Culture Magazine Thursday  05/04/2012 G Issue 368
الملف
الخميس 13 ,جمادى الاولى 1433   العدد  368
 
بعد فوز ترجمته لكتاب الظل بجائزة الملك عبدالله للترجمة
رضوان: الترجمة ليست خيانة كما ترى المقولة الإيطالية.. والجائزة أكثر من تكريم وأكثر من ردّ اعتبار

 

الثقافية - عطية الخبراني

يؤكد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود البروفيسور والمترجم نبيل رضوان أن محاولات الترجمة في المملكة تخضع إلى سلطة التنظير ولا تميل إلى فعل الترجمة تطبيقا وممارسة إلا نادرا, كما يرى البروفيسور رضوان أن الترجمة في العالم العربي استحالت إلى ترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية وليس العكس, معتبراً أن الحجة التي يقنع المترجمون بها بعضهم من أن مسؤولية المترجم هي الترجمة إلى لغته الأم وأن هذه الحجة هي حجة واهية وغير صحيحة ويذكرهم أن المترجم في القرن الثالث الهجري وفي عصر المأمون كان آنذاك يعرّب ويعجّم ولا تدري في أي اللسانين هو أفصح, فأين نحن من ذلك اليوم؟

(الثقافية) التقت البروفيسور رضوان بعد فوز ترجمته لكتاب الدكتور فاطمة الوهيبي «الظل» إلى الفرنسية بجائزة الملك عبدالله للترجمة وخرجت معه بهذا الحوار.

* كيف ترى واقع الترجمة في العالم العربي اليوم وفي السعودية خصوصا؟

- أحسب أن الاهتمام الحالي بالترجمة في العالم العربي نظري بالأساس, وهو يواكب ضربا من «الموضة» الفكرية التي تنصبّ في أطر أوسع من الترجمة في حدّ ذاتها, ولهذه الأطر علاقة بالاستراتيجيات السياسية مثل العولمة وحوار الثقافات والحوار مع الآخر.. إلخ, وكل هذا محبّذ ومحمود لو واكبته نفس الاهتمامات ممارسة وتطبيقا, فعدد الترجمات يبقى هزيلا مقارنة بما يترجم في البلدان الأخرى.

أما عن حركة الترجمة في المملكة فيمكنني أن أجيب انطلاقا من تجربتي باعتباري أستاذا بجامعة الملك سعود منذ ثلاثة عشر عاما تكوّنت لدي على مداها فكرة واضحة من خلال ما قرأته وفحصته وحكّمته من بحوث أو ترجمات قدّمت بالخصوص إلى مراكز النشر الجامعية أو للترقيات الأكاديمية. والمتأمّل في هذه المحاولات يلحظ أنها تخضع هي الأخرى إلى سلطة التنظير ولا تميل إلى فعل الترجمة تطبيقا وممارسة إلا نادرا.

أمّا المقالات النظرية فهي - رغم كثرتها - تجترّ نفس القضايا التي مجّتها الأذن وقتلت بحثا: الترجمة والعولمة، الترجمة والأمانة، الترجمة والخيانة، الترجمة وخلفيات اللغة الثقافية، وما إلى ذلك من النظريات القديمة في الواقع قدم عصر المأمون. جميل أن ننظّر لعلوم الترجمة ولكن هاتوا نظريات جديدة يكون لكم فيها قصب السبق. وأحسب أن هذا الاهتمام المحموم بنفس القضايا وعدم التروّي للإتيان بنظريّات مبدعة وجديدة تحكمها رهانات لا تمتّ بصلة لا إلى البحث العلمي ولا إلى الترجمة بل هي تتعلّق بالنشر للنشر وبالترقيات العلمية والتدرّج المهني.

أمّا بالنسبة إلى الترجمات في حدّ ذاتها فهي - على قلّتها - نتاج أعمال دؤوبة ومضنية لذلك فهي في الغالب جيّدة وجديرة بالاحترام. لكنّ الذي يعاب عليها هي أنّها تنقل بصفة أحادية من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية. والنقل من اللغة العربية إلى غيرها يكاد يكون منعدما في المملكة خاصّة وفي المشرق عامّة. ولست أدري من أين أتت تلك الفكرة التي يكرّسها بعض الدكاترة في كلّية اللغات والتي بها يقنع بعضهم البعض أن المطلوب من المترجم العربي النقل من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية وليس العكس. ومنهم من ينظّر لاستحالة ذلك باعتبار أن الترجمة لا تبدع إلا في اتجاه اللغة الأمّ. ومن هذا المنطلق الخاطئ تدرّس الترجمة في كليّاتنا فلا ندرّب الطلاّب إلا على النقل من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية.

وبما أنّنا تحدّثنا عن عصر بغداد الذهبي في القرن الثالث زمن الخليفة المأمون فلنذكّر بأن المترجم كان آنذاك يعرّب ويعجّم ولا تدري في أي اللسانين هو أفصح, فأين نحن من ذلك اليوم؟

فالترجمة الأحادية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية يعدّ - حسب رأيي- ضربا آخر من ضروب التقوقع على الذات, ولعلّي أذكّرك أخي أن اللغة الفرنسية تحتوي اليوم على مئات المفردات التي نقلت إليها من العربية واستوعبتها الفرنسية واستفادت منها لغة وثقافة, فأغلب هذه الكلمات العربية التي دخلت الفرنسية ذات صبغة علمية أو ذات علاقة بالشأن التجاري والمتاع الحضاري, حريّ بنا إذن أن نفكّر كذلك في نقل ما لدينا للآخر مثلما نفكّر في استيراد أفكاره من خلال الترجمة, فالتبادل لا يكون إلا بالترجمة من اللغات الأخرى وإليها.

* هل يمكن أن تسهم الترجمة - ترجمة أي كتاب - في تشويهه أو إيصال أفكاره بشكل لا يخدم الكتاب ولا الكاتب؟

- لقد استساغ بعضنا المقولة الايطالية traduttore traditore يعني «الترجمة خيانة أو لا تكون» وهي في الواقع أصبحت في النهاية كلمة حق أريد بها باطل. صحيح أن الترجمة هجرة واغتراب لغوي وثقافي ينقل الدّوالّ من لغة إلى أخرى بخلفيّاتها وتأثيراتها وربّما بتهجينها وتحريفها. لكنّ ذلك ليس مبرّرا للذين يطيب لهم استسهال عمليّة الترجمة فيمتطون تلك المقولة ويتصرّفون كما يحلو لهم في ا لنصّ المترجم إليه. قد يصبح ذلك هروبا من الأمانة إذا استعصت الترجمة على العاجزين, والمشكل هنا في خطورة النتائج وفداحة الخطأ الذي ينجرّ عن مثل هذه التصرّفات التي تؤدّي إلى الإخلال بالمسؤولية, والمسؤولية ثقيلة باعتبارها تسهم في إرساء كل هذه القيم المثلى التي من أجلها ينظّر أغلبنا ويستمتع بتكرار مفاهيم الحوار الحضاري وتزاوج الثقافات, ما هي الرسالة التي ستصلنا من الآخر إذا كانت محرّفة ومشوّهة وبأي عقلية سنتلقّاها ونقبلها ونقيّمها؟ وما الصورة التي سنصدّرها عن حضارتنا وتراثنا وديننا إذا خانها الناقل وخذلها المترجم؟ والأمر أخطر ممّا يمكن تصوّره لأنه ليس دائما نتيجة كسل المترجم أو عدم كفاءته بل قد يكون مقصودا شأنه شأن ما نرى من تحريف إعلامي أو صور موجّهة في القنوات التلفزيونية.

وقبل أن تخون الترجمة الضحلة القاحلة الثقافة التي تنقل منها فهي تتعدّى على الكاتب والكتاب. هنا يفرض مفهوم الأمانة نفسه باعتباره عقدا أخلاقيا بين المؤلّف والمترجم. ولا يجب أن نقلّل من شأن هذا العقد أو نستخفّ بالاتفاق الذي من خلاله استأمن الكاتب المترجم على نصّه وسمح له أن يهاجر به إلى لغة أخرى لا يفقهها، فيقرأه متلقّ أجنبي بتلفّظ أجنبي وتكتب للنصّ الأصل حياة أخرى في سياق ثقافي آخر.

* ما الذي يعنيه لك فوز ترجمة كتاب الظل الذي ترجمته للمؤلّفة الدكتورة فاطمة الوهيبي؟

- هو انتصار قبل كل شيء للمؤلّفة التي أنتجت مثل هذا المؤلّف القيّم وارتقت به إلى مستوى المراجع الفلسفية الشاملة والتي لا يمكن لباحث جدير باسمه أن يقصيه من أعماله التحليلية والتوثيقية عن مفهوم «الظل». وهو مفهوم كوني أصّلت له الدكتورة فاطمة الوهيبي انطلاقا من التراث الإسلامي (قرآنا وسنّة) وانتقلت به إلى التراث الصوفي والفلسفي والأسطوري وصولا إلى علوم الأنتروبولوجيا الحديثة وعلم النفس والاجتماع، الخ. ومن أبرز سمات هذا الكتاب القدرة على التوليف بين معارف تتّصل بما هو قديم قدم الفكر البشري ومعارف تتّصل بالفكر الغربي الحديث. فللكتاب أهمّيّة قصوى لأنه يوفّق بين رؤية الظل من خلال التراث العربي الإسلامي الذي من شأنه أن يضيف إلى مخزون القارئ الفرنسي المعرفي ويسهم بذلك في تعريف الآخر بخصائص مفكّرين أمثال ابن خلدون والتوحيدي وابن عربي، بالإضافة إلى النصوص المتعلّقة بالمنظور الإسلامي قرآنا وحديثا وسنّة وفقها، وبين رؤية الظل من خلال ما ينصبّ في صميم الفكر الحديث والمعارف الغربية فلسفة وفيزياء وعلم نفس، وعلم اجتماع، وأدبا وشعرا...ففي ذات النص يلتقي ابن عربي والتوحيدي وابن خلدون وفريد الدين العطّار مع فوكو وباشلار وكريستيفا وبارت. وفي نفس الكتاب نجد إحالات ثريّة إلى الظل في الأدب الروائي العالمي في علاقته بالميثولوجيا والأساطير والمعتقدات المرتبطة بالمخيال البشري. ويمكن أن نذكر مثلا رواية « بيتر شليميل» لشاميسو أو «البومة العمياء» لصادق هدايت أو رواية «الهاخاديتو» لأستورياس (أو «رامة الشحّاذ»). ولا ننسى كذلك ما ورد في الكتاب من أشعار تتناول مفهوم الظلّ نذكر منها قصائد أدونيس ومحمود درويش وعبد المعطي حجازي وأحمد الملاّ.

أما بالنسبة إلى شخصي المتواضع فالفوز بجائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها الخامسة لسنة 2011 أشعرني بفخر واعتزاز لم أشعر بهما من قبل. كنت دائما وطوال العمل المضني على ترجمة كتاب الظلّ أتحسّس علامات التوفيق القادم بإذن الله وأتلمّس أسباب النجاح من خلال العمل الدؤوب والمصابرة. وأرى اليوم أن في هذه الجائزة أكثر من تكريم وأكثر من ردّ اعتبار.

* جامعة الملك سعود التي تعدّ أنت أحد أعضاء هيئة تدريسها...ماذا قدّمت لك بمناسبة الفوز؟ وهل كان الاحتفاء بما يوازي المناسبة؟

- من الصدف السعيدة بالنسبة إلى جامعة الملك سعود أن تكون مؤلّفة الكتاب الأصل وكذلك مترجمة من المنتمين إليها. لكنّني لا أدري لماذا فزت بهذه الجائزة العالمية ولم تقم الضجّة الكبرى التي كان يتوقّعها الجميع!

لمّا وصلني الخبر السعيد في ذاك الصباح المشرق الجميل من مكتبة الملك عبد العزيز، يوم السبت 11 فبراير 2012، ثم شاهدت حفل الإعلان مباشرة عل القناة الثقافية، كان يغمرني شعور بالسعادة لا يوصف. وسعادتي كان مأتاها أوّلا أنّني نلت هذه الجائزة وأنا ما زلت أنتسب إلى جامعة الملك سعود وقبل أن أعود إلى جامعة تونس الأولى التي غادرتها في نطاق الإعارة منذ سنة 2000. وكنت فعلا أظنّ أن مثل هذه الجائزة لا بدّ أن تثمّن ويحتفى بها على مستوى الكلّية والجامعة. خاصّة وأن الجامعة كانت في السنوات الأخيرة تؤكّد وتوصي وتحثّ أعضاء هيئة التدريس على التميّز وحصد الجوائز العالمية. لكن لم يصلني إلى حدّ الآن إلا شتات من التهاني وبعض التبريكات المتباعدة من قبل عدد من الزملاء المحترمين من السعوديين وغيرهم. وللأسف أرى أنّ أضعف الإيمان أن تلصق الكلية إعلانا حائطيا يوصل المعلومة إلى كافّة الزملاء أو يبلّغ هؤلاء عن طريق رسالة هاتفية كما يتمّ عادة بالنسبة إلى التعاميم الدورية. تخيّل أنّ الخبر نزل في كل الصحف العربية وغير العربية ولم تنزل حوله إلى حدّ اليوم كلمة واحدة في «رسالة الجامعة»!!!

أقول، رغبة منّي في شيء من السلوان، لعلّ المانع خير وأجد عذرا للذين لم يصلهم الخبر إلى الآن (ومن بينهم من يجاورني المكتب) كما أتفهّم الضغوطات التي تشهدها أخيرا كليّة اللغات والترجمة التي انكبّت الأشهر الطوال على إعداد ملفّات الاعتماد الأكاديمي التي نالته أخيرا والحمد لله. ومع ذلك أحسب أنّ عدم الاحتفاء بحدث مثل هذا ناتج عن خلل إعلامي أجهل سببه. فلا الكلية رفعت الخبر لإدارة الجامعة ولا الجامعة علّقت على الخبر الذي تداولته كل وسائل الإعلام.

وأشير في الختام إلى أنّ كل كتبي المنشورة في أوروبا ( وآخرها ترجمة كتاب الظل في باريس) تحمل على غلافها صفة انتسابي إلى جامعة الملك سعود من دون أن أكون ملزما بذلك باعتبار أن جلّ هذه الكتب رفض نشرها مركز البحوث بالكلّية ولم تحظ بأي دعم مادّي. ومن بين هذه الكتب: «ترجمة مصنّف ابن سينا «في أسباب حدوث الحروف» إلى الفرنسية (رفضه المركز لظنّه أنه يتناول مسألة طبّية وهو يتعلّق بالصوتياتّ!)، كتاب «النحو الوصفي» نشر في بلجيكا باللغة الفرنسية، «ترجمة كتاب الظلّ» (باريس) وترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية (تحت الطبع: المنتدى الإسلامي، بريطانيا)

وعلى كلّ حال، لا يمكنني إلا أن أشكر الكلّية والجامعة التي انتسبت إليها على مدى ثلاثة عشر عاما اكتسبت خلالها خبرات جديدة في حياتي العلمية والمهنية. ومن كلية اللغات والترجمة انطلقت كل هذه البحوث والترجمات وفيها رأت النور. وأشكر كل الزملاء الكرام الذين صاروا مع الوقت أصدقاء، على تهانيهم الصادقة. ولا أنسى أنهم كانوا الداعمين لأعمالي بالكلمة الطيبة وعبارات التشجيع والاحترام.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة