Culture Magazine Thursday  01/03/2012 G Issue 365
مراجعات
الخميس 8 ,ربيع الآخر 1433   العدد  365
 
يا أمة الإسلام
سعد البواردي
د. عبد الرحمن صالح العشماوي

 

194 صفحة من القطع المتوسط

لأمة الإسلام وجَّه خطابه الشعري بما يحمله ذلك الخطاب من أمل. وألم.. أمل في حياة أمثل وأفضل.. وألم يعتصر قلبه من مخاطر وتداعيات تطال أوطانها.. وتنال إنسانها.. لتكن البداية لأنه جرح:

في لوحته الأولى يقول:

وطني في حماك مأوى غريب

وحمى خائف. ومنبع صادي

غير أني أهديك نصح محب

لم تذق مقلتاه طعم الرقاد

كم صديق يريك وجه عدو

عندما تحجب العطاءَ الأيادي

وأيضاً كم عدو يريك وجه صديق كي يطالك بأذاه وأنت في مأمن: يطلب منا أن نغني للإباء. والكبرياء ونشر عطر الرشاد والهدى يمنة ويسرة..

في لوحته الثانية عن وطنه أيضاً:

وطني أنت واحة. ورياض

مورقات. وديمة هتان

من خيوط الإيمان ينسجك المجد

ويُلقي على المدن أردانه

فإذا بي أرى العقيدة أفقا

يألف المرء تحته إخوانه

وطني. تجهل الحدود مداها

ويرى الخير في يديك سكانه

الخير يا عزيزي تختصره كلمات ثلاث.. انتماء.. ووفاء.. وعطاء.. دونها جميعاً تُفتقد المواطنة.. ويضيع الموطن.

(الرجل العصارة) للوهلة الأولى أسمع عنه.. وللوهلة الأولى أطلب المزيد منه كي أتعرّف عليه لا حباً فيه وإنما خشية منه:

أيها الجار الذي روّع جاره

وغدا يحكم بالظلم حصاره

وجهك الجامد ما زال يرينا

خائناً يُصدر في الليل قراره

أيها التاجر بالحرب رويدا

ان ما تنعى له عين الخسارة

إنها الحرب دمار.. وفناء

أنت أشعلت لنا منها الشرارة

سل عن الطفل الذي أضحى يتيما

وعن الشيخ الذي اغتلت وقاره

سل عن الأم التي لم تلق دمعا

يغسل الحزن ولم تلق عبارة

تجار الحروب في عالمنا المسكون بالوحشة والظلم أكثر من الهم على القلب.. يستوي فيهم قريبهم وبعيدهم. الحرب بالنسبة إليهم حياة. والحب موت.. هذه المرة العشماوي عاتب على أمته.. ويبقى الحب ما بقي العتاب على حد قول الشاعر:

يا أمة الإسلام جل مصابي

وأطار حقد الخائنين صوابي

فأتيت أرفع كف شعري ربما

فتحت أمامك مغلق الأبواب

ماذا أقول وفي فمي من حسرتي

لهب. وحولي فرقة استجواب

أأقول إن القلب يعشق أمتي

عشقاً أبث به صريح عتابي؟

فعلى محبتها كتبت قصائدي

وعلى محبتها لبست ثيابي

وعلى محبتها نثرت كنانتي

ورسمت لوحة حسرتي وعذابي

أين هي اللوحة؟ وعلى أين العتب؟! إنه يسأل عن جرح حلبجة.. عن مغامرات صدام حسين.. وعن العتب للقاعدين الصامتين:

ماذا جرى حتى غدوت ذليلة

مكسورة النظرات والأهداب

عيناكِ خارطتا ذهول قاتل

ويداك رعشة خائفة هياب

في كل مكان من عالمنا العربي والإسلامي حلبجة جديدة.. أوطان تمزّق.. ودماء تهرق.. ودموع تشرق. وشعوب تفرّق.. وما برح الصمت قائماً.. شاعرنا أطرق إلى حديث الجرح.. ونقل إلينا ماذا قال: وماذا دار من حوار بينه وبين أمه:

أمي تسائلني. تبكي من الغضب

ما بال أمتنا مقطوعة السبب؟

ما بال أمتنا فلّت ضفائرها

وعرضت وجهها القمحي للهب؟!

ويسائلها بمرارة.. وحرارة واستنكار لماذا ألقت عباءتها وتحوّلت إلى لعبة. وبلا هدف. بل معلقة على مشانق أهل الغدر والكذب.. لماذا مزّقت أسباب وحدتها دون مراعاة لدين ولا نسب.. انتهى دوره.. وجاء دور أمه في التساؤل:

أمي تسائلني، والحزن يلجمني:

بُني مالك لم تنطق.. ولم تجب؟

ألست أنت الذي تشدو بأمتنا

وتدَّعي أنها مشدودة الطنَب؟!

وتدَّعي انها تسمو بهمتها

وتدَّعي أنها مرفوعة الرتب؟

بنيَّ.. قل لماذا الصمت في زمن

أضحى يعيش على التهريج والصخب؟

ويأتي دور ابنها وبصوت متهدج يغالبه البكاء:

أماه.. لا تسألي أني لجأت إلى

صمتي لكثرة ما عانيتُ من تعبي

إني حملت هموماً لا يصورها

شعر. وتعجز عنها أبلغ الخطب

وينتهي الحوار بهذا البيت البائس. اليائس

تحدث الجرح يا أماه فابتسمي

إليه. واعتصمي بالك. واحتسبي

حتى الجرح انتهى به المطاف إلى صمت ثقيل ثقيل بعد أن نزف دمه.. لا حول ولا قوة إلا بالله. لمن يشتكي قلب شاعرنا؟ سؤال طرحه عليه.. ماذا أجاب القلب؟!

لمن تشتكي يا قلب. والجرح غائر

وحولك أصناف الهموم تحاصر؟

لمن تشتكي يا قلب. نبضك لم يزل

يحدثني أن الأسى فيك هادر

ما دام قلبك حدثك بنبضه.. فلمَ السؤال؟ لقد أخبرك بجراحه الكثيرة.. ودولا في بحر حزنك تدور.. شاعرنا لم يكتف بهذا.. طالبه بالمزيد. والمزيد:

لمن تشتكي يا قلب. والليل واقف

على الباب. والفجر المنير مسافر؟

إلى الله يا قلبي.. فربك عالم

بأسرار ما تشكو. فربك قادر

ولمَّا لم يجب أكمل شاعرنا الدرس نيابة عن أمه..

أرى بعض قومي نائمين وحولهم

كهوف. وغابات. وأسد كواسر

أرى بعض قومي عابثين وحولهم

تدار كؤوس الغدر. تلقي الأوامر

عند هذا تستبين ملامح الشكوى.. وتظهر أسباب العلة. لا حاجة إلى المزيد..

العشماوي ما زال جرحه النازف يصرخ في وجهه وجعاً وفجيعة:

لله الفرد مما تشتكي ولنا الجمع

فلا الوتر يكفينا ولا يجزئ الشفع

لك الحزن يا قلبي، لك الحسرة التي

لها من قضايا أمتي الزاد والنبع

لنا في زمان الصمت ألف قصيدة

لها الغصن من أحزاننا ولنا الجذع

لماذا كل هذا؟ لأن قوافل حزنه تحاصره من كل جانب.. ومراكب بغي تستهدفه.. وجدل جاهلي يستزيد..

أرى قبضة الأحداث تلطم أمتي

بعنف، ولكن كيف ينفعل الشمع؟

الشمع يا عزيزي ينفعل بالنار.. فلا أقل من جذوة نار تحرك صمت الجامدين.. تجدد لديهم دفء الحياة.

كثيرة هي القصائد المتماثل في خطابها المتوجسة من أخطار خطبها (يا بني قومي).. (رسالة التماس إلى الأمة الإسلامية) (لا تسألوا عن أمتي) الفكرة هي الفكرة. والمحتوى نفس المحتوى.. أتجاوزها وأحط في جزيرتنا العربية ورسالته:

بين شمس الضحى. وشمس الغروب

مثل ما بين بسمتي وشحوبي

بين شرقي وبين غربي وئام

شمالي يشدو بلحن جنوبي

والبعيد الغريب حين ينادي

بنداء الإيمان غير غريب

غرق الليل في محيطات نوري

ونما الحب في صحاري القلوب

فإذا بي أرى وئاماً. وحباً

بعد دهر من الصراع الرهيب

وإذا بي أرى وضيع رجالي

يرتدي باليقين ثوب الأديب

(متى يا فجر؟) مقطوعة جديدة لشاعرنا وقد طال به السهر. والانتظار إلى درجة القلق:

متى يا فجر تؤذن بانبثاق

وتحملنا على متن الوفاق؟

وتطوي صفحة الظلماء عنا

وتجمع شملنا بعد افتراق

تمادى الليل فينا واحتوانا

ظلام سدّ أبواب التلاقي

أنادي. والجراح مسومات

وهمي حول قلبي كالنطاق

أرى في الأفق عوداً من ثقاب

وأحسبه نذيراً باحتراق

والمح في سماء الخوف بدرا

يغطي وجهه ثوب المحاق

أقول لمن بغى بغياً كبيراً

وأحدث بيننا أمر الشقاق

أتنسى أن في الأقصى عدواً

يعد جيوشه للانطلاق؟

وتشعل بيننا نيران حرب

وليس لنا من النيران باقي

مؤشرات النذر تلوح جلية سوداء على سماء لبنان.. وقبلها العراق. وأفغانستان. والصومال. والسودان. وباكستان حتى اليمن الذي كان سعيداً في يوم من الأيام بات في مرمى الفتنة والنزاع.. الفجر الذي تنتظر غشاها دخان الفجر والطغيان.. وللأسف لا نملك إلا أن نردد معك:

أقول لكم وفي كفي يراع

حزين.. حبره ومرّ المذاق

إذا لم نجعل الإيمان نهجاً

فسوف تضيق بالدمع المآقي

عندما يركض الزمن يركض شاعرنا معه شعراً:

هجر الفارس الفتى صيوانه

وعلى الذل راح يلوي عنانه

لم يدر في ضميره أن وهماً

قاتلاً قد أصابه وأهانه

نفحته الأوهام حتى تمادى

في مآسيه ناشراً طغيانه

أين الزمن الراكض وقد انتهينا من المدخل؟

ورأيت الزمان يركض نحوي

في اشتياق يبثني أشجانه

وقرأت الوجوه. بل ذبت فيها

ربما يجمد الفتى ذوبانه!

يا كتاب الزمان كم صفحات

فيك صارت على المدى ملآنة

وجه سلاّمة يفيض غراما

ويد القس بالعفاف مصانه

آه من لهفتي عليك. ولكن

دونما اشتهي جدار الأمانه

القصيدة عصماء. وطويلة اخترت منها هذه الابيات لعذوبتها:

ربَّ حرف على لسان كريم

كان أقوى من خطبة رنانة

رب مستورة بثوب تقي

صيرتها أوهامها عريانة

آه من أمة يباع تقي

في حماها. وتشترى فنانة

وللعالم نصيب من رسائله:

أيها العالم مهلا. ربما

كسر الباب ذراع الفاتح

قدِّم النصح ولا تمدح فقد

بيَّن الإسلام قدر المادح

اخلص النية لله. ولا

تلبس الفاسق ثوب الصالح

دعوة صالحة.. ومستجابة إن شاء الله.. كيف يرى العشماوي وجه بلاده؟!

رائحات. أم أنكن غوادي

قلن لي بعض ما يريح فؤادي

ما قطعتن في الأسى غير شبر

فلماذا تلبس ثوب الحداد؟

ولماذا تغزلن لليأس ثوبا؟

ولماذا تهجرن درب الرشاد؟

يشير إلى المرأة.. الوجه الحسن لبلاده.. ومن الوجه إلى الكيان:

أيها الفجر يا جواد أصيلا

يعبر الكون لا ككل جواد

التفت يمنة والبث قليلا

كي ترى في مداك وجه بلادي

وطني في حماك مأوى غريب

وحمى خائف. ومنبع صادي

غير أني أهديك نصح محب

لم تذق مقلتاه طعم الرقاد

غن لحن الإباء وانشر يميناً

وشمالاً عطر الهدى والرشاد

ما عشقنا فيك التراب ولكن

ما حواه التراب من أمجاد

هكذا يرى عشق الوطن على قدر ما يمثّله من قيمة. وقامة وقمة.. التراب تراث وتاريخ وإنسان.. فتحت بوابة الشمس.. لا أدري من افتتحها.. ما أدريه أن الشمس دون أبواب.. إنها جرم سماوي متوهج يملأ حياتنا بالدفء وضوء النهار.. ما علينا أرادها شاعرنا ببوابة مفتوحة:

فتحت بوابة الشمس. ونام الحارسان

وتجلت لعيون الناس أسرار المكان

يبدو أن شاعرنا كان حاضراً حفل الافتتاح:

وسمعنا الف صوت ترسم الدهشة في سمع الزمان

أيها الساكن وادي الشيصبان

هل رأيت الأنس. كم يخشون من صرخة جان؟

هل رأيت النور مشنوقا؟

وهل أبصرت موت الشمعدان؟

أنا لا أملك إلا نظرة الحر إلى الماضي الذي كان وكان

وإلى الآتي الذي يرفع في وجه المآسي السود رايات اتزان.. لا تسلني..

لن أسألك بعد هذا الذي كان.. فأنا أخشى كثيراً أن أرى وجهاً لجان.. اعذرني سأكتفي منك بما أبصرته دون تدخل ولا اقتراب خشية أن احترق ولمجرد التذكير..

كثيرة هي المشاهد التي شهدها شاعرنا العشماوي وقرأها بشعره.. أبصر نافذة الذكرى. وشمساً تشرئب الأرض شوقاً إليها. ونهراً من النور يغني فتطرب له الشطآن. ورأى القصواء تعبر رمال البيد في سباق أقوى مهرجان يُقام للإبل! رأى سعداً وأبا محجن. والسيف اليماني. وأطراف السنان.. رأى اليرموك نشوانة على صوت النهروان. كل هذا شاهده. وكان شاهداً عليه تابعه في خوف.. وكأنما كان يرقبني وقد حسبني غازياً. أو فاتحاً لبوابة شمسه.. وعلى فمه شطره:

أيها الداخل من بوابة الخوف.. إلى أين؟ ومن أين؟ أيها القادم لا وجه، ولا عين، ولا امتدت يداك. انتهت المغامرة الشمسية. وندلف مع شاعرنا إلى بوابة محطتنا الأخيرة معه وقد استرعانا نقش على حائط حرب يغطيه الدخان:

من أين يبتسم الفؤاد ويفرح

وظلام ليلك جاثم لا يبرح؟

والعالم العربي يفتح صدره

للمبطلين.. وبالهوى يترنح

وبلاد أمتنا العزيزة أصبحت

في عصرنا بسوادها تتوشح

من أين أسمعكم غناء قصائدي

والشعر في بحر المصائب يسبح؟

من أين والنيران تُنشد شعرها

لهباً.. وزند شموخنا لا يُقدح؟

تساؤلات. وتساؤلات جاءت البداية بها وكانت النهاية بها أيضاً.. لأن المصاب جلل بقدر همه وطرحه للأسئلة كيف نرقى كأمة مسلمة وأعراضنا تُباح؟ وأطفالنا يذبحون؟ والطغاة يُمجدون.. والذئاب البشرية تفترس. وتختلس في أمان.. وأيضاً:

من أين والسيف الصقيل موجَّه

نحوي. وعرق أخي ببغضي ينضح؟

قلبان. قلب في زماني طافح

صدقاً. وقلب بالخيانة يطفح

هذا هو التاريخ يلقي درسه

لا يشتكي تعباً. ولا يتنحنح

أخطاؤنا كثرت فليت قلوبنا

تخشى. ويا ليت العقول تصحح

ويلتفت إلى التاريخ في لحظة وداع.. وتذكير.. يسأله.. ألن تعود القادسية.. ونهاوند.. وحطين.. وعين جالوت..؟!

الماضي لا يعود.. يا شاعرنا لأن عباءة أمتك سرقت كما قلتَ ومع هذا يبقى الأمل حياً. رحم الحياة لم يعقم.. ألست القائل؟

هذي جزيرتنا لها بوابة

خضراء تُغلق بالإباء وتفتح

في أرضها البيت الحرام وكعبة

من نبعها كل الخلائق تمنح

نشأ الجهاد على يديها يافعاً

صلباً. يرد المبطلين ويكبح

انتهت الرحلة.. شاعرنا عبد الرحمن العشماوي طوَّف بنا عبر التاريخ وعبر الفضاء. وعبر جادة الآلام.. وصولاً إلى بوابة الشمس نهاية بحائط الحرب.. له مني الحب.. وحمى الله بلادنا الغالية من كل سوء.

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة