Culture Magazine Thursday  05/04/2012 G Issue 368
فضاءات
الخميس 13 ,جمادى الاولى 1433   العدد  368
 
البيوت
الحق قبل الحب أحياناً
لمياء السويلم

 

الخطاب التربوي الذي يقدَّم لحقوق الأبناء في مجتمعنا يدور دائماً حول الحنو والعطف عليهم، والتعبير عن مشاعر الحب تجاههم؛ فالتربويون يركزون دائماً على حاجة الأبناء إلى تعاطف والديهم وحنانهم، وإلى دفء مشاعرهم. هذا الخطاب الذي تربت عليه البيوت السعودية لأكثر من جيل هل أثمر في بيوتنا حباً ونجاحاً وسعادة، أم أنه رغم كل القنوات التي بثته داخل بيوتنا ما زال عاجزاً عن الإسهام الإيجابي في تربية الجيل الجديد؟

لا يشك أحدنا في أن الأبناء بحاجة إلى الحب والعاطفة الأبوية، لكن هل كان الحديث عن الحب كافياً في بيوتنا ليورق فيها؟ هل كانت مشاعر الآباء المشبعة بمخاوفهم وترسبات ماضيهم وكل ضغوطات حاضرهم مشاعر كافية لتندفع تجاه الأبناء باسم العاطفة الأبوية؟ أو هل كان الأبناء قادرين على تصفية هذه المشاعر الأبوية التي تنصب عليهم بكل أشكالها القاسية حيناً والرحومة حيناً آخر؟ هل استطاع الأبناء أن يفهموا كل المشاعر المتناقضة التي تشتعل في أعين آبائهم وأمهاتهم؟

لقد اختزل الخطاب التربوي حقوق الأبناء واحتياجهم في العاطفة فقط، ومع هذا لم ينجح التربويون في إعمار البيوت بالحب؛ لأنهم مسبقاً أخطؤوا في أن الحب لذاته يتحقق في التربية؛ ففي مجتمع ثقافته أبوية وصائية لا يفهم من المدنية إلا أسماء المدن، لا ينجح خطاب العاطفة ولا يثمر إلا مزيداً من الوصاية وتقييد الأبناء؛ فالأبوية لا تفهم من الحب في كل أنواعه إلا الوصاية بمختلف أشكالها؛ ولهذا المزيد من الحب لديها يعني المزيد من الوصاية.

فماذا تثمر الوصاية في بيوتنا؟ نحن الذين نعيش اليوم توقيتاً عالمياً يشير إلى حقوق الإنسان؟

الجيل الجديد الذي أدرك مفاهيم الحرية والعدل والمساواة والحقوق الشخصية لن يقبل حباً وصائياً يصادر قيمته كإنسان عاقل ومستقل فردياً. الجيل الذي أدرك الفرق بين القوانين المدنية والتقاليد الاجتماعية لن يقبل اليوم أن يمارَس عليه التسلط المعرفي ومصادرة قدرته على التفكير الحُرّ باسم الأديان أو العادات والأعراف. الجيل الجديد لن يقبل أن يُحرم من حقه في التجربة واكتشاف نفسه والعالم باسم مخاوف وعُقَد الماضي التي تسيطر على والديه.

الجيل الجديد الذي فتح نافذته على العالم يريد الحب في بيته مثلما يريد الحرية، يريد الحب الذي لا يقتل حماسته ورغباته في المغامرة والانطلاق في الحياة. هذا الجيل يبحث عن الحب نعم، لكنه يريد لنفسه حباً خالصاً لا متناقضاً ومتوجساً، يريد حباً متواضعاً لا يمارس سلطاته وعُقَده النفسية عليه، لا يريد حباً يصفعه باسم التربية، لا يريد حباً يقيد خطواته باسم الخوف وعيون الناس، لا يريد حباً يصادر أفكاره وتعبيره باسم الحرام، هو يريد حباً يعرف أنه يحتضنه لا يسجنه، حباً لا يرهبه ولا يزرع مخاوفه في صدره، حباً لا يطفئ في عقله الأسئلة والأحلام الكبيرة.

الجيل الجديد أصبح يعرف أن العدل والحقوق الشخصية والتجربة الاجتماعية والمساواة والحرية مفاهيم لا تعني الدولة فقط، بل تعني البيوت أيضاً، الجيل الجديد يعرف أنه لن ينال أياً من حقوقه خارج البيت قبل أن ينالها داخله. الجيل الجديد يعرف أن سلطات البيوت لا تقل عنفاً وترهيباً وجهلاً عن سلطات الدول.

التربية التي نريد أن نعمر فيها بيوتنا عليها أن تدرك أننا في زمن لا يعترف بالوصاية الأبوية وعصور الحريم، على التربويين أن يقدموا للبيوت خطاباً مدنياً يؤسس لثقافة حقوقية، ثقافة حقوق تربوية تدفع الآباء والأمهات لزرع قيم الحرية والحقوق الإنسانية في أبنائهم داخل بيوتنا قبل أن يخرجوا منها للشارع؛ لأن الحقوق المدنية التي يحلم بها الجميع يجب أن تزرع في قلب وعقل الصغير بأنه كإنسان له الحق أن يطلب عائلة أخرى ينتمي لها إذا لم تحسن عائلته إليه؛ لأنه كإنسان يستحق أن يختار الأمثل والأفضل له من اختيار البيت والعائلة إلى اختيار الرئيس والحكومة.

الرياض lamia.swm@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة