الجوع والعامل الاقتصادي ليذروا الرماد في عيون المحايدين غير المستقطبين أو الأغلبية الصامتة فتجد أحدهم يكتب مقالا في مئة سطر لفكرة متحايلة ضامرة لا تستحق أكثر من خمسة أسطر،ولكنه التوتر والهروب من التهمة جعله وأمثاله يرمي الجمل الفارغة في كل اتجاه مجسدا مقولة (كاد المريب أن يقول خذوني).

والأمر إن الأغلبية الصامتة لم تتماس فكريا مع هذا النظام إلا في جوانب معاداته السافرة للدين وأخذت انطباعاً عاماً عن هويته المدموغة برفض الحضور الإسلامي في سلوكيات وإرادة التونسيين،أما الجوانب الأخرى فملامحها غير واضحة لحضورها التدريجي بعيد الأمد في الواقع التونسي وهذا ما يقلق الليبراليين، أي أن التحدي للإسلام من قبل هذا النظام الليبرالي صرف النظر عن دوره في التنمية التي اتضح لاحقا أن مداخيلها متجهة إلى جيوب ذات مواصفات ليبرالية حديدية.

التونسيون يصلون جماعات في الشوارع،والتلفزيون يرفع الأذان للمرة الأولى،كلها إشارات إلى أن الجوع ليس وحده السبب بل هناك خلفيات يتستر عليها الكتاب الليبراليون للحيلولة دون اكتمال الهزيمة في حقهم بعد أن تدمرت طموحاتهم في الوصول إلى المرحلة الحديدية في بلدانهم لإقصاء المعايير الدينية المتحكمة في الخيارات الإنسانية لدى المسلم.

لقد بذل الليبراليون في أماكن عِدّة مجهودات جسام ومرهقة وجادة لتشكيل أو استنساخ النظرية الليبرالية التونسية وكان أملهم بلوغ السدة أو الاقتراب منها للتطبيق الاستبدادي والاستئثار بالحكم والتأثير، أي خروج الرجل الأخضر ضد المظاهر المحافظة، ولكن ما حدث لابن علي هوى بطموحاتهم إلى مابين التراب والنعل بعدما هددوا بطرف خفي إلى احتمالية طرح خيار العنف لفرض التغيير،فهذا أحد صقور الليبرالية السعودية يطالب بانفعال في (حوار في صحيفة الحياة) إلى فرض الحداثة ب(القوة) متمثلا نجاحات الليبرالية التونسية البائدة.

إن التجربة الليبرالية التونسية هندست أفق الطموحات لليبراليين السعوديين ولونت الجنة المنتظرة الخالية من دعاة الخيار الإسلامي وكم تغنوا بها في خلواتهم سيما أن بن علي في تصنيفهم ليبرالي طبيعي يحب الحياة ويدعو إلى الاستمتاع بها كمبدأ ليبرالي راسخ ,غير أنه اجتهد اجتهاداً طبيعياً أيضاً فوجد أن الإسلاميين وأيديولوجيتهم لا مكان لها في لوحة الحياة التونسية أو في اكتمال الاستمتاع بالحياة فأقصاهم حفاظا على حبه للحياة والتنعم بها، تلك هي المعادلة ببساطة وبساطتها تطَرد في أنصار الحياة المؤدلجة ليبرالياً كما أكد المفكر الراحل الجابري ساخرا بأن الليبراليين يزعمون أن المجتمع المدني منجز لهم وحدهم وإقصاءهم للإسلاميين مسألة حقوقية بحتة.

لقد دمرت هذه اللبرالية الحديدية الإرادة الدينية فسهل عليها النفاذ إلى الإرادة الشخصية وانتهاك حقوقها وجيوبها لأنها تعي أن من هان دينه هان جيبه. والحمد لله أن فضح هذه المعادلات ونتائجها ونبهنا نحن العرب والمسلمين من جديد إلى أن الأنظمة المستبدة هي الأنظمة العلمانية التي لن ترقى أبداً إلى إنسانية وتطلعات العصر الجديد للعرب والمسلمين.

Hm32@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة