Culture Magazine Thursday  06/12/2012 G Issue 388
تشكيل
الخميس 22 ,محرم 1434   العدد  388
 
محطات تشكيلية
ولد في حضن مخلفات الأثاث والأجهزة
الميديا فن الوسائط استمد هويته من الفنون الجميلة وتمرد عليها نحو المعاصرة
إعداد: محمد المنيف

 

فنون واتجاهات ولدت بالمصادفة في الستينيات، تبناها فنانون مغمورون في وقتهم، وجدوا فيها بوابة نحو فضاء حرية التعبير، مكان ولادتها مخلفات وسكراب ومستودع، لكل ما يقذف بها من العدد والأدوات، ومن أثاث وأجهزة غير مرغوب فيها أو انتهت مدة صلاحيتها، كان دوشامب الفرنسي رائدها وأكثرهم جرأة في كسر حواجز برجوازية الفنون المتعارف عليها في القرون السابقة، أبرزها عصر النهضة وما أبقته من أساليب أكاديمية كان حضورها نفعيا قبل اختراع الكاميرا، هرب بها جيل الفنون الحديثة من تلك القوانين المحكومة بقياسات في بناء العمل لبلوغ الجمال، نحو هدف أبعد من ذلك نحو ما وصفه بعض العلماء والمفكرين ومنهم الفيلسوف هيجل بالـ(الجمالية)، ويعني بها ما هو أبعد من الشكل إلى مرحلة المعنى، أو الفكرة على حساب كيفية التنفيذ. كان الفرنسي دوشامب أول من أطلق تلك اللعبةالإبداعية، بكل عيوبها، ومحاسنها بدءا من المشغولات غير الصالحة للاستعمال، أبرز سبل التعبير في هذا الاتجاه ولتكن (المبولة) التي اشتهر بها دوشامب و(دراجته) دليلا على ما يمكن التعريف به للأعمال التي سميت بالمفاهيمية، اتفق عليها الكثير من النقاد والفنانين، في وقت لا يرغب البعض الآخر أن تحدد أو تسجن في صفة أو عنوان، فهي هلامية الصفة، متعددة الأدوات،

الحائط العازل للفنان أبو مسمار

متغيرة حسب ما يميله الزمن أو مستوى إدراكها، تبنى مارسيل دو شان، فكرة الفن الجاهز) وفن الخروج عن المالوف بتشويهه لوحة (الموناليزا) بإضافته عليها شاربين ولحية، صدم العالم (بمبولته) كرسي الحمام الشهيرة لانتشلها من قيمتها المحتقرة إلى مقام التحفة الفنية، إلا أنه ورغم شهرته التي تلقاها في نيويورك بعيدا عن وطنه فرنسا، لم يعترف به مجتمعه الفرنسي ولم تهتم صحفه إلا بخبروفاته، وفي مكان غير بارز، في الوقت الذي منحته له (نيويورك تايمز) صفحتها الأولى لهذا الحدث.

> فن أتي من رحم ما سبقه من الفنون وإذا اعترفنا جدلا بهذا الفنان، وبهذا المنحى الذي جعل له من بعده سيلا من المتأثرين والتابعين، فعلينا أيضا ألا ننسى أن الفن الذي يعتني ويهتم بالفكرة، ليس جديدا أو نتيجة لهذا التحرك من دوشامب، ولا للحراك الثقافي في القرن العشرين، بقدر ما هي نتيجة لتراكمية حضوره، فهو يظهر أحيانا جليا في كثير من الفنون، ويختفي حينما لا يجد الاهتمام من المجتمع الذي ولد فيه، ولنا في تاريخ الفنون الكثير من الشواهد، خصوصا في الفنون التي خلفتها الحضارات، إذا اعتبرنا أن هذا الشكل من أشكال الإبداع نتاج إنساني، لا يمكن أن ينسب لعصر دون آخر، ولا يعزل ابتكار عن سابقه عند التعامل بأفكار تعالج مدركات الذات، وتركز على الموضوع, وتفرز حالة الأنا وتكشف لنا الآخر إبصارا وبصيرة، لتندرج ضمن العنوان الجديد (الفنون المعاصرة) التي تهيئ مسبقا أو تتجاوز الحداثةالأوروبية (الحداثة المعاصرة) تحركا نحو البحث عن سبل جديدة، تطور أو تتخلص وتنعتق من تقاليد الفن النفعي (الصنعة) جراء ما أحدثته الحروب العالمية.

وما أحدثته الثورة الصناعية التي سعت لتغييب وتحويله إلى مكمل للآلة الشرسة، كان لا بد من التمرد وبشراسة تعادل شراستها ليجد المبدعون في الحداثة مع بداية القرن العشرين مساحة من الحرية أشرعت لهم أبوابها للتمرد والغوص في أعماق العقل. لقد كان لتحرك وابتداع دوشامب المستقبلية مع من سار متوازيا معه ومنهم الإيطالي مارتيني والروسي مايوكفسكي, وبعدهما بأجيال الياباني اون كوارا, من خلال بحثه عن الجمالية (الفكرة) في القبح، فيما ما تقع عينه عليه من الجاهز والمهمل, وغير المنظور له مبتدعا قانون الافتراضي فيما سيأتي من تفسير للمنتج، متحملا فيها النجاح أو الفشل، يراها المتلقي غامضة، عودا إلى أهمية التعامل معها عبر الثقافة الذهنية واستفزاز ملكاتاكتشاف ما وراء الذوق، والتلذّذ الجمالي وتشجيعها لكشف وتحليل المشهد بعيدا عن سوء الفهم.

فأصبحت تلك الأعمال أكثر راديكالية لا يتقبلها إلا ذهن حر يتقبل ويقبل ما هو غير مألوف ويغض الطرف عن المقارنة بالعالق في ذهنه من الأعمال الأكاديمية في الفن.

> تعدد الوسائط وتطور مفهوم المفاهيمية

لم تتوقف الفنون المعاصرة ذات المنحى (الفكري والموضوعي) عند حدود التعامل مع الجاهز من الوسائط بقدر ما طوروا سبل التعامل مع تقديم الفكرة، وصولا إلى لفوتوغرافيا أو الصورة، بكل تجهيزات التصوير والعرض من تدخل، وإعادة تركيب الصورة كمجال أو وسيط به كل الخصائص التي تجعل منه فنا مناسبا للحالة المعاصرة، برز من الفنانات اللائي ذهبن في هذا الاتجاهشيري ليفن التي أخذت أعادت إنتاج صور لمصورين سابقين من رواد التصوير الحديث. متأثرة بتدخل دوشامب في لوحة الموناليزا مع اختلاف التطبيق والرسالة أو المضمون، إضافة إلى ما تبع ذلك من تعامل مع الصورة المتحركة عبر إنتاج أعمال بالفيديو أطلق عليها (الفيديو آرت) أخذت مساحة وأهمية في مختلف المعارض الحديثة.

> إبداعنا المحلي وتجربة الفنون الحديثة

لاشك أننا وفي هذا العصر الذي تقاربت فيه السبل، وأصبح العالم منزلا لعائلة واحدة أكثر منه قرية صغيرة كما كان يوصف، ولهذا فما يحدث في العالم يصل ألينا ومن بين تلك الثقافات ما يحدث في عالم الفنون، فالإنسان هو الإنسان في كل مكان في العالم، مع الاحتفاظ بالقيم والتقاليد وثقافة كل مجتمع، ومن هذا المنطلق برزت لدينا أعمال حديثة ومعاصرة منها ما حقق حضورا عالميا وحظي بالإعلام ومنها ما مر مرور الكرام في حدود معينة نذكر منها إبداعات الفنانين الحداثيين فيصل السمرة وبكر شيخون وكمال المعلم في الأعمال الفراغية وعبدالعزيز عاشور وعبدالرحمن السليمان في الأعمال المسندية وصولا إلى الجيل الشاب والمغامر منهم أحمد ماطر وعبدالناصر غارم وإبراهيم أبومسمار ومن الفنانات منال الضويان ومها الملوح. كما أن لهذا الفن اهتمام رسمي برز في إقامة أول معرض للفنون الحديثة المعاصرة بعنوان فنون الميديا وتعني الوسائط، حظي بإقبال من المشاركين كان من بينهم الفنانون فيصل الخديدي، وراشد الشعشعي، وعبدالله المرزوق، وفهد القثامي، وغيرهم.

> قالوا عن الفنون الحديثة

> على الفنانين أن يحلموا ويغامروا في هذا القرن لاستكناه حقيقتهم الجديدة متمثلين بسلفهم الفنان العربي الإسلامي. بلند الحيدري.

> يتنزَّلُ الفن، في الإجمال، في الواقع من دون أن يكون واقعاً بالكامل، ناشراً عالماً متوهّماً يحلو لنا العيش فيه أحياناً -لا في صورة دائمة- بدلاً عن الحياة اليومية).. مارك جيمينيز.

> إن مبدأ الإبداع مماثل لمبدأ الانبعاث, الشكل القديم تصلب وعليه أن يتحول إلى هيئة مليئة بالحيوية, بالحركة التي ترقى وتشجع, أن تنتعش الحياة والروح وينشط العقل هاينز شتيغل.

monif@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6461 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة