Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
فضاءات
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
ملتقى نابل الدولي للسينما العربية
قاسم حول

 

لماذا تمكن التونسيون ترتيب البيت التونسي بفترة قياسية بعد التغيير وبأقل الخسارات؟! إن دلالة ذلك هو الوعي، وعي الشعب التونسي، وهو في الوقت الذي حقق فيه إنجاز التغيير أقر أيضاً الديمقراطية واعترف برغبة الأكثرية في البديل، لكنه في ذات الوقت بقي رقيباً للبديل أن لا يعتدي على الحلم، حلم الناس المشروع في حياة معاصرة ومتقدمة وتسودها الحياة الثقافية بل وتلعب دورها في عملية البناء. هذا واضح ويلمسه كل من يزور تونس.

افتتحت في مدينة نابل الساحلية الجميلة الدورة الثانية لملتقى نابل للسينما العربية. وفي ليلة الافتتاح وبعد أن تم تكريم عدد من المبدعين التونسيين واثنين من السينمائيين العرب وهما الدكتور أسامة عشم وصاحب هذا المقال قدمت مشاهد تعبيرية راقصة لفرقة تونسية قدمت مشاهد من أفلام استعراضية أمريكية بشكل حي وبإنارة توحي وكأنها على الشاشة مأخوذة من الحقبة الذهبية للسينما الأمريكية. ذكرتنا بمارلين مونرو وفريد آستر وجين كيلي ودوريس داي وغيرهم من نجوم السينما الأمريكية ثم شاهدنا الفلامنكو الغجري بأداء متقن وجميل. كل ذلك قد تم بقدرة غير عادية. هذا يعني الحكومة في جانبها السياسي تؤدي قناعاتها وبرنامجها السياسي الاقتصادي الإجتماعي والناس يؤدون قناعاتهم الثقافية بل ويواجهون كل ما يحول دون مسارهم الثقافي المشروع. هذه المعادلة السياسية الثقافية هي التي تسود تونس الآن على خلاف ما جرى ويجري في بعض البلدان العربية من ربيع عربي لم يتمكن حتى الآن من ترتيب البيت وإعادة كل شيء في مكانه الصحيح وإزالة الخلل السابق من الحياة لكي يصبح للربيع معناه وينعم المواطن بنسيم الربيع غير الملوث!

المهرجان اعتمد القيمة الثقافية وليست قيمة «الشو» الاستعراضية. لا سيارات ليموزيل ولا سجاجيد حمراء بل ثمة حافلة سياحية مفتوحة وهي على شكل عربات تجر بعضها ويقود عربتها الأولى السائق فكان المشهد ممتعا في الهواء الطلق بدون متورسيكلات وتوقفت العربة أمام المركز الثقافي «نيابوليس» ونزل السينمائيون ليستقبلهم رئيس المهرجان الطاهر الجارودي مع مجافظ الولاية محمد جاب الله ليشاهدوا مع الجمهور أفلاما متميزة غيرتجارية. مهرجان يبدو فقيراً بإمكانته المالية لكنه كان غنيا بعطائه السينمائي والثقافي.

عندما يكون الهدف ثقافيا وليس دعائيا ومتواضعا وليس باذخا بدون هدف ثقافي يصبح للملتقى قيمة يسجلها التاريخ الثقافي وتحفظ في الذاكرة. لقد عودتنا تونس في مجالات كثيرة ومنها السينما على أهمية الثقافة المرئية في الحياة الاجتماعية. فتونس صاحبة النوادي السينمائية المعروفة هي أيضاً صاحبة مهرجان قرطاج أول مهرجان سينمائي عربي دولي. أنطلق عام 1968 برئاسة الطاهر الشريعة رحمه الله. وبقي إشارة في مهرجانات السينما العربية التي تشكلت فيما بعد.

وتونس هي صاحبة مهرجان قليبيا لأفلام الهواة التونسيين والهواة في العالم. فالمهرجان ذو شقين. وكلمة الهواة ليست استهانة بالحرفة السينمائية بل إن المهرجان يعطي فرصة لغير المحترفين وليس للمبتدئين بأن يقدموا أعمالهم على مستوى سينمائي يتفوق أحياناً على قدرة المحترف. ولقد شاهدنا في ملتقى قليبيا في السنوات الفائتة أعمالاً سينمائياً أدهشت الحاضرين وكانت صالة العروض تستوعب أكثر من ألف شخص، تمتلئ كل يوم ويعود ذلك إلى الثقافة السينمائية التي نشرتها نوادي السينما في تونس.

يأتي ملتقى نابل الذي انعقد للفترة من الرابع من مايو حتى الثاني عشر منه في دورته الثانية ليؤكد أهمية السينما في الحياة التونسية. من خلال هذا المهرجان يمكننا أن نقرأ السينما العربية الصحيحة حيث شاهدنا أعمالاً هامة مثل «مرسيدس» للمخرج اللبناني هادي زكاك وبرد يناير للمصري سعد روماني وفيلم «فيلم» للمغربي محمد أشاور ووداعاً بابل للعراقي عامر علوان وفيلم «جلد حي للمصري فوزي صالح» وفيلم «كيرم» للسعودي حمزة طرزان، وفيلم دمشق مع حبي للسوري محمد عبدالعزيز وفليم «شتي يا دني» للبناني بهيج حجيج و»المغني» لكاتب هذه السطور. وقد ساهم الوفد الإيراني غير الرسمي بأفلام هامة عبرت عن شجاعة السينما الإيرانية المختلفة!.. كما أقيمت ورشات عمل على هامش المهرجان أشرف عليها سينمائيون عرب وقدمت نتائجها في ختام المهرجان وعلى الشاشة!

هذا الملتقى السينمائي وجه إشارات جديدة وحقيقية لثقافة سينمائية آتية هي غير السائد وغير المألوف وسنتوقف عند بعضها في مقالة قادمة.

k.h.sununu@gmail.com هولندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة