Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
مراجعات
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
استراحة داخل صومعة الفكر
لا أعرف إلا الحب (بدر عمر المطيري)
سعد البواردي

 

130 صفحة من القطع المتوسط

من يعرف الحب يعرف كل شيء.. يعرف العدل.. يعرف الرحمة. يعرف الوفاء. يعرف الصفاء. يعرف الخير.. يعرف الحياة بكل إيجابياتها.. حسناً عرف شاعرنا أجمل ما في الحياة.. وأعز ما في الكون.. ولأن الشعر بوح.. ولأن المشاعر خلجات إنسانية يطرحها صاحبها متى صدق مع نفسه.. ومع ضميره..

الشعر عندي هكذا يقول:

تعبت من نشر أشعاري ليقرأها

كل العوالم من عجم ومن عرب

الشعر عندي أزاهير أنمقها

ليستظل بها المكدود من تعب

الأزاهير يا صديقي لا تصنع ظلالاً.. بل تعطي أريجاً حسناً لو قلت (أشجار)، بل أزهار.

من دون شعر حياتي كلها حطب

وداخلي النار تحيي حمرة الحطب

إن الحياة لمأساة تفيض أسى

لولا الأبيات ألقيها بوحي نبي

الأبيات هنا نافرة ومخلة بوزن الشطر.. الأنسب (لولا المشاعر) يأخذنا شاعرنا معه إلى (حلوة العينين):

صبوت إلى عينيكِ صبوة شاعر

رأى الحس في عينيكِ.. والحب زاهيا

الأفضل من الحسن في العينين (السحر في عينيك)

يرفع عقيرة صوته مخاطباً:

أحبك. لا أدري عن الحب إنما

أحبك في صدق. وأهواك ثانيا

فيا حلوة العينين رفقاً بشاعر

يحبك مجنونا.ويهواك صاحيا..

(يحبك مجنونا) الأنسب منه (يحبك مجنون)

فما الجنس ناداني. وليست غرائزي

تؤز فؤادي في وصالك لاهيا

ولكنه حب تملّك خافقي

وسحر لطيف من هواك دعانيا

(شوق عنيف) أجدى من (سحر لطيف)

وعن الفقر اختزله في أبيات أربعة معبِّرة

الفقر ليس بعار يا أخا العرب

عار الغنى حينما يخلو من الأدب

وإنما المال. بعض المال غاية من

حياته لم تزل في اللهو واللعب

(ثاني الهوى) أفرد له أبياتاً ثلاثة.. دون أن يدلنا عن (أول الهوى)..

البدر يهدي الأماني وهو ثالثنا

و(بدر) ثاني الهوى يهديك ألحانا

يبدو أن البدر بدران دون أن أدري. الحب يطارد صاحبنا في حركاته وسكناته فما إن يفيق على حب حتى يعاجله حب آخر.. هكذا قال عنوان الديوان:

إذا كان يا ليلى هواك جديدا

فحبي أضحى في الزمان قديما

عرفت الهوى طفلاً. زمان براءتي

وما كنت في أمر الحياة عليما

لهوت به لهو الصغير معلقا

أمانيه في لهو يراه عظيما

وهل كان غير الحب أعظم عالم

أحس به ملء الفؤاد رحيما

لقد عَرَف الحب.. وعرَّف الحب لليلى حتى لا يجفل قلبها.. وتظن شراً.. حسناً صارحها.. وله رأي في الخداع لخصه في بيتين اثنين لا ثالث لهما:

قد كان ظني أن قلبك أخضر

الحب مغروس به. ومسطر

لكن..! وقد خيبت ظني.. لم تكن

إلا الضغينة عن أساه تعبر

الشطر الأخير يحتاج إلى تغيير تصحيحاً للفكرة.. وتعديلاً للوزن.. حبذا أن يكون على النحو التالي: إلا الضغينة في أذاها تكبر، عنوان طويل لقصيدة متوسطة الطول يقول (يا أجمل الحلوات في سر الهوى) بدايته أمَرْ:

لا تقرئي شعري فجلُّ قصيدي

حب. وتصوير للحظة موعد

أو أنه وصف لحسن جامح

قيدته بقصائدي لا باليد

لا تقرئي شعري فأنت بعيدة

عني. وعن إحساس قلبي المجهد

قد تقرأين الحب عاراً. أو لظى

نار إذا ما جئته لم أسعد

كلا.! فشعري في تواصيف الهوى

يعطي لمعنى الكون إحساس الندى

ويسترسل في توصيفه للحب:

الكون بالحب الجميل كواكب

في أيها نرجو الهداية نهتدي

والكون في لحظات عشق جنة

الأمس يرسم بالرضا حلم الغد

وينتهي بنا المطاف إلى بيته الجميل:

إن تزهدي بالحب أو شعر الهوى

فتعلمي معنى الهوى ثم ازهدي

(ظمئت للحب حتى ملني ظمأي) عنوان مرسوم على حائط حبه المتواصل:

يا حلوتي لم يعد في العمر من سلوى

مذ غاب وجهِك عني أيتها السلوى

(أيتها) مخلة بوزن الشطر الأخير.. الصحيح (أنتِ يا سلوى)

يا حلوتي. الغياب المر أقلقني

ما عدت أفراح لا جدا. ولا لهوا

إلا رجوعك.. في رجعي الهوى فرح

بالوصل أحيا. ومن ثغر الهوى أروى

مفردة (رجعي) في البيت الأخير تعاني من زائدة يحسن استئصالها كي تكون (في رجع الهوى) شاعرنا اللذيذ المتيم والمغرم أبداً يشعر بوحشة الغربة.. والمنفى الحقيقي.. منفى الحب المحبب للقلب

أتيت وحدي على الأشواق أتكئ

فأنت منفاي. لي أرض وملتجأ

وغير عينيكِ لم أختره لي وطنا

عيونكِ السود منها الحب يبتدئ

خير المنافي عيون أنت تعشقها

لا تخش حينما. ولا يغتالك الظمأ

لو أن هذا المنافي خيروا وطنا

ما كان غيرهما دار لمن لجأوا

أبيات رائعة في رسمها للصورة. في توصيفها وتوظيفها للمفردات أشعر أن شاعرنا أعطاها الكثير من التفكير.. (تحية لزوجتي).. وكي لا تغضب عليه. وتغار من هيام حبه الذي لا ينقضي.. ولأنه يحبها أيضاً منحها من مشاعره باقة شعر:

يا عذبة الروح.. يا نوارة الدار

يا كوكب الحب في ليلي. وأسماري

جميلة انتِ في بُعد ومقترب

كالبدر ما زال يهدي ضوؤه الساري

آمنت أن الهوى من زوجتي حبق

وما عداه فجمر من لظى النار

وحتى لا تغضب أمه.. وكي لا يكذب:

إلا محبة أمي فهي أول من

أسعى إليها محباً غير مختار

الحب دون اختيار ينتقص من قدره ويصمه بالمغامرة.. أو الفرص القسري. وكي يصحح الفهم أبدل حرف الخاء في كلمة مختار بالحاء المهملة.. ويعود إلى زوجته من جديد بعد أن مهد السبل بما يرضي من الشعر..

يا زوجتي ما معي مال.. ولا ذهب

أهديكِ إياه، لكن كنز أشعاري

فإن قبلتِ بشعر الحب فهو رضىً

يغنيكِ عن زيف دولار ودينار

ولو ملكتِ أماني الشعر ما بخلت

يداي عنكِ.. ولم أمنح بمقدار

لوحة من القلب رسمها شاعرنا بكل حب لمن يحب. شاعرنا المتيم دائماً طوَّف بأكثر من مكان.. فطيبة الطيبة كان عشقه لها استثنائياً.. الشام التي غنى لها قائلاً:

إن قيل ما الشام؟ قلت الشام دنيانا

نلقى الأماني بها شوقاً وتحنانا

في هدأة الليل نسري للشآم. وما

في الشام إلا الهوى والحسن نشوانا

ومنها إلى الصحراء إلى نجد التي شبّه غرامها بالشيح

غرامكِ يا نجدية الدار مغنم

بأحضان تحيا القلوب وتنعم

غرامكِ مثل الشيح بالطيب مفعم

وكل الذي ما فيك أزكى وأفعم

أقول لشاعرنا المطيري ما قاله شاعر قديم

أعد نظراً يا عبد قيس لعلما

أضاءت لك النار الحمارَ المقيدا

أعد نظراً في الشطر الأخير من البيتين النجديين.. أوردته فنفيت فيه بماء النافية ما هو أزكى وافعم.. أعد صياغته كي لا تغضب النجدية فترميك بشوكها.. وشيحها.. وصبارها.. قل (وكل الذي تهوين أزكى وأفعم). ويسترسل في غزوه الصحراوي لعروس صحراوية:

ملكتِ فتى كل التجارب خاضها

وطار إلى العلياء وهو مكرم

فما بقيت إلاك تجربة الهوى

بها يزدهي الفكر العجيب. ويلهم

البيت الأخير تحسن صياغته من جديد. فتجربة الهوى غير مستساغة. والفكر العجيب تعبير غير رومانسي.. اقترح الآتي:

فما بقيت إلاك حافظة الهوى

بها يزدهي الفكر السليم ويلهم

ويمضي في حاجة الوجداني:

حنانيك يا ليلاي رفقاً بشاعر

رقيق الحواشي بالخيالات مغرم

هو العشق لم يختر سواه طريقة

عفاف. وإقدام. ونبل ومغنم

كل هذا يكفي كي نصدقك. هذه المرة يطارده هواها فما يجد محيصاً من ضائقته غير الهرب اللذيذ:

يلاقيني هواكِ بكل درب

فمن عينيكِ كيف لي الخلاص

كأن هواكِ موت يقتضيني

فمالي عنك أو عنه مناص

هاتف معشوقته الجديدة فلم ترد عليه فخاطبها:

ما فعلتُ ليصمت الجوال؟

إن الصبايا صوتهن حلال

ان كنتِ نائمة فأعذر نائما

أم أن ذاك تمنّع ودلال؟

لذيذ المشهد رغم قِصره.. محطات كثيرة مشحونة بالحب والهيام مررنا عليها مرور الكرام يتعذّر الوقوف عندها لأن فرصة الزمن قصيرة والعين بصيرة.. اختار هذا المشهد الوجداني كي أختتم به رحلتنا مع شاعرنا اللذيذ بدر عمر المطيري في ديوانه (لا أعرف إلا الحب). وكان صادقاً.. كل قصائده تتنفس حباً.. وتنهل حباً. وتطعم حباً ولكن بمقدرة فائقة لم أعهدها في شاعر قبله.. المشهد كما اخترته لوردتين اثنتين لا وردة واحدة كما عوّدنا في وجدانياته المتعددة..

(ندى) هي الحب.. بل أحلى من الحب

أما (دلال) فعطر سال في دربي

رُدّا علي فؤادي فهو عندكما

أو اتركاني هنا لا تأخذا ذنبي

هل نلتقي مرة أخرى على أمل؟

لعلني أطفئ الأشواق بالقرب

فتسعد الروح باللقيا وأغرق في

نهرين من عسل يشفى به قلبي

وبعد: كانت ممتعة رحلتنا مع شاعرنا الوجداني بدر المطيري.. الذي نقلنا من أرض إلى أرض.. ومن حسناء إلى أخرى. ومن مداعبة إلى ملاعبة لا حرمة فيها. فالشعراء يقولون ما لا يفعلون.. إن زادهم الخيال.. ومطيتهم أبيات مموسقة تارة.. وملتهبة أخرى.. ولكنها لا تحرق.

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة