Culture Magazine Thursday  09/02/2012 G Issue 362
أفق
الخميس 17 ,ربيع الاول 1433   العدد  362
 
مقاربة
خالد اليوسف في روايته الجديدة «نساء البخور»
يلتقط الراوي مفارقة الزمن الغابر وتجلياته
عبدالحفيظ الشمري

 

ينفذ الروائي خالد اليوسف من روايته «نساء البخور» إلى عوالم عميقة مسكوت عنها منذ عقود؛ حيث يلتقط من خلال الشخصية المحورية «مريم الورقاء»، وما حولها من شخصيات ووجوه وشواهد مكانية وزمانية، مفارقة الزمن الغابر وتجلياته، وما عصفت به من أنواء التغيير والتحول، فكانت حكاية الزمان هي التي تحضر بقوة في سياق إبداعي ينصرف إلى التقاط الإشارات المهمة في هذه الحالة الإنسانية المليئة بالتحوُّلات.

ف»نساء البخور» أو نساء السوق هن من قمن بعرض قصة التحول والبناء في المجتمع؛ حيث أوعز الروائي اليوسف إلى هذه الشخصيات بأن يقدمن كل ما لديهن من حكايات منوعة، ولم ينسَ التفاصيل الدقيقة؛ إذ سعى جاهداً إلى تضمينها في ثنايا النص بوصفها رافداً مهماً من روافد حكاية التحول المادي متمثلاً في سوق «المقيبرة» في العاصمة الرياض وما حوله من أسواق شهدت العديد من المواقف والطرفة.

شخصية «مريم الورقاء» نالت الحضور الوافي في ثنايا السرد، بل استطاعت أن تجعل منها شاهداً قوياً ومؤثراً في رغبة المجتمع في الحياة في بدايات التكوين الحضاري للعاصمة الرياض، فلم تكتفِ هذه الشخصية المحورية بسرد تفاصيل حياتها الخاصة، إنما عنيت بتتبع منعرجات السوق وتحولات البيع والشراء، بل إنها ظهرت في ثنايا السرد وكأنها شخصية نافذة حتى على الرجال حينما وظفت في معيتها «سعيد الأعرج» و»شهاب الدين» ونسوة أخريات حولها؛ ليكون الجميع محتكمين في مقولاته للبيئة الجديدة وتحولات العالم من حولهم.

فلم يتوقف هؤلاء الشخوص في رواية اليوسف عند حدود سوقهم وطلب الرزق من خلال منتجاتهم اليدوية، إنما جاء الحضور كثيفاً وناقلاً للعديد من الصور والتخيلات والأهواء والأنواء التي كانت تعصف بالأمة آنذاك، على نحو نكسات العرب وحروبهم الخاسرة مع العدو الإسرائيلي؛ فقد اختلط في الرواية الهمّ الخاص ممثلاً بتفاصيل حياتهم وتعبهم بما هو عام متمثل في تحولات الواقع السياسي في الوطن العربي.

لم تخلُ الرواية منذ سطورها الأولى من وجود المرأة بوصفها المحرك الرئيس الذي تدور مفصلات الأحداث عليه، بل إن العنوان «نساء البخور جاء» جاء معززاً لفرضية واقع الحياة الممكن للمرأة حينما تخوض تفاصيل البحث عن الرزق جنباً إلى جنب مع الرجال دون وجل أو تردد، وبحدود إنسانية ملتزمة وسلوك محتشم؛ لتؤدي المرأة النموذج في السوق المحلي رسالتها الإنسانية، حيث يثبت ذلك من خلال ما ذكره الكاتب اليوسف في ثنايا الرواية (الصفحة 29) على وجه التحديد حينما جرت المساجلة بين المرأة ورجال الحسبة في المركز، الذين باتوا يتربصون بها من أجل قمع هذه الفكرة المتمثلة في طلبها للرزق؛ فالحوارية التي تمت تعكس تشنج البعض في التعاطي مع أمر وجود النساء في السوق حتى وإن كن محتشمات في مظهرهن وبأهدافهن النبيلة المتمثلة في طلب الرزق على نحو مباسط أو سوق النساء في الكثير من المدن والقرى والأرياف.

أمر ما يتعلق بعنوان الرواية «نساء البخور»، يتمثل في أن العلاقة النصية بين المرأة والبخور، ولاسيما في السوق، يجدر أن تكون أكثر حضوراً؛ إذ لم يستغل الكاتب هذه الثنائية المحيرة والغامضة بين المرأة والبخور على نحو مستفيض من أجل أن يشبع نهم القارئ في فهم الرسالة المشوقة، حتى وإن اعتنى بتفاصيل حكاية النساء، إلا أنه لم يتطرق ولو من بعيد إلى هذا السحر الغامض في علاقة النساء بالبخور؛ ليأتي العنوان إشارياً لواقع المرأة في ظاهر السرد دون أن يستبطن ما قد يجده القارئ شيقاً، حينما يُطَوِّفُ الراوي بالمتلقي بما وراء الحكاية المألوفة للمرأة التي تبيع وتشتري في السوق؛ فالأمر المحير والغامض هو ما بعد هذه المكابدات اليومية على نحو الإشارة إلى العلاج بالأعشاب وما سواها من إشارات عابرة، لكنها لا تكفي لأن يدير القارئ بوصلة التلقي إلى ما هو غامض وساحر في تفاصيل حياة الأنثى.

عني اليوسف بتفاصيل حالة الوعي في ثنايا هذه الرواية؛ فلم يشأ أن يجعل من هؤلاء الرجال والنساء في عرض السوق عالة على الأحداث، إنما نراهم وقد عنوا بها، وتفاعلوا معها، وجمعتهم في أكثر من موقف في أحداث السمر حول رحلة التحول الحياتي في بلاد العرب؛ فالسوق في قلب العاصمة الرياض في نهايات القرن الماضي لم يكن للبيع والشراء فقط إنما جاءت تفاصيل الحياة فيه متفاعلة مع ما يحدث في العالم من حولنا من حروب ونزاعات وتحولات رصدها بأمانة وحدد أطرها التاريخية بشكل واضح لا لَبْس فيه.

* * * *

إشارة:

نساء البخور..(رواية)

خالد اليوسف المسعود

دار الانتشار العربي بيروت 1433ه 2012م

تقع الرواية في نحو (144 صفحة) من القطع المتوسط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة