Culture Magazine Thursday  05/01/2012 G Issue 359
فضاءات
الخميس 11 ,صفر 1433   العدد  359
 
صدى الإبداع
الخطاب النقدي الحديث (6)
د.سلطان بن سعد القحطاني

 

تحدثنا في الحلقة الماضية عن العناوين المكررة ومعها المضامين بنفس الطريقة، حيث أحصاها الدكتور عبد الله الحيدري، فوجدها 127مائة وسبع وعشرين رسالة، من مجموع الرسائل الأدبية، وعددها 338 ثلاثمائة وثمان وثلاثون رسالة - كما ذكرنا سابقاً، طبع منها، 91إحدى وتسعون رسالة (30) وهناك شخصيات درست وهي لا تستحق الدراسة من الناحية المنهجية، وأعني أن سن المدروس لم يتجاوز سن النضج، فيما يتعلق بمنهجه العلمي الأدبي الثقافي لصغر سنه، وكان منهج الدراسات العليا فيما مضى لا يبحث في شخصية على قيد الحياة، فهناك رسائل سجلت في شخصيات لم تتجاوز أعمارهم الخمسين، بجانب ضعف تأثيرهم في الحياة الأدبية، أي بمعنى أن تجاربهم لم تكتمل ونضجهم الفكري لم يؤثر، كما أن هناك رسائل كتبت في شعراء نظامين تعتبر أول قصيدة من شعره هي القصيدة الأخيرة، أما في مجال الرواية بالأمر أدهى وأمر، فبعض الرسائل نقل من الأول إلى الأخير من المراجع، إلا نسبة قليلة نحمد الله على أنها طبعت في كتب، كما أن هناك قضية ليست قانونية، وهي تغيير العناوين بعد صدور الرسالة في كتاب، فبدل الكلمة التقليدية (شعره) غير الباحث إلى كلمة (أدبه، أو أعماله) وكان الأجدر أن يغير كلمة (حياته) لأنها الأهم، فكل جيل تتشابه ظروف حياتهم أكثر مما تتشابه أفكارهم واتجاهاتهم الشعرية، وهناك خلط كبير في مصطلح الرواية التي ركبها الباحثون بمباركة من أساتذتهم وأقسام الدراسات العليا، فهناك رسالة في رواية واحدة، مع أن تلك الرواية، كما زعم نقاد الصحافة، ليست من الرواية في شيء، فهي فلسفة اجتماعية فلو أنها درست في قسم الاجتماع مع ما يشابهها من النصوص السردية لكان أجدى، وأصبح اللاحق ينقل عن السابق بدون وعي، وكأن الأمر يقوم على الكم دون الكيف، والدارس يحشر كل ما له علاقة بالنص أو الشخصية لتربو الرسالة بعدد من مئات الصفحات المكررة والمتشابهة وما له علاقة بالأدب وما ليس له علاقة، والمشرف في منأى عن الطالب، فهذه كارثة، وخاصة في مرحلة الماجستير، نظراً لقلة تجارب الطالب، إضافة إلى تأسيسه الضعيف، ونخرج من ذلك بأن هذه الدراسات لم تف بغرض الخطاب النقدي إلا القليل منها، من طلاب كانوا متمكنين من الثقافة البحثية ويمتلكون حساً نقديا مبكراً مما اكتسبوه من قراءاتهم ومناقشاتهم ومجالسة النقاد والعلماء، وهؤلاء قلة، ليس في العالم العربي، بل في العالم كله، ومهما يكن من أمر، فإن هذه الجهود مهما كانت لا تصادر في حق الأدب، وإن كانت دون المستوى المطلوب، مع أنها لا تعتبر دراسات نقدية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهذا الرأي الذي أطرحه اليوم ليس رأيي أنا فقط، بل رأي كل مهتم بالشأن النقدي والثقافي والأدبي، فهناك من يرى ضعف هذه البحوث في جامعاتنا وعدم جدواها لمن سيأتي بعدنا من الأجيال (31) ولهذا السبب وغيره، يجب على عمادات البحث العلمي إعادة النظر في الموضوعات التي تسجل وتفحصها قبل الموافقة عليها، وتختار للإشراف عليها أساتذة متخصصين في الموضوع نفسه. وقبل أن ننتقل إلى الفرع الثاني من الدراسات النقدية الممنهجة الحرة، نجيب عن السؤال الذي يقول: لماذا تبقى الرسائل الجامعية حبيسة الأدراج بدون طباعة، ونختصر الجواب، بأن ليس كل رسالة صالحة للطباعة مفيدة للقارئ، لعدة أسباب ذكرناها في الحلقات الماضية.

أما الجانب الثاني من الدراسات النقدية، النقد المنهجي الحر، وهو صالح للنشر في مجمله: وهو النقد الذي لا يتقيد بالبنود السابقة، مع أنه يشترك معها في الإطار العام للبحث العلمي، من مراجع، ومصادر، وتوثيق... الخ، لكنه يختلف عنها في حرية وجهة النظر العلمية، من جهة، ويتحرر من الانطباعية، من جهة أخرى، وقد يشترك فيه أكثر من باحث، ولمثل هذا المنهج سلبيات كثيرة، منها اختلاف الأسلوب الذي يكتب به البحث، وفي أحيان كثير يقوم به أحد الباحثين، مما يجعل الآخر محسوباً على الباحثين، وهو ليس كذلك، وهذا موجود عند فئة قليلة من الباحثين، وقبل أن ندخل في تفاصيل الموضوع، نود القول بأن النقد الأدبي لا يود إلا بعد وجود المادة الإبداعية، ليصبح صدى لها في العالم الأدبي، وهذا النوع من البحث النقدي (العلمي المنهجي بنوعيه، والنقد الانطباعي) في المملكة العربية السعودية- على وجه الخصوص- ازدهر منذ ظهور الإبداع، حيث وجد الباحث مادة إبداعية اشتغل عليها وقدم من خلالها أعمالاً نقدية تتفاوت في مستواها العلمي، كما تفاوتت الإبداعات في صياغاتها الفنية من قبل، تفاوتت قدرات الباحثين وخلفياتهم الفنية والعلمية، ولعل أول كتاب ظهر في المملكة في هذا السياق وعلى هذا المنهج، كتاب عبد الرحمن العبيد (الأدب في الخليج) وكان كتاباً توثيقيا عن عدد من الكتاب والشعراء والقاصين في منطقة الخليج العربي، اجتهد الباحث في التعريف بهم وبإنتاجهم الأدبي(32) وقد تزامن مع ظهور هذا الكتاب، كتاب آخر بعنوان (التيارات الأدبية في جزيرة العرب)، للأستاذ عبد الله عبد الجبار، وكان منهجه فيه تاريخياً استقرائيا، عالج فيه الفنون الأدبية على ما كان سائدا في ذلك الزمن، مثل: الرومانسية والواقعية والانطباعية وغيرها، ومما يحمد لهذا الكتاب وصاحبه آراء الناقد الجريئة الحرة ومعالجة القضايا النقدية بالمنهج العلمي دون حشو أو تبجيل، وكان الباحث يلقي مادة هذا الكتاب على طلبة الدراسات الأدبية في المعهد العالي التابع لجامعة الدول العربية في القاهرة، وقد صدر منه الجزء الأول الخاص بالشعر(33) بينما ظهرت أعمال الباحث كاملة فيما بعد قبل وفاته بسنتين(34)، وفي هذه الحقبة من منتصف القرن العشرين التي صدر فيها كتاب العبيد وعبد الجبار، أصدر عبد الله بن إدريس كتابه (شعراء نجد المعاصرون)، وهو كتاب جمع فيه عدداً من الشعراء النجديين، على منهج الجمع والتبويب والتصنيف، وسار على منهج التصنيف، من الرومانسية إلى الواقعية وغيرها من الأيديولوجيات الثقافية السائدة في ذلك الزمان(35) وكأن هذه المؤلفات التي تزامن ظهورها في فترة واحدة دون تخطيط بين مؤلفيها تشير إلى ظهور نقد أدبي قادم من الجيل الثاني، بجانب الأطروحات النقدية الاجتماعية والفكرية التي كان يطرحها عبد العزيز ساب وعبد الكريم الجهيمان وعبد الله الشباط، ويوسف الشيخ يعقوب، في الصحافة، وقد تميز قبل ذلك مؤلف عبد الكريم الجهيمان الفكري (الأساطير الشعبية في جزيرة العرب) التي جمع فيها الرموز الأسطورية- إن صح التعبير- وطرحها فكرياً على ما يدور في المجتمع(36)، كما أصدر فيما بعد مؤلفه الجميل النقدي (غير الأدبي) وكان يصدر فيه رأيه كفرد من عامة الشعب(37)، ومقالاته التي صدرت بعنوانها الأصلي تناقش كثيراً من التخلف والأمية وغيرها،وإن كانت هذه الكتب ليست من النقد الأدبي، فإنها- من وجهة نظري- حافز ثقافي لمن يجد في نفسه القدرة على النقد الأدبي. وتعتبر هذه الكتب تأسيسية وضرورية في الوقت نفسه لكل دارس للنقد في بداياته، على ما في بعضها من التقليدية والانطباعية والقيام بالدور التنويري.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة