Culture Magazine Thursday  04/10/2012 G Issue 382
ترجمات
الخميس 18 ,ذو القعدة 1433   العدد  382
 
عندما تحمي منظمات المجتمع المدني مصالح الناس 2-4
جمعية «لا يوجد غداء مجاني» تكشف أساليب التسويق الخطرة لشركات الأدوية التي تُحول الأطباءإلى إعلانات متحركة
د. حمد العيسى

 

وتشير بعض المصادر إلى أن بعض القضايا في المحاكم وجلسات الاستماع (أي التحقيق) في الكونغرس حول هذه القضية كشفت أن بعض النشاطات التي كان يظن أنه لا علاقة لها بالتسويق مثل مواصلة التعليم الطبي والبحث الطبي تم استعمالها للتسويق للأدوية ويشمل ذلك نشر أبحاث تدعم أدوية بعينها والأدهى بل الأخطر التدخل لمنع نشر أبحاث سلبية في المجلات الطبية كتبها علماء محايدون! وذلك عبر التهديد بوقف الإعلانات التجارية مما قد يسبب إفلاس بعض المجلات العلمية!

خطوة غودمان التالية هي إقناع كليات الطب بإدخال برامج في المناهج لتثقيف الطلبة عن الأخطار الأخلاقية الناتجة عن قبول هدايا شركات الأدوية. وبالتعاون مع «جمعية طلبة الطب الأمريكية»، قامت الجمعية بتنظيم حملة «كلا! لشركات الدواء»، والتي شارك فيها طلاب الطب وغيرهم في مناقشة قضايا سيطرة شركات صناعة الأدوية على المجتمع الطبي.

وقامت «جمعية طلبة الطب الأمريكية» بحث الطلبة والأطباء على قدم المساواة لكي يقولوا «كلاااا» بقوة لكل الهدايا الشخصية المقدمة من صانعي الأدوية. ولكن الكثير من الأطباء لا يبالون بذلك. فنظام «الجمعية الطبية الأمريكية» لا يعترض على أخذ الهدايا من مندوبي شركات الأدوية إذا كانت لا تزيد عن 100 دولار ولا تؤثر سلبياً على صحة المريض، ولكن يا ترى من يحدد الضرر وما هي الآلية المحايدة للتأكد من فعالية شرط سخيف وخطير كهذا؟! ولذلك، يبدو أن شركات الأدوية تجد الكثير من الأطباء الذين يقبلون هذه الهبات، نظراً لأنها تصرف سنويا كما أسلفنا 19 مليار دولار لعملية التسويق فقط.

ولكن حركة الطلاب ما تزال تكافح. ففي عام 2004، قامت كتيبة من الطلاب والطالبات بالتوجه نحو مكاتب شركة فايزر في نيويورك، وألقوا آلاف الأقلام التي عليها شعار الشركة عند بوابتها.

ويحتوي موقع الجمعية الإلكتروني على العديد من المعلومات والدراسات التي تدور حول هذه القضية. ولعل أطرف ما وجدته في هذا الموقع هو السؤال الذي يواجه غودمان دائما عندما يلقي أية محاضرة في أمريكا: «هل أنت شيوعي؟» (راجع قسم الأسئلة في موقع الجمعية). ويجيب غودمان بثقة: «كلا، أنا لست شيوعيا بل أساند النظام الرأسمالي والسوق الحرة التي لو كانت موجودة حقاً، فإن الدواء الأفضل هو الذي سيفوز وليس الدواء الذي يقدم صانعه أفضل غداء! نحن لا نتكلم هنا عن إفطار من الحبوب Breakfast Cereal مثل الكورن فليكس. نحن نتكلم عن الأدوية، وهي أحيانا تنقذ الناس من الموت، وهي تحت سيطرة الطبيب. ويواصل غودمان بعرض مقاربة مذهلة للأمر: «نحن نظن أنه لن يبالي أحد إذا قامت جدته بشرب البيبسي لأنها تحب الإعلانات. ولكن هناك الكثير من الأحفاد الذين سيبالون إذا أخذت الدواء الخطأ لأن طبيبها كان مدعواً لحفلة عشاء في الليلة السابقة!».

انتهى البحث الخاص بجمعية «لا يوجد غداء مجاني» ويليه ترجمة لمقال أكاديمي هام يتعلق بقضية تنظيم تسويق الأدوية من الناحية التشريعية في كونغرس الولايات المتحدة للدكتور إريك جي كامبل بعنوان: «الأطباء وشركات الأدوية».

الأطباء وشركات الأدوية - تدقيق في علاقات النفوذ

وهذا المقال يؤكد أهمية رسالة جمعية «لا يوجد غداء مجاني» ومبادرة مؤسسها د. غودمان وقد نشر المقال في نوفمبر 2007 في «مجلة نيو إنغلاند الطبية» العريقة التي توصف بأنها أقدم مجلة طبية في العالم تصدر بصورة مستمرة منذ تأسيسها عام 1811.

والدكتور كامبل هو طبيب ومتخصص أيضا في علم الاجتماع وهو أستاذ مشارك في معهد السياسة الصحية في مستشفى ماساتشوستس العام (ماس جنرال) وكلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن.

الأطباء وشركات الأدوية تدقيق في علاقات النفوذ

في 6 سبتمبر 2007، قدم السيناتور تشارلز غراسلي (جمهوري) والسيناتور هيرب كول (ديمقراطي)، مشروع قانون «مدفوعات الشمس المشرقة (أي الواضحة والمكشوفة) للأطباء» والذي سمي كذلك لأنه يهدف إلى «تسليط الضوء على حالة تساهم في التكاليف الباهظة للرعاية الصحية»، حسبما ذكر السيناتور تشارلز شومر (ديمقراطي) الذي شارك في تقديم المشروع. ومشروع القانون هذا يلزم مصنعي الأدوية والأجهزة الطبية التي تزيد مبيعاتها عن 100 مليون دولار سنوياً بالكشف عن كمية الأموال التي يعطونها للأطباء كهدية من أي نوع، سواء كانت على شكل عشاء مجاني، أو رحلة في إجازة، أو رسم استشارة. ويقول غراسلي: «مشروع القانون هذا يسمح بدخول ضوء الشمس بحيث يمكن للجمهور أن يعرف الحقائق».

هذه الخطوة حُفزت جزئيا من النشاط في ولايتي مينيسوتا وفيرمونت، والتي جعلت الإبلاغ عن مثل هذه العلاقات إلزامية (مينيسوتا في 1993، وفي رمونت في 2003). وسنّت ثلاث ولايات أخرى (مين، وفرجينيا الغربية، وكاليفورنيا) ومقاطعة كولومبيا الآن قوانين مماثلة، كما أن ولايات أخرى عديدة تدرس القيام بذلك. ورغم أن المعتقدات تختلف اختلافا كبيرا عن مجمل الفائدة من البيانات التي تم جمعها في إطار قوانين الولايات، إلا أن الاتجاه نحو المزيد من الشفافية يكتسب شعبية.

وفي الواقع، فإن طبيعة، ومدى، والنتائج المترتبة على علاقات الأطباء مع صناعة الدواء أصبحت واحدة من أكثر القضايا التي تناقش بشراسة في مجال الرعاية الصحية اليوم. في أبسط مستوياتها، فإن هذه العلاقة تكون موجودة كلما قبل طبيب أي شيء من شركة تكون منتجاتها أو خدماتها تتصل بممارسه الطب. ومثل هذه العلاقات توجد في كل مكان ووقت. ووفقا لدراسة أجريت مؤخرا، على الرغم من أن اختلاف تكرار وكثافة الروابط تختلف باختلاف خصائص الأطباء الشخصية والمهنية، فإنه تقريبا جميع الأطباء (94%) لديهم علاقة من نوع ما مع الصناعة. والأكثر شيوعا، يعترف الأطباء بتلقي الطعام والمشروبات في مكان العمل (83%)، أو أن يتم إعطاءهم عينات أدوية من قبل مندوب الصانع (78%). وأكثر من ثلث الأطباء (35%) يحصلون على تعويض مادي مقابل سداد التكاليف المرتبطة باجتماعات مهنيه أو التعليم الطبي المستمر، وأكثر من الربع (28%) يستلمون مبالغ مقابل استشارة، أو إلقاء محاضرة، أو تسجيل مرضى في عمليات تجارب أدوية.

ومن منظور الأنظمة العامة، يتركز النقاش على الأثر الإجمالي لهذه العلاقات على العناية بالمرضى. ورغم أن معظم الأطباء ينكرون أي تأثير على مهنتهم بسبب تلقى غداء مجاني، أو رحلة مدعومة، أو غيرها من الهدايا من شركات الأدوية، إلا أن الأبحاث تدل أن علاقة الطبيب بالصناعة تؤثر على عملية وصف الأدوية. وعلى كل حال، إذا كانت هذه العلاقات لا تؤثر على سلوك الطبيب بشكل يؤدي إلى زيادة المبيعات، فإن الشركات لن تنفق تقريبا 20 مليار دولار سنويا لتأسيس ومواصلة هذه العلاقات.

ولكن علاقات الأطباء مع الصناعة يمكن أن يكون لها أيضا آثار سلبية خطيرة. على سبيل المثال، الأطباء الذين لديهم علاقات قوية مع الصناعة قد يكونون أكثر ميلا من زملائهم لوصف أدوية تحمل أسماء علامات تجارية كبرى على الرغم من توافر أدوية أرخص لشركات صغيرة. وتقديم عينات مجانية يمكن أن يعزز هذا السلوك وربما يحفز من استخدام أدوية لغير غرضها المحدد تماما مما يمكن أن يشكل مخاطر بالنسبة لبعض المرضى. العلاقات مع الصناعة قد تحفز اعتماد علاجات جديدة قبل الأوان مما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة للمرضى. حوافز الصناعة قد تقلل من التزام الطبيب بالأدلة العلمية المحايدة لصالح معلومات الصناعة عن أدويتها وهو ما لا يوصى به في المبادئ التوجيهية المستقلة. وأخيرا، فان المكافآت المالية من العلاقات مع الصناعة قد تعزز «ثقافة الاستحقاق»Culture of Entitlement بين الأطباء (أي اعتبار الطبيب حوافز شركات الصناعة حقاً مكتسباً)، والتي من شأنها أن تحد من قدرتهم على الاعتراف بصدق وإدارة الآثار السلبية المحتملة لهذه العلاقات. وعموماً، فإن الأطباء ينفون بشدة أن علاقاتهم مع الصناعة لها أي من هذه الآثار السلبية، وفي نفس اليوم الذي عرض فيه مشروع القانون الجديد على مجلس الشيوخ، أعلنت كل من كلية الطب بجامعه بوسطن ومركز بوسطن الطبي عن نظام «تضارب مصالح» جديد يحظر على أطبائهم قبول هدايا من مصنعي الأدوية والأجهزة الطبية، ويمنع وجبات الطعام الممولة من الصناعة في الحرم الجامعي، ويتطلب من الأطباء الذين يعملون في لجان اختيار الأدوية أن لا يكون لديهم روابط مالية مع الشركات التي ستستفيد من قرارات اللجان. تغييرات مماثلة في القوانين تهدف إلى الحد من علاقة الطبيب مع الصناعة نفذت في مؤسسات عديدة. هذه المنظمات اتخذت مجموعة من الخطوات لإبعاد مندوبي الشركات عن مستشفياتهم، والحد من استعمال عينات الأدوية المجانية من الأطباء، والقضاء على وجبات الغداء التي تمولها الصناعة، ومعاقبة مندوبي الشركات الذين ينتهكون القواعد (عن طريق التسكع في دهاليز المستشفيات، على سبيل المثال، أو توزيع الغداء)، وتوعية الأطباء حول التطورات الدوائية من خلال الأطباء الأكاديميين بدلا من مندوبي تسويق القطاع الصناعي.

وحتى عندما تبذل المؤسسات والولايات سيطرة زائدة على هذه العلاقات، فإن هذا التغيير يبدو من غير المرجح أن ينفذ على المستوى الفيدرالي نظراً لقوة لوبي صناعة الدواء في واشنطن. ولكن في ضوء مشروع قانون «الشمس المشرقة»، فإنه من الجلي أن التشريع على المستوى الفيدرالي ليس مستحيلاً. مهنة الطب قد ترى هذا التشريع باعتباره حافزا لمزيد من المراقبة لنفسها بيقظة أكثر، والى العمل من خلال المنظمات المهنية والمتخصصة لتسهيل ومراقبة التزام الطبيب بالأنظمة الحالية بشأن العلاقات مع الصناعة، وإذا لزم الأمر، إلى وضع أنظمة جديدة أكثر صرامة.

الأطباء العاملين بمفردهم يمكنهم اتخاذ بعض الخطوات لتحقيق أقصى قدر من المنافع من أجل المرضى وتقليل المخاطر المرتبطة بعلاقاتهم الخاصة مع الصناعة. يمكنهم أن يبدأوا عن طريق الفهم بأن هذه العلاقات تستهدف التأثير على طريقتهم في وصف الأدوية، وكذلك التأمل بعناية عن الآثار المحتملة لتلك الروابط الخاصة على مرضاهم. يمكنهم أن يطلعوا على ويتبعوا المبادئ التوجيهية التي وضعتها المؤسسات التي يمارسون الطب فيها والجمعيات المهنية التي ينتمون إليها. ويمكن أن يضعوا في اعتبارهم أن تكاليف ولائم العشاء، والرحلات، وغيرها من الحوافز التي تقدمها الصناعة يتم تحويلها إلى عبء على مرضاهم في شكل أسعار مرتفعة للأدوية.

- المغرب Hamad.aleisa@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة