Culture Magazine Thursday  03/05/2012 G Issue 372
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الآخر 1433   العدد  372
 
تحولات امرأة نهرية
القنطرة الذهبية -3- ملة التجريب عند مشري
ليلى إبراهيم الأحيدب

 

(التجريب) فن يخطو نحوه المبدع عندما يرى أن أفق نصه يتعدى الأطر السائدة، وأنه بحاجة لفضاء حر لا يفرض عليه قالبا، كتابة نص مفتوح تعني أن أتخلى عن الذاكرة الأولى التي تصور النص على أنه شكل جمالي ثلاثي الأركان، بداية ثم عقدة ثم حل أو لحظة تنوير، كنت أقرأ نصوص جار الله الحميد ولا أجد هذه التراتبية للقصة القصيرة موجودة لديه، ينفلت النص من كل هذه الأركان ومع ذلك كانت اللحظة القصصية مضيئة بما يكفي كيف أعيد القراءة وأنا ألمس ضوءا غير محسوس.

كنا نكتب نصوصا ولا نضع فوقها مسمى قصة كنت أراها نصا مفتوحا لا يخضع للتراتبية المألوفة للقصة، وأظن أن كثيرا من النصوص التي كتبها مجايلي من الجنسين كانت تكتب هذه النصوص معتقدة أن انقلابها على الثلاثي المتجهم للقصة القصيرة (بداية/ عقدة/ حل) كان كافيا كي يطلق على ما يكتبونه نصا مفتوحا! وأن يكون من الكتاب الذين يجربون.

لكن هل كان هذا الانحياز لانفلات اللحظة القصصية يضمن له النجاح ك نص ؟!

أشك في ذلك، فكثير من التجريب غير المبدع أخرج نصوصا فاشلة تقرؤها فلا تصل بك لشيء! كنت أقرأ نصوصا ملغزة ومقطوعة البناء وهزيلة، فُهم التجريب على أنه عبث و فُهم العبث على أنه بتر لتسلسل المعنى! أن تكتب نصا مستسلما لحالة من اللاوعي ولا يفترض أن تكون معنيا بالقارئ الذي يقرؤك بوعيه.

تسيرك حالة اللاوعي ثم تنقشع عنك والناتج ينبغي أن يكون نصا مفتوحا!

جار الله الحميد وعبد العزيز مشري قدما نموذجا ملهما للتجريب في الكتابة، مشري كتب مجموعته الأولى (موت على الماء) سابحا نحو نهر التجريب ثائرا على وعيه ووعي القارئ، وجار الله هدم البناء الرزين للقصة وقدم القصة / الحالة.

وكنت قد كتبت مقالا في بداياتي أنتقد فيه عبثية ما كتب مشري، لكن هذا الفنان الملهم كان من العمق بحيث استقرأ تجربته وقدم نموذجا مغايرا لها في المجموعة التي تلتها، مشري كان فنانا يستقرئ تجربته ويهدمها ويقدم غيرها، لم يكتفي بالموج الأول للكتابة، بل كان يبحث في الكتابة عن الحقيقة التي هي ضوء المبدع حين ينوي الدخول في نفق التجريب، وأظنه وجدها عندما قرر أن يقترب من القارئ العادي.

يقول مشري (كتبت (موت على الماء) مابين 74-76م وفي تلك المرحلة كنت مشحونا بالتمرد على التقليد تمردا تعصبيا إلى حدود أنني حملت إزميل فدياس وشرعت في نحت لغة شعرية مضغوطة بالتكثيف والرمز والإيحاء وربما الصور السريالية الأعمق دالية..... كانت الاندفاعة أكبر من حجم الاستيعاب، أذكر أنني كنت أكتب قصصا لا يفهمها إلا أنا وفي أحايين كثيرة عندما أعود لقراءتها بعد فترة من كتابتها يصعب علي فهمها....)

تجربة مشري في موت على الماء لم يتوقف عندها أحد من النقاد ليحلل أو يقدم قراءة واعية لتحولاته في الكتابة، كان النقاد كما يقول المشري إما مبجلين للتجربة ولم يتماسوا معها إلا من خلال الاندهاش باللغة والصياغات الشعرية أو الحديث عن الرسومات في المجموعة.

يقول مشري عن النص المفتوح (ليس هناك إبداع خارج حدود الوعي وليس هناك هوس كتابي لا إطار له إلا إذا افترضنا أن عجز الكاتب يقف دون معرفته بخصائص الجنس الأدبي، إتكالية الكتابة وهوس العبث حجر على التجريب).

في ظني أن ممارسة التجريب في الكتابة هبة مثلها مثل القدرة على إمساك ناي لعزف مقطوعة ما، امتلاك الناي والنفس ليسا كافيين لكي تخرج لحنا جميلا.

عزف الناي يحتاج لروح تتثنى وتحلق، وتعرف متى يجب أن تقف وتنهي المعزوفة!

كل له نايه وكل يعتقد أن يمتلك تلك الروح، لذلك كان كثير من نشاز السرد ولد

آنذاك ولا يزال يعزف بنفس الاعتقاد.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة