Culture Magazine Thursday  28/04/2011 G Issue 339
قراءات
الخميس 24 ,جمادى الاولى 1432   العدد  339
 
كتاب: «مقدمة للنقد الأدبي»
البحث عن الأيقونات اللفظية في الأدب
علي العائد

قد يجد القارئ منتهى الحرية في نقده للنص الذي اختار قراءته، فالنص مفتوح لجميع القراء، ولجميع النقاد فرص متساوية في الوصول إليه، لكن الصنعة في الأدب تستتبع صنعة في النقد، وهذه الصنعة هي أقل من علم قارٍّ، كونه لا يتمتع بقوانين فيزيائية مطلقة، وهو موهبة، أو أكثر، كون الناقد الجاد يتمتع بمعرفة في اللغة، والتاريخ، والفلسفة، إضافة إلى التذوق الذي لا يقيسه سوى معيار إنتاج نص على نص، بحيث ينافس النص النقدي النص المبدع الذي يتناوله.

ومن المتفق عليه، أن كل محاولة لفهم الأدب تحمل معها بعض أحكام القيمة، بينما تحمل كل محاولة لتذوق الأدب بعض الافتراضات عن الكيفية التي يتم بها عمل الأدب. إن هاتين القضيتين متداخلتان، وهذا ما يجعل موضوع النقد الأدبي مترابطاً منطقياً. والنقد يسعى للإجابة على السؤالين: ما هي قيمة الأدب، وبأية كيفية يعمل؟

أما غير المتفق عليه، فهو صعوبة أن نقدر السبب في عدم تعامل النقد مع أجوبة محددة، فكل مناقشة لقيمة الأدب تستثير حتماً اعتبارات دينية وأخلاقية وسياسية وجمالية، بينما على كل إجابة عن السؤال المتعلق بكيفية عمل الأدب أن تهتم أولاً بمسألة كيفية تواصل البشر مع بعضهم. ولا بد لكل ناقد يستحق اسمه أن يحدد موقعه بالنسبة لهاتين المسألتين، أما الناقد الذي يدَّعي أنه يملك كل الأجوبة فهو إما أحمق، أو مخادع.

وقد تناول فقهاء اللغة في عصر النهضة دراسة الأدب، وانصبَّ جلُّ اهتمامهم على هذه الناحية. كما درسه علماء البلاغة لتوضيح فنون الفصاحة والإقناع. ودرسه الفلاسفة الأخلاقيون الذين اهتموا بالأدب لما له من تأثير على سلوك البشر، ودرسه المؤرخون لما احتوى عليه من سجلات الماضي، ودرسه الباحثون الذين اهتموا بوضع نصوص دقيقة عن الأدب الكلاسيكي، وكذلك عمَّا كان معروفاً عن الكتَّاب، وعن الظروف التي كتبوا فيها. وقد نتج تطور بطيء للموضوع نستطيع أن نعرِّفه بأنه فهم وتذوق النصوص الأدبية، من مزيج من هذه المقاربات المختلفة التي أثارها، إلى حد كبير، كتَّاب عصر النهضة الذين كانوا يبحثون عن تفسير وتبرير لما كانوا هم أنفسهم يكتبون.

ومن الطبيعي أن يكون نقد القرن العشرين قد اختلف عن كل ما سبقه، وذلك في أمر واضح، وهو تحوله إلى مادة تُدرَّس ضمن المناهج الجامعية والمدرسية. والنقد الجديد وضع قاعدة لفكر النقد الجديد اللاحق، وهي أن النص معزولاً عن كل شيء هو كل ما يهم، وأن دور الناقد ينحصر في إعطاء تفسيرات مفصلة للكلمات المطبوعة على الصفحة.

كذلك، افترق في القرن العشرين استخدام مصطلح «الأسلوب» عما كان في القرون السالفة، والذي كان انطباعياً، في كثير من الأحيان، في محاولات تتوخى شد الانتباه إلى خصائص اللغة، أو استعمالاتها المتفردة، في نص معين، أو عن كاتب، أو عصر ما. أما «الأسلوبية»، كمصطلح حديث ينتمي إلى نقد القرن العشرين، فقد قوبلت بشيء من الحذر، لا سيما في إنكلترا، بينما قوبل مصطلح «البنيوية» بحذر أكبر. والمصطلح الأول مفضل عامة في الولايات المتحدة احتراماً لمبدعه الفيزيائي وعالم المنطق الأمريكي سي. إس، بيرس، بينما المصطلح الآخر مفضل في أوروبا احتراماً لعالم اللغويات السويسري فردينان دوسوسير.

ونذكر مما شاع في النقد الحديث عدداً من تعابير ت. إس. إليوت الساحرة، مثل «المعادل الموضوعي»، الذي اشتُقت منه مصطلحات مشابهة، مثل «المعادل الفني»، والمعادل «السياسي»، والتي تنتمي إلى النقد الماركسي، المشتق بدوره من النظرية الماركسية.

لكن الزخم الذي أخذه الإنتاج النقدي في القرن العشرين، والذي أسهم فيه مفكرو القرن التاسع عشر الثلاثة، داروين وماركس وفرويد، بشكل مباشر، أو غير مباشر، ساعد في تشكيل النظرية النقدية الحديثة. وليس ضرورياً هنا أن تكون ماركسياً لتؤمن أن الفكر الماركسي في الأدب قد قدم شيئاً ما ذا فائدة، ولن يساعدنا الشك في نظريات فرويد كي ننفي فكرته عن كون أدباء الماضي الكبار علماء نفس بالسليقة، أما أتباع فرويد فقد سارعوا إلى استنتاج أن أفضل أنواع الأدب هو ما يعكس عقدة أوديب، أو عقدة إلكترا، بأكمل وأصدق ما يمكن.

نذكر أن كتاب «مقدمة للنقد الأدبي» من تأليف د. ريتشارد داتون، وترجمة دعد طويل قنواتي، وقد صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2011.

- دمشق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة