Culture Magazine Thursday  06/09/2012 G Issue 378
فضاءات
الخميس 19 ,شوال 1433   العدد  378
 
رؤية
حصان طروادة.. الخداع والمراوغة (2-2)
فالح العجمي

 

كنا استعرضنا في المقالة السابقة بعضاً من طرق المراوغة والخداع التي يطلق عليها هذا المصطلح، وبعض الفئات التي تستخدمها، وكذلك أغراض استخدامها. ولعل وسائل تفادي الوقوع في شرك هذا الحصان هي مما يتعلمه الإنسان غالباً من خلال تجاربه في الحياة، لكن بعضها غامض وشديد التعمية، وبعضها يود المستلب (بفتح اللام) أن يقع فيه، لأنّ منطق صاحب الحصان قد ران على قلبه.

فهل سمعتم بعض شكاوى تلاميذ المدارس من بعض المدرسين ذوي الأفق المحدود، والطريق الواحد في فهم أمور النقاش، وإفهامها إلى التلاميذ، عندما يسأله بعض النابهين منهم أسئلة محرجة؛ إما لأنه لا يستطيع الإجابة عنها، أو لأنها تكشف غضاضة منطقه الذي أراد بناء الحجج عليه؟

ففي مجال التسويق تتضح لذوي الألباب غالباً طرق تلك الأحصنة.. ففي أحد المحلات التجارية كان البائع يعرض بعض بضاعته بسرعة وبكلام متواصل، بعد أن طلبت منه خصائص معيّنة للغرض الذي أود شراءه. وبعد أن عرف أن عندي هدفاً محدداً، وأني لم أعر كلامه المتواصل اهتماماً، بدأ في عرض الاستراتيجية التي ربما تناسب بعض الزبائن الذين تعود عليهم: إذا أخذت البضاعة الآن، فسأعطيك سعراً مناسباً جداً. عندها استخدمت استراتيجية أخرى مضادة؛ فقلت: أنا أصلاً الآن في جولة للتعرف على أسعارك وأسعار منافسيك. وفعلاً بعد أن خرجت إلى المحل المجاور له، كان السعر للأصناف نفسها النصف تقريباً. وفي الإعلان تستخدم غالباً الأساليب المقاربة لتلك الوسائل التسويقية؛ ومنها ما يذكر سعر المنتج الذي يعلن عنه بطريقة «بدءاً من ...»، مع أنّ سعر السلعة النهائي يكون أعلى بكثير من سعر الأساس. ومنها ما يتبع الوسيلة الشعبية في تقريب الأشياء، بأن يصف للمستهلك أن ذلك المكان لا يبعد عن مكان كذا سوى خمس دقائق على الأقدام. ومثلها أن تلك الاستمارة، أو ذلك القرض لن يأخذ منك سوى دقيقتين لملئها، أو للحصول عليه. وشتان بين النظرية، وتطبيقها في الواقع.

أما في مجال الوعظ الديني، فإنّ الأمر يتفق مع المجالات السابقة، لكنه يختلف في صعوبة اكتشاف زيف الهدف القريب، لكون المستلب (بفتح اللام) متواطئاً مع المستلب (بكسر اللام). وقد تعوّد مستخدمو تلك الأحصنة على هذا الوضع المريح جداً، فلم يعودوا يدققون كثيراً في نوعية الضحايا التي يتعاملون معها، وأن بعضاً منها قد يكتشف ما يطرحون، ويطرح أسئلة محرجة لهم كالتي يطرحها التلاميذ النابهون على بعض المدرسين البليدين ممن ذكرناهم في أعلى المقالة. فمن الأمثلة الطريفة على فشل مثل هذا الحصان، أنّ واعظاً معروفاً كان قد أتى إلى بنك (ربوي)، لينجز بعض المعاملات. ولأنه صاحب حساب غليظ، فقد أدخل إلى غرف الخدمات الذهبية والماسية.. فطلب منه الموظف الجلوس واحتساء القهوة، ريثما ينجز زميله المتخصص تلك المعاملة. ولأنّ الواعظ أراد أن يتسلّى على ذلك الموظف البسيط (أو: «يطقطق عليه» بمصطلحات الشباب)، فقد بادره بالسؤال: يا ولدي! ما وجدت لك شغل في غير هذا البنك الربوي؟ أصيب الشاب بالدهشة، لكون هذا الواعظ يتعامل مع البنك نفسه، لكنه واصل التحدي، فقال: على يدك يا شيخ! تحصل لي شغل بنفس الراتب وشروط الوظيفة؟ لم يتوقع الواعظ هذا النوع من الرد من خلال تجاربه السابقة فيما يبدو، فقال: إذا ترغب آتيك بعد المغرب غداً في منزلك، ونتحدث. يقول الشاب: أعطيته رقم تلفوني وعنوان منزلي، وأنا لم أتوقع أن يأتي. لكنه أتى.. وبعد أن عرف أنه مرتاح في عمله، قال: ابق في عملك، فنحن مضطرون لقول مثل هذا !

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة