Culture Magazine Thursday  06/12/2012 G Issue 388
فضاءات
الخميس 22 ,محرم 1434   العدد  388
 
هل نادي جدة هو صاحب فكرة صالون النساء؟
لمياء باعشن

 

هذا السؤال على بساطته الظاهرة هو في الحقيقة سؤال في منتهى الأهمية، فالرد عليه يفسر كثيرا من الأمور العالقة والجدل القائم حول الصالون. دشّن نادي جدة بشكل مفاجئ صالوناً لثقافة نسائية منفصلة، وهو متمسك ببقاء هذا الصالون عناداً وصلفاً مهما واجه من اعتراضات بطريقة تثير الريبة، فما هي أوجه الاعتراض على الصالون؟ وما سر هذا التمسك يا ترى؟

حين نسأل إن كان مشروع الصالون هو من مشاريع النادي الأدبي في جدة، فإننا نريد أن نتأكد على أي أساس قام هذا المشروع، وحين يأتي الرد بالنفي فإننا لا بد أن نتوقف قليلاً لنعرف ملابسات التدشين المفاجئ له. الحقيقة أن الفكرة لا تعدو كونها طلباً من عدد من النساء تقدمن به للنادي، يعني فكرة جاهزة لصالون جاهز بضيفات جاهزات: طلب خاص تقدم به عدد خاص من النساء بشكل خاص يروم السماح بالتواجد في النادي بخصوصية تامة.

ويجب أن نُحق الحق ونبين أن رئيس النادي عندما استلم ذلك الطلب لم يُرد أن ينفرد بقرار قبوله، فعمل ما يُفترض به أن يُعمل. بعد أن عرض على أعضاء الجمعية العمومية في اجتماعه الأول بهم، موقف النادي المالي والبرامج التي يعتزم تفعيلها، طرح عليهم مشروع (صالون النساء فقط) المقدم إليه. وحين رفضه بعض الأعضاء واقترحوا التصويت عليه، سحبه رئيس النادي بحجة أنه ليس معدأ بشكل منظم يسمح بعرضه، ووعد بأن يعيد ترتيب فقراته ليعرضه للتصويت في الجلسة القادمة. إلى هنا وكل شيء يسير حسب اللائحة والقوانين، وما كان لأحد أن يعترض أو يتفوه بكلمة - حتى لو كان غير راض عن الصالون- إن تم التصويت ووافقت عليه الأغلبية، وهذه هي الديمقراطية.

لكن الذي حدث كان مؤسفاً وصادماً، وربما كانت الضغوط والإلحاح الذي وقع تحته رئيس النادي من صاحبات المشروع أدى إلى الخطأ والتسرع والالتفاف على الجمعية العمومية، فقد قام النادي بحماس شديد بالإعلان عن تدشينه الصالون في الصحف والإنترنت بفرحة عارمة وكأنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل، والحقيقة أنه أتى بما تخطاه وتعداه الأوائل، وبما رفضه وتصدى له الأوائل. بل إن فكرة الصالون النسائي هي نسخة مطابقة لما يدور في كثير من الأندية الأدبية التي ما زالت متشبثة باللجان النسائية «الرديفة» رغم إلغائها من اللائحة الجديدة، ورغم وصول المثقفات إلى عضوية مجالس إدارة الأندية.

هل تدشين صالون النساء قانوني؟ بالطبع لا، ومجلس إدارة النادي يعرف ذلك جيداً ويدرك أن اللائحة لا تسمح له بتدشينه إن لم يوافق عليه أعضاء الجمعية العمومية. كيف دشّنه إذاً؟ حسناً، لقد اخترع مصطلحاً متناقضاً يرفضه العقل والمنطق، وهو (التدشين التجريبي). بالله عليكم، ما معنى أن تدشن مشروعاً تجريبياً؟ يعني من الممكن أن تدشن عددا من ألواح الخشب وتقذف بها في الماء، فإن صلحت ستسمح بإكمال بنائها لتصبح سفينة، وحينها لا داعي لتدشينها فقد تم لها ذلك وهي مجرد ألواح؟

ولكنها حيلة يخرج بها النادي من دائرة الإحراج والمسائلة، فلو لامه أعضاء الجمعية على السماح للصالون بالبدء دون تصويت فسيكون العذر جاهزا: «تجريبي.. تجريبي». وحين يجتمع المجلس سيأتي الرئيس مسلحاً بما يضمن به بقاء الصالون كمشروع وقف هو بنفسه على نجاحه في الفترة التجريبية. سيقول بكل ثقة، لقد جربناه وهو مشروع ناجح لذلك ما المانع من التصويت لصالح بقائه؟ وحينها هل سنصفق للنجاح الباهر هكذا وكأنه قضية مسلمة، أم سنسأل عن المعايير التي تم بها قياس ذلك النجاح ؟ مشروع مغلق لا يدري سعادة الرئيس ولا أحد من أعضاء مجلسه الكرام عما يدور به، ولا يعرف مدى حيويته وفعاليته، لا يسمع ولا يرى، ثم يأتينا مهللاً بنجاحه؟ مشروع تحيط به الخصوصية فلا تُعرض مواضيعه ولا ضيوفه على مجلس الإدارة ولا تطلع على محاوره أي جهة مسئولة، لكنه مقدر له النجاح حتماً وبالضرورة؟

ولكن كلنا يعرف كيف ستقيسون في نادي جدة ذلك النجاح: الحضور المذهل!! هل هذا مشروع تثقيفي تنويري ناجح فقط لأن الإقبال عليه كان مذهلاً؟ هذا كل ما يجب أن يحققه النادي: الجماهير الغفيرة التي ستشهد لهذا المجلس أنه نجح في الجذب حيث فشل غيره. لذلك إذاً تحمستم لتبني هذا الصالون الجاهز الذي لم تتعبوا في التفكير فيه ولا تكوين سطر واحد من أهدافه وموضوعاته. وأنا لا أقول بأن صالون النساء لن يتمكن من تحقيق مهمة التنوير والتثقيف المنشودة، لكني أجزم أن مجلس الإدارة لن يتمكن من ملامسة ذلك ولا التأكد منه، لأن كل ما يشهده من ذلك الصالون هو عدد السيارات عند مدخل النادي!!

صالون النساء ليس فكرة نادي جدة مطلقاً، بل هو مجرد طلب من عدد من النساء أردن استخدام المبنى، والنادي، كما يظهر لنا، لا يفرق كثيراً بين كونه مؤسسة ذات رؤيا وجهد ومشاريع، وبين كونه مبنى مهيأ لاستقبال مستخدميه. هذا الصالون ليس جديداً ولا مبتكراً ولا يمكن لنادي جدة أن يتفاخر به كمنجز خاص به، فهو مشروع منتهي ومجرّب ومنقول من مكان لمكان، مشروع متكامل قبل أن يتبناه المجلس، مشروع عمره أكثر من عقد من الزمان، تقدمت به نفس هذه المجموعة للمجلس السابق ولاقى ممانعة شديدة. ذلك الرفض القديم من الإدارة السابقة أتاح الفرصة لمدح الإدارة الجديدة بأنها متفهمة ومتجاوبة مع كل الرغبات، فهي على عكس الإدارة القديمة تراعي التنوع الثقافي وتفتح الباب لكل الرغبات والأهواء.

لقد استجاب النادي بسرعة لما يميزه عن الإدارة السابقة، وانتهز فرصة تتيح له أن يتقدم دون جهد وعناء وأن يسجل نقاطاً تشهد بتفوقه عليها، فوافق على الفور. لذلك يجب أن ننتبه جيداً إلى أن الإدعاءات بأن النادي حريص على استيعاب كل الأطياف ولا يضيق بأي رغبة لأي مثقف، وبأنه يهدف إلى تنشيط دور المرأة المثقفة والمساهمة في تنويرها، هي ادعاءات باطلة، لأن النادي لم يفكر أصلاً في إنشاء هذا الصالون ولم يخطط له ولا يملك بخصوصه رؤية ولا هدفاً ولا برنامجاً ولا توجه.

إن كان نادي جدة بتبنيه صالون النساء سيحاول أن يمرر علينا فكرة أنه يقوم بدوره كمؤسسة ثقافية تواجه مسئولية مجتمعية وتثقيفية فذلك عذر ضعيف، لأن الصالون النسائي قادم إليه بمشروعه القديم الذي تمت تجربته على مدى سنوات، وبقوته الجاذبة الخاصة بضيفاته اللواتي كن يرتدنه سابقاً، أي أن النادي ليس من حقه أن يباهي به ولا أن يحسبه من منجزاته ولا أن يختص نفسه بكعكة النجاح والجذب، فدوره بصراحة تامة لا يتعدى المجاملة بالسماح باستخدام المبنى، ولا يزيد عن حسن الضيافة.

lamiabaeshen@gmail.com - جدة
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7712 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة