Culture Magazine Thursday  29/12/2011 G Issue 358
مراجعات
الخميس 4 ,صفر 1433   العدد  358
 
استراحة داخل صومعة الفكر
ريق الغيمات
سعد البواردي

أشجان هندي

336 صفحة من القطع المتوسط

الحداثة الفنية (والمعاصرة تطغي على شعرها.. أي على نثرها.. ممسكة بإيقاع الفكرة أكثر من واقع الحركة التقليدية وقلتها..وقافيتها.. وهذا لن يغيرها لأن المشاعر المتيقظة وحدها هي التي ترسم الصورة والحركة الايقاعية من خلال جمل تفضي إلى معنى... وإلى رؤية حياتية.. هذا مجرد مدخل..لا ريق للغيمات أكثر من مطر تبلل به وجه الأرض كي تنبت.. ويخصب الربيع.. وتزدهر الرؤى.. وكما أن للغيمات ريقها، أو رحيقها، فإن للملكات الشاعرة ريها.. وخصبها.. وثمارها.. سأحاول جاهدا أن أنتزع من ديوانها الكبير الكثير بصفحاته ما يغطي مساحة الساحة المتاحة ما أمكنني ذلك..

بداية بجروح الروح.. بعذاباته ضمنا.. وعذوبتها طرحاً.. وشعراً أصيلاً بجرسه وإيقاعه:

تسيرين: يبقى الخوف كالسيف واقفا

تخافين: من يحمي من الليل خائفاً؟!

حجازية ومع النجوم أقلها

وليل السرى بعد الصبابة ملها

محا الموج. والتجويف والخوف كلها

توقف بها ليل الفرار لعلها

تقاسم رجليك المسير إلى المغيب

صوت امرأة بحسها الخائف والراعف يصرخ في وجه المصادرين لحقها.. المنتقصين لقدرها.. المستهينين بمشاعرها.. سيف السؤال في دربها حين تتحرك.. وشبح الخوف يطاردها مع وحشة الظلام.. إنها الشكوى من وجع لن يطول طويلاً.. الحياة كفيلة بتغييره..

(ملكوت الله كشف) عنوان أجتزئ من محتواه هذا المقطع:

ثم إن العام هذا العام قد جاء حزيناً

كل عام صار وجه العام يأتينا حزينا

عامنا جاء حليق الرأس. حاسر الرغبة في تقبيلنا

كل الأعوام كل الشهور وكل الأيام مجللة بالسواد.. نبكي اليوم لسوادها.. وفي الغد نبكي على بكاء الأمس.. أعوامنا حليقة الرأس، الموس الذي اجتث شعرها من صنع أيدينا.. (بأيدينا)..

زين الأشجار بالموتى.. ومات

ثم أن الأرض لم تستوعب الموتى فماتت

ثم إني ضقت بالحزن وضاق الحزن لي..

ما زالت أرضنا البائسة تعيش النزع الأخير.. أسلحة دمارها الشامل تهددها بالفناء.. وتجار الحروب يرقصون حول مثواها الأخير في انتظار الجنازة في شهية كافرة لقد حجزوا لأنفسهم كل كراسي التفجير والهجير والتدمير:

ماذا تفعل الدبابة تحت شجرة الزيتون؟

شجرة الزيتون طيبة. أغصانها أسرة الحمام

لأنها طيبة اقتربت منها دبابة الموت من أجل اجتثاثها:

ماذا يفعل الجندي في مدرسة الاطفال؟

مدرسة الاطفال فراشة جناحها ملون يورق الأحلام.

مهمته تكميم الأفواه الصغيرة مبكرا قبل أن يشبوا على الطوق.

للشاي في فم شاعرتنا مذاق مختلف.. لأنها تعبه بحسها قبل فمها:

تلملم وجهي الذي يتكسر بين يديك

وتشرب من خوف نعناعه فتغص بوجهك

-مرتعشاً- يتكسر ما بين أوجاعه

أصبُّك في الكأس ثم أمليك

أبقيك في ورق الشاي منتظراً ثم.. لا أشربك

كل حر في شايه.. وفي شأنه.. فينا من لا يروى.. وفينا من لا يجوع.. وفينا من لا يملك غير العطش (غير الجوع.. ومن شرب الشاي بنعناعه.. إلى فنجان قهوة لا وجه له ذات صباح:

أرشف مرارته على مهل

ثم أصب ما تبقى منه على وجه الجريدة

وجه الجريدة يغسل وجهه الذي لا وجه له

ثم يمضي- الصباح- في تصفح وجهي..

الجريدة عطشى.. إنها تواجه الظمأ.. وجه الجريدة أبيض ناصع لا شية فيه.!

ربما لأنها في يوم من الأيام موصدة الأبواب في وجه ارهاصات ومعطياته المرأة الفكرية التي تبحث لها عن متنفس.. أقول ربما..!

(ثوب البرتقالة) قشرها الذي يحميها غائلة الهم والعصر.. إنها تتألم تخشى أن تكون عارية لهذا جاء عتب شاعرتنا:

لماذا فرشت وجه البرتقالة عندما قطفتها؟

البرتقالة كانت ترقص على غصنها

عندما أمسكتها بقوة. وعصرتها

ثم استقبلت من جلدها ما استدبرت وقشرتها

ليتها كانت حكاية برتقالة تؤكل.. المرأة يا أشجان برتقالة بشرية ناطقة ومتحركة تعصر وتهصر الفرق بينها وبين اختها انها لا تؤكل.. (المس) في حوار بينها وبين من تعني:

قلتُ: ليل. فقال: ليل طويل

ونجوم على النجوم تميل

قلت: ليل الرياض. قال: هواها

قلت: أنفاسها رباها سماها

وتفاصيل ساقها التفصيل

قال: عشق. فقلت: عشق قديم ومقيم وثابت وأصيل:

قال: حرية.. فقلت: سواها وحصار ألمه فيسيل:

أنا أهوى القيود.. قال: جنون

قلت: سحر سحر.. وفكه مستحيل..

لعل ذلك القيد الحريري الذي نقرأ عنه.. الرياض. كل رياض الأرض نحبها لأنها وجه حياة مخصبة

(الذئب ذئبك).. لابد وأن نحترز من عواء الذئب المسعور.. حتى ولو كان من تلك الفصيلة الناطقة:

قسم ضلوعك.. قسموك وما دريت

وتقاسموا ذكراك حين تقاسموك. وودعوك

لملم حروفك لم يعد للشعر بيت يحتويك

واظمأ كما شاءوا وشاء لك الظمأ

كاس التصحر يحتويك

ملامح الذئب تبدو مخيفة:

رمل العروبة جدب أحلام تتأم على مفارقه الخيام

فيجوع بعد العام عام.. وجه السنابل متعفر

والقفر غول يمتطيك.. الذئب ذئبك

ليس ذئبا من اشترى ذئب الخيانة واشتراك

لا أبشع أن يوجد في الحياة ذئب بشري يخون أهله.. ويغدر بوطنه.. ويقف في صف أعدائه لقاء حفنة من مال..

(أبراج) جمع برج.. أي ذلك المبنى الممتد نحو السماء.. برج العرب في مصر. برج التجارة العالمي في نيويورك. أبراج بال. أبراج بيروت. وبرج الحمام في بيروت وبرج على بحر جدة.. مجموع أبراج مرت عليها مرور الكرام.. لعل أكثرها اثارة برج التجارة العالمي الذي قالت عنه:

برج التجارة عالمي.. ولكنه

يتعصب للدين واللون عند الخسارة

وعن برج بابل في العراق تقول عنه في إيجاز:

وتهل جبن تهل القنابل. تلك ابراج بابل.

وعن برج بيروت:

يتوسط بيروت حين تسيل الغواية وردية

بين فخذ الهوى والغمام ذاك برج الحمام

وعلى برج جدة:

حلمت بأن سيهواك أن انت غازلته

وجيوبك خاوية..

وأنك في الارتفاع المبجل قد صرت نده

ذاك برج على بحر جدة..

ومن جدة إلى الهجمة المرتدة:

ارسم كرة داخلها جمهور لا تركله الأقدام

ثم ارسم حكما لا يحمل صافرة

وارسم اهدافاً تتسلل منها الأحلام

في المرمى ارسم عقلا غادره النور

ثم ارسم في العتمة مصباحا

وصباحا حول المصباح يدور

ملامح أفلاطونية لقصيدته صالحة أن تكون ساحتها في المدينة المناضلة أما الكرة في دنيانا فهي كره وشجار وحروب وصراع لا ينتهي وللشعر عولمة في أدبيات شاعرتنا المتألقة:

يوم للشعر وشعر لليوم

واصوات تفرق في أصوات في يوم الشعر

انتحر الشعر على الغيمات

هطلت أمطار سوداء. وسال الكحل على الكلمات

ما أجمل عولمة الإثداء تغطى بسواد النكبات

رب ضارة نافعة.. النكبات تهون حين تكون درسا مستفاداً

وزرقة ريش الطواويس تحمل الكثير من التساؤلات:

ومنذ متى لا تئن وقلبك قلب العصافير

رعشة رمش السنابل منذ متى لا يحن؟

وروحك حمالة اليهم ريحانها حتى يطمئن

كزرقة ريش الطوويس تختال صرت

وكنت بلون الحمام تجن

فمنذ متى زرقة الريش غطت على زرقة الموج فيك

ومنذ متى ومياهي تغطيك موج يقينك بي قد يظن؟

تذكير.. وذكرى.. لعل التذكير والذكرى تنفع المؤمنين.. والمتكبرين..

(مشاء) بماذا ؟

عجبا كيف يجري هذا الرجل هربا فوق أضلاعي

فلا أسمعه ويرقص فوق الأرض طربا

فأسمع انين أضلاعها؟!

لا غرابة في الأمر.. الأرض يا شاعرنا منها وإليها نعود.. انها الأم الرؤوم الصابرة التي تحزن وتبكي وتغضب.. غضبها بركان وبكاؤها طوفان. وحزنها وعود وقواصف متى عيل صبرها من عقوق ابنائها..

(مناهج) في مدرسة الواقع في سقطاته: الكذب أن تتماثل ذات صباح كاشفا عن وجه غير مباح هذا ما قالته شاعرتنا وعن نهج السلام:

يكشفون مؤخرة القبح ثم يوارون فعلتهم بالكلام

هكذا يطلقون السلام من مدافع محشوة بالحمام

أي بالموت الزؤام..

وعن منهج التعددية حيث المذاهب والطوائف المتألفة أو المتخالفة:

عندما كشفوا ساق لبنان

كان يكشف ساق عشيقته الثانية

في كلا المشهدين جنوب يئن

وحقل سينهب في ثانية.

ليس الجنوب وحده الذي يهن لبنان بأهله بجبله بسهله كله عرضة للهزات..وضحية للتدخلات من داخله..

(قاعدة نحوية) في قاموس شاعرتنا أشجان هندي بدايتها سكر ونهايتها حرمان..

ستجد على مائدة روحي - غير جروحي..

ليمونة تغسل أوجاعها بالسكر اعصرها ولا تأكلها

وسمكة تغسل دمها بالبحر الأحمر قشرها ولا تأكلها

وزجاجة لبن رج أثداءها ولا تشربها

حالة كهذه لا داعي فيها لعصر ولا قشر ولا رج البحث عن وجبة جاهزة أمثل.. إنها بمثابة الجائزة عن جهد لا يثمر..

(حرجة) مقطع منها يكفي:

حين تصل القمة لا تدحرج كرة الثلج

فقبيلتك لم تزل تسكن سفح الجبل:

مأساة أن يكون واحد فقط يتبوأ الذروة دون أن يقدر على أخذهم معه.. ومأساة أن يسكن السفح معهم وهو القادر على الصعود.. (بحث عن الآخر) بين الممكن.. وغير الممكن.!

ايزابيلا تبحث عن غيري كل يوم فتجدني

وأبحث عن غيرها فأجدها

يقولون إن المشرق والمغرب لا يتلقيان

ولكني وايزابيلا نلتقي كل يوم في رحلة بحثنا عن الآخر

للشرق ثقافته.. وللغرب ثقافته.. ومع هذا للإنسان الواحد الموحد لغته التي تتحدث بها كل الألسنة.. وتتحرك من خلالها كل الأفئدة.. الحب الحرية السلام المعرفة التعاون قاسم مشترك لو أمكن تحقيقه لتلاقى المشرق بالمغرب.. المشكلة مشكلة تخلف ومطامع (وتعصب) (وصية) من شاعرتنا المتألقة والمتفوقة بمشاعرها:

أوصيت من أحب أن أدفن في وطني

أوصي من أحب من يحب أن يدفن قربي

أوصانا الوطن أن يُدفن فينا

ها نحن جميعا ندفن أحياء..

بشاعة أن يدفن الإنسان وهو على قيد حياته لأنه بين أحياء..

أخيراً مع مقطوعتها وهي تواجه من ينتقدها لأنها ملتزمة بكيفها لا بكمها:

طال جذع يقيني..

حين صاحوا بصوت واحد:

وليس لديك سوى ديوان شعر واحد

وإله واحد.. وحبيب واحد..

دعيهم في صراخهم.. شهادة حق أقولها.. إن في ديوان شعرك الواحد ما يغني عن ألف ديوان وديوان عاجزة عن الغوص في أعماق التجربة.. وعاجزة عن البوح بما يعتمل في تفكيرها من نضج.. وصدق.. لا عليك يا شاعرتنا الملهمة أشجان هندي، وددت لو أنني استغرقت كامل ديوانك.. ومع هذا أمكن المرور على بعضه.. وبعض الكثير: أخيلته وصوره الناضجة.. شكراً لك.. والمزيد من عطاء ثر جديد يثري ويفيد.

الرياض ص. ب 231185 - الرمز 11321 فاكس 2053338

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة