Culture Magazine Thursday  03/05/2012 G Issue 372
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الآخر 1433   العدد  372
 
مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية
المغامرة بالأمل الأخير!!
خالد بن أحمد الرفاعي *

 

شهدنا خلال سنوات مضت إنشاء مراكز، ومعاهد، وجمعيات، تُعْنى باللغة العربية، وتتغيا خدمتها في الداخل والخارج، وتابعنا على امتداد هذه السنوات الكثيرَ من المحاضرات، والندوات، والملتقيات، والمؤتمرات، التي تستهدف اللغةَ العربية، أو تسلِّط الضوءَ على سياقٍ من سياقاتها، وعلى هامش هذه المشاريع ومخرجاتها طُبعت عشراتُ المجلات، وأصدرت عشراتُ الكتب، وقرأنا، واحتفلنا، لكننا - بعد أمة - انتبهنا، فإذا نحن في درجة الصفر، أو تحتها، نتحرك بحماس شديد، وإخلاص لا نظير له، لكن داخل مربع صغير صغير، تكاد تتعانق أضلاعه وأوجاعه.

قطعنا مسافات من العمر، وشنقنا كلمات من وراء كلمات، ولم نعثر بعدُ على دواء نداوي به لغتنا المريضة، ولم نتوصل إلى ما به ننقذها من حالات التردي، والجمود، على مستويات البحث، والتعليم، ومواكبة التوسُّع التقني...؛ فصارت أقربَ الأمثلة لتقارير جريئة، تتحدث عن اللغات المرشحة للانقراض - وفق معايير الألفية الثالثة - !!

مشاريع كثيرة تحيط بنا، تشوبها شوائب التفكّك والارتجالية، تفتقر إلى خيط عريض ينتظمها، وجهة مشرفة تقوّمها، وتخلع عليها رؤية متسقة مع روح هذا الزمن؛ لذلك ساد شعور لدى الجميع بأن هذه المشاريع ليست إلا رابطة، يتلحّف بعضويّتها محبو اللغة العربية، وحالهم حال المتنبي حين قال (أنا في أمة تداركها اللهُ/ غريبٌ كصالح في ثمود) !!

في هذا الجوّ الملبّد بالخمول والانكسار طلع علينا خبر إنشاء مركز متخصص لخدمة اللغة العربية، فتلقيناه في اللحظة الأولى كما يتلقى اليائسُ بقايا الأمل، وفي رصيدنا من تجارب المشاريع السابقة ما شجّعنا على التنافس في مضمار اليأس، والتسابق إلى التقليل من هذا المركز ومن تطلعاته.

غير أن هناك ثلاثة عوامل تكشّفت لنا في اللحظات التالية، جعلتنا أكثرَ قرباً من هذا المركز، وأكثرَ وعياً به، أولها: ارتباط اسمه باسم الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتولي مجلس الوزراء وليس غيره، مسؤولية إقرار نظامه وتنظيمه.

ثانيها: أنه مركز دولي وليس مركزاً محلياً، وهذا - بالإضافة إلى العامل السابق - يعطي المركز أهمية كبيرة، تجعله - إلى حد ما - مستثنى من عديد المراكز الأخرى: الوليدة، أو تلك التي لم نحصد من عمرها المديد إلا الوعود والأمنيات العِذاب.

ثالثها: أن الجهة المشرفة على المركز حرصت منذ البدء على أن تسند أعماله إلى متخصصين، عُرفوا في الساحة الثقافية بالاهتمام باللغة العربية من جهة، وبتميزهم في إدارة النشاط الثقافي من جهة أخرى، أشير هنا إلى أسماء مهمّة على مستوى مجلس الأمناء، وإلى د.عبدالله الوشمي الذي يتولى الأمانة العامّة للمركز بعد سلسلة طويلة من النجاحات الكبيرة، التي حققها في النادي الأدبي بالرياض.

هذه العوامل الثلاثة دفعت بعض المتخصصين إلى المغامرة بأملهم في زمن اليأس، والتعبير - باطمئنان - عن تفاؤلهم بمستقبل مشرق لهم، وللمركز الجديد، وللغة العربية.

إنّ مما يُسجّل لهذا المركز تحرّفه - وهو بعد في البدايات - إلى عقد حلقة نقاشية، يشارك فيها أعضاء مجلس الأمناء، وعدد من المتخصصين في اللغة العربية؛ ليسهموا مع مسؤولية في صياغة خطة إستراتيجية طويلة المدى، تحقّق ما يتطلع إليه الجميع من هذا المركز، وهذا التوجه من الأهمية بمكان، فهو - أولاً - إشعار مهمّ للمعنيين بهذا الملف بأنهم جزء من هذا المركز، وهو - ثانياً - تعبير عن رغبة مسؤولي المركز في إنقاذ المركز من الفردية أو الافرادية التي أضرّت بالمشاريع المشابهة إلى حالة من العمل الجماعي، تجعل الأبواب مفتوحة على طول الخطّ لمن يمتلك رؤية جديدة أو برنامجاً فاعلا... وأتطلع - صادقاً - إلى أن يُتْبِعَ المركزُ هذه الخطوةَ الجميلةَ خطواتٍ مماثلة، وأن يجعلها أساسا مهماً من الأسس التي ينطلق منها مع كلّ مفصل جديد أو مرحلة جديدة؛ بحيث يعقد كلّ سنة حلقة نقاشية، حول ما تمّ إنجازه من أعمال، وما يتمّ الإعداد له؛ ويجعل من جمهور المعنيين باللغة العربية شريكا له، ورقيبا عليه، ومن المهمّ في الحلقة القادمة، أن تكون مفتوحة للجميع بما يكفي، وألا تكون مقصورة على شريحة الأكاديميين دون غيرهم، ولا على منطقة الرياض دون غيرها...، وأقدِّر هنا أن تدفعَ هذه الحلقة الكثيرين إلى الانتماء إلى هذا المركز، ومتابعة ما يصدر عنه، وتقويمه أيضاً.

يبدو لي أنّ المشكلة الكبيرة التي سيعاني منها المركز - في المستقبل القريب - وجود مراكز وجمعيات وتجمعات علمية داخلية تنهض بمهمة خدمة اللغة العربية، ولا تحمل في رؤيتها، ولا في أهدافها، ولا في وسائلها المتاحة، ما يميّزها عن الرسالة الكبيرة لهذا المركز، أو ما يسوّغ لها الانفصال عنه بأيّ شكل من الأشكال.

في جامعة الإمام تمّ إنشاء مركز بيني لدراسات اللغة العربية وآدابها، وتحتضن الجامعة نفسها الجمعية َ العلميةَ السعوديةَ للغة العربية، وهناك معاهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في عدد من جامعات المملكة، كمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة أم القرى، ومعهد تعليم اللغة العربية في جامعة الإمام...، هذا بالإضافة إلى معاهد ومراكز تعمل في الداخل والخارج، تندرج تحت عنوان عريض هو (تعليم اللغة العربية)؛ الأمر الذي يجعلنا أمام خطط متعدّدة، تتشابه أو تتقاطع آناً، وتتضارب آونة أخرى، دون أن تحكمها إستراتيجية موحدة، تنبني على رؤية تكاملية، تجعل لكلّ جهة أهدافا ووسائل، وتحدد لها موقعا معيناً من هذه الإستراتيجية الكبيرة.

إننا نخسر بالاستقلالية التامّة لكلّ جهة من هذه الجهات الكثيرَ من المال والجهد والوقت، ننفقها بلا حساب على اجتماعات متتالية، لا نحصد من ورائها إلا كلاماً عابراً ووشوشاتٍ عِذَاب، ومحاضرةً في السنة أو محاضرتين، تُعقد - عادة - على شرف الضيف والمنظمين، وتنتهي كما بدأت بلا تأثير ولا أثر...

ونجد أنفسنا مع كلّ جهة من هذه الجهات أمام مجلات، ومطبوعات، لا يقرؤها - في الغالب - إلا من أشرف عليها وكتبها أو كتب فيها، وفي الحالات كلِّها تبدو هذه الجهاتُ جزراً معزولة عن الناس، تعيش خارج حسابات الزمن، لا تصنع برامجَ حاسوبية لتعليم اللغة العربية لأهلها أو لغير الناطقين بها، ولا تعدّ مكتبات إلكترونية، وليس لها حضور تلفازي أو إذاعي، ولا تملك صحيفة إلكترونية، ولا مقاطع تعليمية على اليوتيوب، وليس لها جوّال ولا مجموعات بريدية، وليس لها إسهام في وضع مناهج التعليم العام، ولا في صياغة منهجيات التعليم العالي، وهي - إلى ما سبق - لا تفتأ تشكو من عدم امتلاكها الصلاحيات الكافية، والمخصّصات المالية المجزية.

هنا أتساءل: ما الذي يمنع من صدور قرار يقضي بارتباط هذه الجهات بمركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، الذي يعمل تحت مظلة وزارة التعليم العالي ؟ وإن لم تكن الاعتبارات الإدارية تسمح بالارتباط الإداري، فما الذي يمنع من أن يكون الارتباطُ على مستوى الإستراتيجية، بما تنطوي عليه من تصورات، ورؤى، وأهداف، ووسائل ؟ بحيث تأخذ كلُّ جهة من هذه الجهات حجمها الطبيعي داخل الإستراتيجية الكبرى التي يسعى المركز إلى صياغتها بعد انتهاء الحلقة النقاشية.

أكاد أجزم هنا بأنّ هذا الارتباط سيمنح المركز حضوراً أقوى، وسينقل هذه الجهات المعزولة إلى دائرة كبيرة من الضوء، ودائرة أكبر من الصلاحيات، والمخصصات، والدعم الإداري، والعلمي، والإعلامي، ومن الممكن أن يُسند المركزُ إلى هذه الجهات مسؤوليةَ النهوض بالخطط القصيرة، أو البرامج الداخلية، ويتفرّغ هو بحمولته الاعتبارية إلى الخطط الطويلة، والبرامج الدولية.

إننا على ضفاف هذا المركز نغامر بآخر آمالنا، وعلى أعضاء مجلس الأمناء، والأمين العام، والكفاءات العلمية العاملة في المركز، أن يستحضروا - جميعاً - هذه الحقيقة، وأن يتجاوزا حدود الممكن إلى المستحيل، وأن يجدّوا في خلق الفرص بدلا من قتل الأوقات والأمنيات في تسوّلها...، وإلى أنْ نستبين الحقيقة، لا نملك اليومَ إلا خيارين: إما أنْ نحتفل بهذا المركز، وإما أن نحتفل به.

الرياض Alrafai16@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة