Culture Magazine Thursday  06/09/2012 G Issue 378
فضاءات
الخميس 19 ,شوال 1433   العدد  378
 
الخطاب الأدبي وتحديات المنهج
نقد وتحليل -1-
د. إبراهيم الشتوي

 

يمثل المنهج في الخطاب الأدبي أحدى القضايا التي تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الدارسين، والنقاد، وقد عقدت لهذه القضية الندوات، وكتبت حولها الكتب، التي تبين الجوانب المتعددة المتصلة بالظاهرة الأدبية من زواياها المختلفة. والكتاب الذي بين أيدينا أحد الكتب التي يسعى لتقديم تصور حول هذه القضية.

صدر الكتاب عن نادي أبها الأدبي فيما يقارب 400 صفحة، وقد جاء العنوان متكونا من عبارتين، الأولى: الخطاب الأدبي وهو واسع متعدد، والثانية: تحديات المنهج وهي كالأولى أيضا في السعة والتنوع. وموضوع الكتاب كما يبدو من العنوان: إما أنه سيتحدث عن الخطاب الأدبي ثم عن تحديات المنهج، أو أنه سيتحدث عن الخطاب الأدبي في حالته مع تحديات المنهج، أو أنه سيتحدث عن تحديات المنهج في الخطاب الأدبي.

ومع أن الكاتب لم يحدد موضوعه بشكل دقيق إلا أنه بدا من الشكل الذي بنى عليه كتابه أنه يتحدث عن هذه القضايا مجتمعة، فالكتاب يأتي بمقدمة، ومداخل جعلها للحديث عن قضايا رأى الباحث أنها تتصل بالخطاب الأدبي، وقضايا المنهج، وليس من اليسير النظر في موقع الخطاب الأدبي، وتحديات المنهج في الكتاب ذلك أن هذه المداخل تتصل بشكل كبير في قضايا تتوزع بين الأدب، والنقد، وبعض الملاحظات التي رآها الكاتب في تعامله مع بعض الدراسات.

ويبدو أن الكتاب في أساسه محاضرات ألقاها المؤلف في قاعات الدرس قام الطلاب بتقييدها، ورأى صلاحها للنشر، فدفعها إلى المطبعة دون النظر إليها مجتمعة بوصفها كتابا مستقلا له قضية واحدة واضحة الملامح، أو بوصفها مقالات مجموعة لا يتصل كل واحد بالآخر، ويمثل ببنائه وحدة موضوعية وفنية مستقلة، وذلك من خلال التفاوت الكبير بين أجزاء الكتاب، ففي حين تأتي بعض المداخل فيما يقارب عشر صفحات يأتي بعضها وقد تجاوز الخمسين صفحة، بالإضافة إلى التكرار البين بين هذه المداخل، فتجد المدخل عينه قد أعيد ولكن بشكل أكثر تفصيلا في مدخل يأتي بعده، فالمدخل الأول التقاليد اللسانية لا يختلف في موضوعه عن إشكاليات المثاقفة، ذلك أنه كما بدا من الكتاب فإن التقاليد اللسانية هي واحدة من الإشكاليات التي تظهر عند تطبيق النظريات تطبيقا حرفيا، ونقلها نقلا مباشرا من اللغات الأجنبية إلى اللغة المحلية وهذا نوع من مشكلات المثاقفة، وكان يمكن من خلال دمج المدخلين في مدخل واحد، وتنظيم القول فيه تجنب التكرار والإطالة اللذين لا فائدة منهما.

كما يبدو ذلك في المدخل الثاني الذي يأتي بعنوان: «مصادر المعرفة والدراسات الأدبية الحديثة»، فبعد مقدمة عامة عن الأسباب التي تجعل دراسة تاريخ المثاقفة عسيرة، يبتدئ بالحديث عن الكتب التي تناولت قضايا النقد في العصر الحديث، وما تتسم به من سمات، وذكر أنها نماذج، ثم بدأ بذكر ملاحظات عامة حول تلك الكتب، انتقل بعدها إلى المصادر ويتابع الحديث أيضا نفسه تحت عناوين مختلفة، متنقلا أحيانا من النقد والتجريح، إلى الثناء والتقريض والشرح والتبين لما في تلك المصادر من مراجع، وربط الثقافة العربية باليونانية، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن قضايا منهجية ونقدية، يعيد فيها ما قاله من قبل بصورة أخرى لا يتصل فيها الحديث عن المؤلف أو الكتاب ولكن إلى القضية النقدية والمنهجية بشكل مباشر، أوالأوربية الحديثة دون أن يلتزم قضية واحدة أو منهجا محددا حيال ما لديه من كتب، وهو ما يبين أن الكتاب لا يلتزم منهجا معينا في كتابته، كما لا يتناول قضية واحدة.

كما يبدو في الكتاب التناقض أيضا من مثل موقفه في رفض المنهج التكاملي محتجا بأن المنهج هو الطريق، وهو بالضرورة يقصي المناهج الأخرى، والباحث لا يمكن له أن يسلك طريقا فيه جميع الطرق، ثم يأتي بعد ذلك يقرما سماه بالقراءة المنفتحة والتي تسير على اختبار المناهج والاستماع إلى النص، بناء على أن هذه المناهج «وسائل تساعد على إدراك مجالات الإبداع في النص والتنبيه عليه» (ص80) وهو وإن لم يصرح بأنه يقصد الاستفادة من جميع المناهج إلا أن تقليله لأثر المنهج بوصفه وسيلة إلى الغاية، وأن هذه الوسائل قد تتضافر، وتشنيعه على الالتزام بمنهج واحد للتعامل مع النص بوصفها دراسة الشاهد، وأنها «دراسة منغلقة وإن ادعت الانفتاح» يعني أنه مرة أخرى يعود إلى الإقرار بإمكانية تداخل المناهج. وأنا لا أفهم كيف يمكن أن نقول ب»نقاء المنهج» في حين أننا نعرف ألا وجود لمنهج نقي، فليست هناك أسلوبية واحدة مثلا، فالأسلوبية البنيوية، تختلف عن الأسلوبية التكوينية، تختلف عن الأسلوبية الوصفية، والأسلوبية المثالية، والأسلوبية الوظيفية، فالذي يجمع بين الأسلوبية والبنيوية لماذا لا يمكن أن يجمع بين الأسلوبية والمنهج النفسي أو الاجتماعي بل إن هناك علما يسمى علم النفس الاجتماعي للأساليب، وهذا ما حدث فيما بعد حين ظهر سوسيولوجيا الأدب الذي يمثل نوعا من الجمع بين المناهج المختلفة، ومثله البنيوية التكوينية التي تمثل نوعا من الجمع بين البنيوية والماركسية. والأمر كما يقول غريماس ليس بحاجة- فيما يرويه عنه سعيد علوش- إلى معارف فائقة، بقدر ما هو بحاجة إلى ترتيق فني، لكن هذا الترتيق الفني لا يمكن أن يكون عشوائيا، ولكن من خلال منظومة منضبطة بالمنهج العلمي، وفق غاية معينة.

ينضاف إلى هذه الملاحظات الجزئية حديثه عن ترجمة ديوان بودلير «أزهار الشر» بأنها ترجمة خاطئة، وأن الصواب هي أزهار القلق بناء على التعدد الدلالي لما يقابل كلمة «شر» في الفرنسية»، التي جعلت المترجم يخطئ في اختيار المعنى المحدد مما تدل عليه هذه الجملة، وعلى رغم أنها إشارة لا بأس بها إلى ما تحمله كلمة «شر» بالفرنسية، إلا أن الديوان نفسه قد ترجم بهذه الصورة إلى اللغة الإنجليزية، فهو «flower of evil» وهو ما يعني التزام الملمح نفسه الذي رآه المترجم إلى العربية، والحقيقة أن الديوان والعنوان لايمتان إلى الرومانسية بصلة، كما أن بودلير نفسه لا ينتمي إليها كما رغب المؤلف أن يقول، بالإضافة إلى أن الأدباء الكبار من أمثال بودلير يعدون من عابري المراحل والمدارس، وذلك من مثل فولتير الذي بالرغم أنه تاريخيا ينتمي إلى المرحلة الكلاسيكية إلا أنه من المبشرين بالرومانسية، فعنوان الديوان لا علاقة له بالقلق، وإنما يتصل بالجمع بين كلمة «أزهار» التي تحمل معاني الجمال، والإيناع وبلوغ مرحلة النضج، و»الشر» القبح. هذا الجمع بين هاتين الكلمتين المتناقضتين توحي بالمعنى العميق أن هذا الجمال المتمثل بالزهر الذي تراه ليس حقيقيا، فهو أزهار الشر، وهذا المعنى يشبه المعنى الموجود في القول المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، «إياكم وخضراء الدمن» المرأة الحسناء في منبت السوء، والمعنى الآخر أن الشر قد نضج وكمل وظهر زهره، أو أن المعنى هو أن الشر بالرغم مما نتصور من قبحه، فله أزهار أيضا جميلة، وهو ما يعني أنه ليس قبيحا جدا.

وبعيدا عن الموقف الأخلاقي المتمثل بهذه الدلالات، فإن العنوان بهذا التركيب اللغوي، وكثيرا من ألفاظ الديوان المباشرة البذيئة جعلت الديوان أحد المكونات المؤثرة والمبشرة في نشأة الحداثة الأوربية في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وذلك من خلال Vulgarism أي السوقية، وهي سمة من سمات الحداثة.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة