Culture Magazine Thursday  06/12/2012 G Issue 388
فضاءات
الخميس 22 ,محرم 1434   العدد  388
 
مفسدات الاختلاف الثقافي -1-
سهام القحطاني

 

إذا آمن كل منا بأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة أو التصور الكامل للجزء اللا مرئي من الموجود، فسوف نتفق على أن الأحادية هي إفساد لمنطق الثقافة وإلغاء لقيمة الاختلاف بين الرؤى ووجهات النظر، وذلكم أقصد تجاوز فساد الأحادية هو الإغناء الحقيقي لتطوير التجربة الثقافية وتنميتها.

لكن هل يؤمن كل منّا أنه لا يملك الحقيقة المطلقة وأن رؤيته الكاملة للجزء اللا مرئي خدعة بصرية وأن الأحادية التي تنطلق من مؤكداته هي إفساد للمنطق الثقافي أو على أقل تقدر لا تمثل كمالية المنطق الثقافي؟.

حسبما أعتقد لا يوجد من يؤمن بذلك على مستوى التطبيق لأننا ندعي مؤكدات ما نزعمه على الأقل في حدود الحاضر من المنطق المعرفي الذي نستلهم منه تلك المؤكدات الضاغطة على الرأي الآخر؛ لأن إبراز مصداقية مؤكدنا المنطقي هو حماية في ذاتية من الجهل الثقافي، مع أن المقابلة بين «مصداقية المنطق» و»الجهل الثقافي» ليست مقابلة تكافؤيّة سواء على مستوى الإثبات أو النفي.

ومن هنا تبدأ «إشكالية خدعة الأحادية» بين ما يجب أن نؤمن به وما تنزع له أنفسنا من سلطة التقرير.

فما يُفرض علينا كأدبيات ثقافية ليس كافيا لتحصيننا ضد الفردية والتطرف وأنانية المؤكد، وهو ما يبرز التفاوت بين القيمة وتطبيقاتها، التطبيقات التي تحركها نزعة سلطة التقرير التي غالبا ما توهمنا بغلبة مؤكد منطقنا الثقافي ونرجسية امتلاكنا الحق العام للحقيقة والمصلحة، وإن كان في ضوء المتاح من خواص المؤكدات.

وتلكم الخواص هي التي تحول اختلافاتنا الثقافية إلى صراع، لأنها تساعد على نمو مُفسدات الاختلاف الثقافي.

فثمة أمور مخصوصة تُفسد إستراتيجية الاختلاف الثقافي في الذهنية العامة والمشتركة.

وأول مفسدات ثقافة الاختلاف الثقافي، عدم الاتفاق على جذر الماهية، وأظن أن تحقيق الاتفاق على الجذر معضلة في ذاته، معضلة على المستوى الكمي والوصفي، لكن ما قد يتوافق على الجذر قد لا يتوافق على الهدف، ولذا تظل تحقيق معادلة متوازنة بين الكم والكيف لسلامة الجذر أمر به الكثير من الإجهاد في ظل تمسك الذهنية الشعبية بما فيهم المثقف بسلطة الإقرار والتقرير.

على الاعتبار فإن المقصد من الاختلاف هو «عقد نية التفكيك للشائع المُؤثر» بهدف تمييز مستوى المعرفة، أو تطوير الأفكار، أو المساعدة على تشريع قانون أو منهج.

ومن خلال التعريف السابق نلاحظ أن الاختلاف يقوم على افتراض توافق جمعي على الغاية والهدف، ورفض أي طرف من أطراف طاولة الاختلاف الثقافي لِم يدخل في اعتبار التوافق أو إمكانية تحقيق الهدف يفسد أصل الماهية، وحتى لا يتحول حوار الاختلاف الثقافي إلى «حوار بين الصم».

كما يفسد جذر ماهية الاختلاف الثقافي خاصية المعيارية، وتقوم تلك الخاصية على ثلاثة أشكال، هي «الصواب والخطأ»؛ أنا أملك الصواب وغيري يملك الخطأ.

ولا ينبني الاختلاف الثقافي افتراضا على أحقية الصواب والخطأ؛ أي أن طرفا هو من يملك الصواب والآخر على خطأ؛ لأن المعيارية خاصية من خصائص الأحادية وليس الاختلاف؛ كما أن المعيارية تجلب غالبا الصراع.

والشكل الثاني من المعيارية هو أن الدخول بخلفية الحق مقابل الباطل فهو أيضا يؤدي إلى تأطير الاختلاف بخاصية المعيارية وهي معيارية محرضة على التنازع على الحق العام لملكية التقرير.

كما يدخل في معنى المعيارية «توهم الانتفاع والإضرار» وهو الشكل الثالث، ولا أقصد «حقيقة الانتفاع أو الإضرار» لأن الحقيقة هنا تتضمن إثبات ناتج الإجراء، ليس كما التوهم إثبات لاعتبار غير إجرائي.

فالحقيقة التي تعتمد على إثبات نتائج الإجراءات غالبا لا تتضمن الاختلاف الثقافي؛ إنما تقويم المُخرج، لكن التوهم بالانتفاع أو الإضرار يعتمد على أثر القالبية سواء التاريخية أو الاجتماعية أو السياسية، وهذا هو المأخذ الذي يدخل الانتفاع والإضرار في معنى المعيارية التى تفسد حيادية الماهية؛ لأنها تتضمن الشرطية.

وقد يرى البعض أن الشرطية مقام من مقامات إثراء المنطق الثقافي، وهي لا تضر بماهية الاختلاف الثقافي بل هي العكس مؤشر لسلامة محتوى الاختلاف الثقافي.

وهذا لا اختلاف فيه، لكن الشرطية يجب أن تكون ناتج الاختلاف الثقافي لا مثيرا له، ومتى ما تحولت الشرطية إلى ضغط مثير أصبحت مفسدا للاختلاف الثقافي.

إضافة إلى أمور أخرى تدخل باب مُفسدات الاختلاف الثقافي وهي؛ دمج الثابت بالمتحول، صياغة المفهوم وفق اعتبار غير مناسب، تدخل الأثر الفئوي في تشكل محتوى الاختلاف، عدم التكافؤ بين المثيرات والاستجابات، انحياز قنوات التأثير الحكومية المختلفة.

دمج الثابت مع المتحوّل كحيلة لترسيم حد القيمة ونستطيع أن نحسب هذا المُفسِد أول مفسدات الاختلاف الثقافي وأخطرها؛ لأنه يحوّل الاختلاف إلى خلاف، وإن لم يحوّله فهو يحيط بالرأي المعتمد عليه بخاصية «الاتفاق»، ودخول خاصية الاتفاق «الغلبة الرمزية للتأكيد» فيه إيحاء بصحة الرأي.

وتعتمد علاقة الصحة بالاختلاف وفق مستويين نوع الصحة وتقدير درجتها.

ونوع الصحة هنا يقصد به تصنيف الفئة المنتمي لها وهي فئة «الإيمانيات، المفاهيم، الحقائق، التعميمات - الكليات -الجزئيات-».

أما تقدير درجتها فيقصد بها «الماديات - المعنويات - الاستثناءات - العرفيات - الغيبيات - العموميات».

وهذان المستويين نوع فئة الصحة، وتقدير درجة الصحة هما من يرسم إستراتيجية الاختلاف الثقافي، ومن خلالهما أيضا تنشأ بقية مفسدات الاختلاف الثقافي.

- جدة
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7333 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة