Culture Magazine Thursday  03/05/2012 G Issue 372
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الآخر 1433   العدد  372
 
معجم موازين اللغة
المؤتمر اللغوي إيجابيات جيدة
صالح بن سعد اللحيدان

 

تكرّمت الجزيرة كعادتها في أطروحات لمتابعات جيدة ما بين حين وحين، وكانت قد رصدت بسبق فعّال (مؤتمر اللغة) الذي أقيم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكنت خلال المؤتمر.. مُسافراً لمهمة لا بد منها، ولم أحظ بقريب مكين من قربٍ لهذا «المؤتمر» لأتابعه أو أكلف من طرفي من يتابعه، حتى أُصدر عن رأي وأبذل الوسع ما وسعني ذلك، لكن الجزيرة بمبادرتها وفت وفاءً جيداً فكنت أتابع ذلك من جهات عدّة منها: الورقية ومنها: الإلكترونية.

فوقفت على شيء لا بأس به، ووقفتُ على أشياء حسنة منها على الأقل (عقد المؤتمر)، وهذا بحد ذاته مؤشر عالٍ ومؤشر محمود يدل على عافية من الشعور بالمسؤولية وأريحية حارة متدفقة فيما يجب الاهتمام به من (العلوم)، وخاصة العلوم التي لا بد منها في مثل هذا الحين العصيب.

المؤتمر كان جيداً والحضور لا بأس به والموضوعات ذات ميل للسردِ والعرضِ وإحساس بالاهتمام باللغة والعقبات التي تواجهها هنا.. وهناك.. وهناك حماسٌ ظاهرٌ من بعض المشاركين، بينما يقتضي الحال سعة البال وعدم الاستطراد ومعالجة المرض دون العرض، ذلك أن العرض إنما هو: نتيجة لمرضٍ ما ونتيجة لخلل ما هو ما يجب: نظره ومعالجته بمكثٍ عقلي طويل التأمُّل وبتقعيد وتأصيل.

وبحسب تخصصي الدقيق في مثل هذا بجانب: القضاء، وسياسة الإدارة العليا، فقد كان المؤتمر ينحو نحو: العجلة ويصب في مصب استعجال النتيجة سراعاً، إلاّ.. أنّه.. وكما قلتُ آنفاً يكفي عقد هذا.. المؤتمر.. في بلدٍ أمينٍ في جامعةٍ عتيدةٍ.

من هنا وبعد عرض المحاضرات عليَّ من بعض الفضلاء والعلماء الذين تابعوا المؤتمر بجانب سبق متابعتي المتقطعة، أحببتُ إيراد ما يلي:

1- لم يُجدد المؤتمر سبقاً غير عادي تحتاجه الأمة في ميدانها العلمي التحليلي، ذلك أن من غاية كل (مؤتمر) بحجم هذا.. المؤتمر.. أن يجدد وأن يضيف، وهذا لم أجده.

2- لم يُعالجْ.. المؤتمر.. إشكاليات تداخل اللهجات وطغيان كثيرٍ من المفردات السَّارية الآن خاصة بين: المثقفين والأدباء وبين: المثقفين والنقّاد، وبين: العلماء والشباب، ذلك أن كثيراً مما طُرح من كتب في: الوعظ والإرشاد وكتب الثقافة عموماً ومنذ أمدٍ ليس ببعيد، نجد أن اللغة هناك: ضعيفة جدَّ ضعيفة وردتْ.. آثارٌ.. وأحاديثٌ.. ضعيفةٌ وبعضها: موضوع في بعض كتب: العلم المعاصر، وكتب الوعظ: هذه الآثار والأحاديث الواردة هناك كان من سبب ضعفها «ركاكة اللغة» وتردي المفردات وهذان سببان يُحكَمُ من خلالهما برد: الأثر ورد الحديث.

وها هو (ابن الجوزي) في كتابه (الموضوعات) و(ابن قيم الجوزية) في كتابه (المنار المنيف ...) يبيّنان أن.. الركاكة.. ورداء اللغة توجبُ الحكم على هذه الآثار وتلك الأحاديث بالرد وليس ثمة خلاف في هذا.

وكنت أطمعُ الطّمع كله لو أن «المؤتمر» ناقش هذه المسألة نقاشاً علمياً مادياً، وذلك لخوض كثير من الشباب وخطب الجُمع وكثير من: الأدباء والمثقفين والكتّاب بإيراد آثار لا وجه لها من سند أو متن لدلالة «الركاكة» على أن هذه الآثار.. والأحاديث ليست بشيء، ومثل هذه الملاحظة كم أحب التنبُّه لها كثيراً في أي: مؤتمر أو ندوة أو حوارٍ حول اللغة يكون لأهميتها طرد، وللحاجة الداعية إلى ذلك لئلا يكتب كل من هب ودب أو يُفتي كل أحد خاصة من الشباب المتعجل الذي لعله يجتهد يريد الخير لكنه لا يُصبْ ذلك بحكم: العاطفة، والعجلة، وفقدان آليات: دلالات اللغة ومفرداتها.

3- كانت «الأطروحات» غاية في الجودة في: ظاهرها لكنك حينما تتعمّق بذي رسخ، وتتعمق بذي مُكنةٍ عالية من فهم سديدٍ، تجد أن كثيراً منها يميل إلى: الإنشائية والخطاب المباشر دون تحسس لحقيقة أن المراد قوة: اللغة بقوة المفردات وشواهد القول بسلاسة وهدوء، وتنظير جيد لحال حاجة اللغة إلى حماية نافذة من قبل المعنيين كل فيما يخصه.

4- (اللغة العربية.. والنحو والبلاغة) كُل هذه «العلوم» تحتاج إلى وجود استعداد فطري قوي وتقبُل فيسلوجي لا شعوري لدى.. الإنسان.. الذي يريد أن يكون: لغوياً، أو نحوياً، أو بلاغياً، ذلك.. وأيم الحق.. أن الموهبة الربانية لا بد منها، ولذلك كان كبار العلماء خلال القرون: الأول، والثاني، والثالث، يحرصون جداً على خمس:

1- حسن النيّة.. وتفقُّدها لئلا تضعُف.

2- نشدان الأدب والأخلاق وطيب المكسب.

3- شدة تحرّي الحق والعدل والتجرُّد.

4- الحرص على سلامة «اللسان» وقوّته حتى أنهم كانوا يطلبون: اللغة والنحو بداءة على (علماء الحديث) ليس إلا، كما حصل لسيبويه طلب العلم على (حامد بن سلمة) روى له الجماعة إلا النجاري لأنه لم يقع على شرطه. وقال عنه: ثقة، ووثقه: ابن معين، وعلي بن المديني، وشعبة ابن الحجاج، ويحي بن سعيد القطان، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وأطنب ذكره: الذهبي وابن حجر.

فكانوا حال الصِّفر يطلبون: اللغة والوقوف عليها فهماً وإعراباً وجودة نطق لازم وكنت أحب من «المؤتمر» ضرب الأمثلة المادية الحية من تاريخ كبار العلماء خلال القرون، وهذا يؤدي جزماً بقوة الطرح ودفق الماء في اللاشعور من باب لزوم ما يلزم، فإنّ الناس.. اليوم.. «ولا ينبئك مثل خبير» بحاجة إلى آثار السابقين وكيف: جددوا.. وأصّلوا..؟

5- المؤتمر مُهم وأهم منه عقده في: المملكة حاضنة العلم وراعيته، فحبذا لو تم من توصياته بعث نتائجه إن كانت متجددة وفيها إضافات غير مسبوقة إلى «المناط» بهم الأمر في البلاد العربية ممن يهمه مثل هذا ويحرص عليه.

ولعل (الخطوة الأولى تبدأ من الميل الأول) و(ما ترك الأول للآخر شيئاً)، وفّق الله تعالى الجميع لما يحبه.. «سبحانه وتعالى» ويرضاه.

المستشار القضائي الخاص - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة