Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
مراجعات
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
هل نحن في قلب صراع ثقافي جديد؟ (3)
فاضل الربيعي

 

إن إقامة نصب تذكاري للجندي المجهول، مثلاً كتعبير عن رمزية التضحية المقدّسة في المجتمع، هو دليل على نشاط محددّ للدولة في حقل الرموز الوطنية، القصد منه بعث الشعور بالواجب الجماعي حيال الوطن والتضحية من أجله دون ترددّ. وحتى وقت قريب لم يكن أحد في المجتمع، ليجرؤ على المس بهذا المقدّس الشعبي والوطني. لكن، فجأة بات هذا الرمز يواجه تحدياً غير متوقع من رمزيّات جديدة للتضحية، ساعدت وسائل الإعلام على إشاعتها، كما هو الحال مع النصب الذي بناه على عجل مجموعة من الفنانين الهواة خلال احتلال بغداد عام 2003، بمساعدة شركة أمريكية وبتغطية إعلامية مكثفة محلية ودولية، وعرف باسم نصب (الناجين) وكان الغرض منه أن يكون بديلاً من نصب الجندي المجهول أو ليحلّ محله رمزياً. كان هذا النصب القبيح والعشوائي من الناحية الهندسية والفنية، أول عمل تلازم ظهوره في أكبر ساحات بغداد وأشهرها (ساحة الفردوس) مع عمليات تحطيم صاخبة لتمثال الرئيس العراقي صدام حسين. والمثير للدهشة أن اختيار هذه الساحة لم يكن عفوياً وبريئاً كما صوّرته وسائل الإعلام الغربية والعربية (الجزيرة مثلا). إن العودة إلى أرشيف غزو العراق، يمكنها أن تبيّن بدقة، كيف أن وسائل الإعلام سلطت الضوء بشكل مدروس على هذا الجانب من محو الرموز وإحلال رموز محلها بالتلازم مع تغطية عملية الغزو، وحين جرى التركيز على صورة أول دبابة أمريكية تدخل بغداد في لحظة مرورها من تحت نصب الحرية، أعظم الشواهد الفنية وأروعها في العاصمة العراقية. لقد كثفتّ وسائل الإعلام العالمية رؤيتها للغزو الأمريكي للعراق، وقامت بترميزه باستخدام علامات دّالة، فحين تطلب إدارة محطة الجزيرة من محرريها مثلاً، مادة وثائقية أو سياسية عن الغزو الأمريكي، ينصرف الذهن تلقائيا لمشهد إسقاط تمثال الرئيس العراقي، أو الدبابة التي تعبر من تحت نصب الحرية. لقد أصبحت الصورة علامة. وهذا ما تكررّ في أحداث بنغازي وطرابلس والمدن السورية، حين تلازمت أشكال الاحتجاج مع رفع العلم القديم وتدمير النصب والتماثيل.

يُقصد ب (بالرموز الوطنية) كل منظومة العلامات الاجتماعية والثقافية والروحية الدّالة على هويّة وطنية جامعة، مثل النصب التذكارية والعلم والنشيد الوطني ومؤسسسات الدولة الوطنية الحسّاسة مثل مؤسسة الجيش. وحين تصبح هذه المنظومة في قلب الصراع الاجتماعي؛ فإن الصراع نفسه سوف يشهد تحوّلا مذهلاً، ولا يعود مجرد صراع على رمزيّات أو علامات، وإنما سجالاً لا هوادة فيه حول الهويّة، تنخرط فيه قوى وجماعات من خارج المجتمع نفسه، أي جماعات قادمة من المحيط الجغرافي للبلد، ترى نفسها هي الأخرى طرفاً في الصراع حول الهوية، وأنها تملك الحق القومي أو الديني - المذهبي في الانتصار لطرف ضد طرف آخر. وفي سياق هذه المعركة الخفية التي جرت مرة في ساحة العراق، ومرات أخرى تالياً في ساحات ما يعرف ب(بلدان الربيع العربي) تمّ فعلياً تطبيق استراتيجيات محو الرموز erase symbols بشكل منهجي. وكما بينت تجربة احتلال العراق 2003، فقد كانت هناك هناك ثلاثة محاور رئيسة، لعب فيها الإعلام دوراً مذهلاً على مستوى تقديم المساعدة اللازمة لتسريع عمليات تحطيم (ومحو) الرموز.

الأول: الترويج لعلم وطني بديل عن العلم الرسمي للبلد.

الثاني: تحطيم سمعة الجيش باتهامه بالخيانة.

الثالث: الترويج لأنباء عن عمليات اغتصاب للنساء ترتكبها الأطراف المتصارعة.

هولندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة