Culture Magazine Thursday  04/10/2012 G Issue 382
فضاءات
الخميس 18 ,ذو القعدة 1433   العدد  382
 
مستطيلات الدوائر
فيصل أكرم

 

لا تقل، إلاّ لنفسكَ:

أين كان الغيرُ حين تفرّقتْ أمثالنا؟

ولسوف يفجعكَ الجوابُ،

وسوف يحضركَ الغيابُ، إذا سُئلتَ وأنتَ بين الآخرين..

***

والحقائق شاسعةٌ، تدور وتستطيل بكل السكك والأرصفة إذا ما أصرّ أحدٌ على التورّط حتى نهاياتها المفضوحة سلفاً، منذ أن كان الشعراءُ عائمين على سحابات المديح والهجاء لنأتي من بعدهم نتهجّى ملامح سِيَرهم المسكوبة في كتبٍ لا تذوب إلاّ داخل كؤوسنا. كم سوف نتعلّم من نفوسنا إذا اقتربنا منها، وكم سنتعلّم حتى نبتعد؟

سيقول لك الآخرون: لا شيء أبعد من يدين تحاولان الصفح عن نهرٍ سيجري بينهما، ويلتف حولهما، ويطول حتى تقصر كلُّ يدٍ عن الأخرى.. فتصبح المصافحةُ كاللقمة التي لا يشتهيها غريقٌ؛ فكلُّ غريقٍ سيبحث بين كتفيه عن شجرةٍ يتسلّق ساقها ليخرج إلى نفسه بعمرٍ جديد..

***

قالوا لغيركَ:

لا تكن كالآخرين،

فكان مثلكَ..

يترك الأرضَ التي دارت بهِ

ويدور بالأوراق في غُرَفٍ

يضيق بها الهواءُ

وقد تجلّتْ حول عينيه الفقاعاتُ التي

ستظلّ تنقصها الدماءُ

ولم يكن متأخراً..

كانت على جفنيه أشجارٌ مصابرةٌ

تمدّ جذورها للحوض،

تعصرُ مهجةً كانتْ لقلبٍ كانَ لَهْ.

لا شيءَ أصعبُ من طريقٍ أنتَ فيهِ،

تسيرُ في قلقٍ عليهِ،

تبيعُ نجمتكَ التي اصطحبتْ يديكَ لتشتريهِ،

وأنتَ تعرفُ أنه الصعبُ الذي..

تمضي إليه حقيقةً، وتخافُ أن تتخيَّلَهْ.

قالوا لمثلكَ:

كن كما كان الذينَ..

فكان غيركَ،

كلّ من كانت يداه على يديكَ

يكون غيركَ..

لا تقل: كانت لغيريَ وقفةٌ مجنونةٌ

كانتْ مكانَ العقلِ، حين اهتزّتْ الشمسُ التي تابعتُها..

قل: ما اشتريتُ سقوطها، بإرادتي

لكنني.. قَسَماً بمن ردَّ المسافاتِ التي

بالأمس كنتُ قطعتُها..

ما اخترتها، وحدي، ولكنْ

بعدَ أنْ تعبَ الطريقُ من الطريقةِ.. بعتُها.

***

أحياناً يكون للمتأخرين على أنفسهم ما يستوجب الانتظار، وكثيراً ما سينتظرون.. ربما سيقف كلٌّ منهم على آخر حركاته مستسلماً لسكونٍ يأخذه إلى نفسه ولو قليلاً. أما الذين يباشرون أنفسهم بالحضور في كل الحالات، فهم على أقلّ تقدير يدركون جيداً أن أنفسهم لا تستحق منهم سوى الشفقة والحنو، لهذا فالبعض منهم يتنازل عن بعض حقه من نفسه للآخرين المتأخرين دائماً.. وهكذا ستبقى، تلك الدوائر، تستطيلُ دوراناً لا يقدر على الخروج منه إلاّ الذين لم يصلوا إلى بطون أمهاتهم بعدُ، أو الذين تجاوزوها إلى مستطيلٍ أخير..

- الرياض ffnff69@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة