Culture Magazine Thursday  06/12/2012 G Issue 388
فضاءات
الخميس 22 ,محرم 1434   العدد  388
 
تغييب المرأة الإنسان
عبدالله السعوي

 

مع أن مفردات النص الديني – بقسميه الظاهر والباطن – قد أكدت وبحفاوة منقطعة النظير على مكانة المرأة وحماية جنابها بوصفها تصطف جنباإلى جنب مع صنوها الرجل في سياق المشاركة في القيمة الإنسانية, والنصوص التي لايُعقل عنها إلا ذلك الفهم تكتظ تترى وبوفرة ملحوظة مؤكدة هذاالمعنى الذي يقوّم المرأة من خلال إنسانيتها وقدراتها وإنجازاتها ومن خلال ماتتوفر عليه من حراك إثرائي منتج ومع كل ذلك إلاأن من يرسل طرفه متجولا في أرجاء واقعنا الإجتماعي سيصطدم ومنذ المعاينة الاستهلالية الأولى بواقع مؤسف وسيهوله ماتعج به الساحة الراهنة من تصاعد معدلات ظواهر الحيف وسيكتشف عمق الإجحاف الذكوري الذي يمارَس إزاءها من قِبَل شريحتين تقتسمان جريرة المصادرة لحق المرأة وتغييب إرادتها وكبت طاقاتها وقمع تطلعاتها لمبارحة الهامش نحومتن المشاركة الإنتاجية الفعالة.

هناك شريحة لاتفتأ تمارس ألوانا من تهميش العنصرالنسائي والتعاطي معه من منطلق الدونية والإحتقار وحرمانه من أبسط الحقوق – كالإرث مثلا- فضلاعن أن يُسند إليه مهام قيادية تتناغم وطبيعة التكوين الفطري؛ المرأة هنا وبفعل تلك السادية المتأصلة ليست إلا مخلوقا من الدرجة الثانية ولذلك يجب أن تكون دائما قابعة في الصفوف الخلفية فهي مجرد تابعة خانعة وكأنها تدفع ضريبة أنوثتها التي قصَرت بها عن مقام الذكورة وأبقتها حبيسةً لاتتجاوز إطارالتبعية والانقياد!

المفاهيم هنا مقلوبة فالأنوثة المكرمة باتت هنا حجرعثرة وحاجزاستراتيجي يمنع المرأة من التفوق ويعوق حركة تقدمها في ميدان القيم الفاضلة ويدفع بها لتحتل مرتبة متدنية في موقع التبعية والتسليم الأعمى.

وهناك في المقابل شريحة أخرى لاتفتأ تدّعي على الصعيد التنظيري أنها هي – فقط – من يتبنى اجتراح حماية جناب المرأة والذود عن حياضها بينما هي على الصعيد التطبيقي لاتَكلّ من العمل على شيئنة المرأة واختزال كينونتهاالعظمى ابتغاء تعريضها لمواطن الابتذال عبردفعها لتَجَشّم وعورة التلبس بمواقعة فعل ثوري يتصادم بالضرورة مع جغرافية تكوينها الذاتي العام.

تلك الشريحة لا تتحدث عن حقوق المرأة المطلقة أو المعلقة أو الأرملة أو العاطلة وإنما هي تمتهن لونا من التمحور المطلق حول تضاريس الجسد الأنثوي والتعاطي مع المرأة بوصفها (قِنّا) يراد استرقاقه وكائنا إغوائيا يعاني تصحرا قيميا يبيت على إثره متمحضا لإشباع الغرائز المتحفزة ولتفريغ التنفيس الشهوي!

تلك الفئة تمارس ضربا من التسطيح الهامشي لدورالمرأة وتجاهلا لمقوماتها الانسانية ولذلك استحالت المرأة وفقاً لهذا المفهوم إلى مجرد وجود دوني هامشي, إنها ليست إلا محلا للإفضاء الفوضوي وعنصرا إغرائيا تمت سلعنته (أي تحويله إلى سلعة) واختصاره في بعد غرائزي يستقطب الفحولة العاجزة عن كبح جماح نزواتها!

ومحصول القول: ليس بمقدور المرأة ممارسة دورهاالوظيفي الفاعل إلامن خلال تأسيس وعيها بذاتها وتعريفها بقيمتها ودورها وفتح وعيها على حقوقها -وهذا هو الأهم - صياغة قوة قانونية وسن أنظمة صارمة تحميها من التحرش وتقيها متتاليات نزعات التسلط الذكوري الذي يتعاطى معها من موقع الهيمنة والاستبداد.

Abdalla_2015@hotmail.com – بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة