Culture Magazine Thursday  31/03/2011 G Issue 337
فضاءات
الخميس 26 ,ربيع الآخر 1432   العدد  337
 
بريد القلب
مهمة نبيلة
خالد البسام

في مشهد جميل بالقرب من ميدان التحرير رمي رجل علبة السجائر الفارغة في الأرض في مشهد اعتيادي كما يفعل دائما. لكن الرجل فوجئ بسيدة تركض وراءه وتقول له: من فضلك خذ العلبة من الأرض وضعها في سلة القمامة الموجودة بقربك. وأكملت للرجل الذي بدا خجولا من نفسه: نحن الآن حققنا ثورة عظيمة ويجب أن نتعلم التغيير في كل حياتنا، والنظافة جزء مهم من ذلك. كان رأس الرجل منحنيا إلى الأرض يلتقط العلبة الفارغة ويضعها في مكان القمامة، غير أن لسانه عجز عن النطق بكلمة.

هذه حكاية بسيطة من عشرات وربما مئات الحكايات التي انتشرت مع الثورات العربية التي اجتاحتنا في فترة قصيرة تقول لنا إن الثورات لا تسقط الأنظمة فقط ، بل تغير في البشر أشياء كثيرة أغلبهم لا يتوقعون أن تتغير.

ففي مصر قام آلاف الشباب بتنظيف الميادين وصباغة الأرصفة في روح جميلة ومتحمسة. وعندما انهار الأمن قاموا بتنظيم اللجان الشعبية لحماية الأحياء والبيوت والممتلكات.

وفي اليمن راح المتظاهرون يوزعون الورود على الجيش والشرطة، وفي تونس فعل ذلك قبلهم.

لم تغير هذه الثورات الجديدة من أحلام الناس وأفكارهم فقط، بل أيضا أرجعتهم إلى أصولهم الإنسانية الجميلة. فقد أعادتهم إلى جذورهم وتحضرهم الذي كادوا أن ينسوه في غمره الكبت واللهاث اليومي وراء لقمة العيش المجنونة التي عصفت بالضمائر وجننت عقول الكثيرين.

وأعادت تلك الثورات الكثير من القيم الرائعة بين الناس التي كادت أن تتلاشى مثل التضامن والألفة والمحبة. وأرجعت لهم الكثير من الأخلاق والتهذيب.

صحيح أن تلك الثورات أسقطت ديكتاتوريات عاتية وطغاة لم يفهموا شعوبهم، لكن تلك الثورات يكفيها أنها غيرت في صانعيها كل تلك القيم وأرجعت وحدتهم وأطلقت السنة كانت لا تفتح إلا عند أطباء الأسنان.

تستحق تلك الثورات العربية المديح اليوم لأنها استطاعت في أسابيع قليلة فعل كل هذا التغيير في البشر، وتستحق المديح أيضا لأنها قامت بمهمة نبيلة كانت تحتاج في الماضي إلى قرون، والأهم أن استطاعت إزالة ركام اليأس الذي تراكم في عقول وقلوب العرب.

المنامة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة