Culture Magazine Thursday  11/10/2012 G Issue 383
قراءات
الخميس 25 ,ذو القعدة 1433   العدد  383
 
مسلسل ( عمر ) رضي الله عنه
عمل جبار وأخطاء لا بد من تلافيها
د. زهير الأيوبي

 

قراءة معمقة لهذا المسلسل:

كان من توفيق الله سبحانه وتعالى للقائمين على قناة M.B.C التلفزيونيَّة الفضائيَّة والمسؤولين في دولة (قطر) الشقيقة.. كان من توفيق الله سبحانه وتعالى لهم أن أنتجوا مسلسل (عمر بن الخطاب) رَضِي اللهُ عَنه، وعرضوه على جماهير المشاهدين في العالم العربي وبعض الدول الإسلاميَّة خلال أيام شهر رمضان المبارك الماضي.

وكان من توفيق الله كذلك لقناة M.B.C أن كلفت اثنين من الكتَّاب العاملين في ميدان الدعوة الإسلاميَّة بالحديث عن (عمر بن الخطاب) رَضِي اللهُ عَنه وبيان مراحل سيرته، ورصد آثاره العظيمة الكثيرة على كلٍّ المستويات، وماذا خلَّف وراءه من بصمات خالدة، واجتهادات رائدة، وسوابق ماجدة لا تنسى.. وهذان الكاتبان هما الدكتور (نبيل العوضي) الذي سرد على مسامعنا (قصة الفاروق) رَضِي اللهُ عَنه، والدكتور (عمرو خالد) الذي بيَّن لنا أن (عمر بن الخطاب) كان (صانع حضارة) بِكلِّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

وقد كان لهذين البرنامجين (قصة الفاروق) و(عمر صانع حضارة) أثرهما البالغ في سد أكثر الثغرات التي لم يتطرَّق إليها المسلسل، وفي بيان كثير من الجزئيات والتفاصيل التي غابت عن أحداث ذلك المسلسل لأسباب مختلفة.

لقد أَرْبَّتْ خلافة (عمر) رَضِي اللهُ عَنه عن عشر سنوات، وكانت تلك السنوات العشر مدى رحيبًا لاستيعاب عبقريته الفذَّة، وأعماله المجيِّدة الخالدة، وآثاره العديدة على الصعيد الإسلامي وعلى الصعيد الإِنساني.

ولقد عدَّه المفكر العالمي (مايكل هارت) في كتابه (المئة الأوائل).. هذه الشخصيات المئة الفذَّة التي كان لها دورُها البارزُ، وتأثيرُها المحوريُّ الكبيرُ في التغيير الإيجابي العظيم الذي حصل في الحضارة الإنسانيَّة على مرِّ القرون، ومنذ بدء التاريخ وحتى عصرنا الحاضر.. لقد عدَّ هذا المفكر شخصيَّة سيدنا (عمر) رَضِي اللهُ عَنه، الشخصيَّة الثامنة بين شخصياته الإنسانيَّة المئة، التي كان لها دورُها المهمُ، وأثرُها البالغُ، وبصماتُها الواضحةُ في مسيرة الحضارة الإنسانيَّة وتقدمها وارتقائها.. وبالمناسبة فقد عدَّ هذا المفكر شخصيَّة رسولنا النَّبيّ الخاتم عليه أفضل الصلاة والسَّلام هي الشخصيَّة الأولى في التاريخ، ولا غرابة في ذلك، فقد وصفه الله عزَّ وجلَّ بأنه الرَّحْمة المهداة إلى كل المخلوقات بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء.

لقد تفرَّد (عمر) رَضِي اللهُ عَنه بصفات ومؤهلات وهبه الله إياها فكانت الركائز والمحاور التي قامت عليها عبقريته، وتميَّزت بها شخصيته، وتفوقت بها سيرته ومسيرته.

فقد قال عنه عليه الصلاة والسَّلام: (لو كان بعدي نبي لكان عمر).

وأخبر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن الشَّيطان يخاف منه، ويهرب من طريقه فقال عليه الصلاة والسَّلام: (يا عمر ما سلكت فجًا - أي طريقًا - إلا وسلك الشَّيطان فجًا غيره).

وقد أعلى النَّبيّ عليه الصلاة والسَّلام مقداره، ورفع من شأنه حينما قال: (إن يكن في أمتي محدِّثون - أي مُلْهَمون - فمنهم عمر).

وحينما جاء (عمر) رَضِي اللهُ عَنه مودعًا النَّبيَّ عليه الصلاة والسَّلام، وقد عزم على العمرة قال له النَّبيُّ عليه الصلاة والسَّلام، كلامًا يدل على إخوة النَّبيِّ له، ومحبته إياه، وقربه القريب منه، فقال له عليه الصلاة والسَّلام وهو يودعه (يا أخي لا تنسنا من دعائك).

أما فترة خلافته، فقد كانت فترة غنيَّة حافلة بالشخصيات المميّزة الفريدة في كلِّ المجالات والميادين، فالعشرة المبشرون بالجنَّة كان (عمر) رَضِي اللهُ عَنه على رأسهم لم يسبقه منهم إلى لقاء الله عزَّ وجلَّ سوى (أبي بكر الصديق) رَضِي اللهُ عَنه، فقد صحبه الباقون جميعهم إلى أن مات. ولم يمت منهم أحدٌ في حياته سوى (أبي عبيدة بن الجراح) رَضِي اللهُ عَنه الذي مات في خلافته.

وأكثر أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن اللواتي صحبن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعشن حياته الحافلة وشهدن سيرته الكريمة، ومنهن (عائشة) و(حفصة) و(أم سلمة) و(زينب بنت جحش) و(أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان) و(جويريَّة بنت الحارث) و(صفيَّة بنت حيي)، وغيرهن كن الكواكب المنيرة التي ازدانت بها سنوات خلافته.

وكذك فقد حفلت خلافة (عمر) بخيرة العلماء الفقهاء ذوي الاجتهاد والرأي من حفاظ كتاب الله وحملة سنته، وأصحاب النظفر في كلِّ مسائل الحياة مما لم يجتمع مثلهم في كلِّ العصور التاليَّة.. وكان على رأس هؤلاء العلماء الفقهاء المجتهدين (عمر) نفسه و(علي بن أبي الطالب) و(عبد الله بن عباس) و(عبد الله بن عمر) و(عبد الله بن مسعود) و(عائشة) و(أبوهريرة) و(زيد بن ثابت) و(أم الدرداء) و(معاذ بن جبل) و(جابر بن عبد الله) و(أبو موسى الأشعري) وغيرهم وغيرهم..

وفي عهد (عمر) رَضِي اللهُ عَنه وجد القواد العسكريون الفاتحون الذين قضوا على الإمبراطوريَّة الفارسيَّة والإمبراطوريَّة الحبشيَّة، وسجَّلوا انتصارات عديدة باهرة على الإمبراطوريَّة الرومانيَّة منهم (سعد بن أبي وقاص) و(خالد بن الوليد) و(أبوعبيدة بن الجراح) و(عمرو بن العاص) و(يزيد بن أبي سفيان) و(شرحبيل بن حسنة) و(المثنى بن حارثة الشيباني)..

وأدار الولايات الكبرى التي باتت تتألف منها الدَّوْلة الإسلاميَّة، ولاة كبار كانوا بمثابة الأعوان الرئيسين المهمين ل(عمر) رَضِي اللهُ عَنه في تنفيذ سياساته، وتطبيق منهجه السوي القويم، فهم (سعد بن أبي وقاص) و(أبو عبيدة بن الجراح) و(معاويَّة بن أبي سفيان) و(عمرو بن العاص) و(أبو هريرة) وغيرهم وغيرهم..

واتفق أن اجتمع دهاة العرب الأربعة كلّّهم في عصر (عمر) رَضِي اللهُ عَنه، وهم (عمرو بن العاص) و(معاويَّة بن أبي سفيان) و(المغيرة بن شعبة) و(زياد بن أبيه)..

أما المال والأعمال وميادينه المختلفة، فقد كان على رأس هذا القطاع أن صح هذا التعبير رجال عظام منهم (عثمان بن عفان) و(عبد الرحمن بن عوف).. والتجار وخصوصًا تجار (مكة المكرمة) الذين يديرون تجارات رحلات الشتاء والصيف.. والزراع وخصوصًا أصحاب مزارع النخيل في (المدينة المنورة).

وأودُّ أن أقول هنا: إن (عمر) رَضِي اللهُ عَنه بشخصيته الفريدة التي وهبه الله إياها، وبما تحدَّث عنها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ووصفها بأوصاف فذَّة ليست موجودة في غيره.

وخلال فترة خلافته التي امتدت لأكثر من عشر سنوات وبما حبا الله به تلك الفترة من طاقات بشريَّة وإمكانات متنوّعة في ميادين العلم والفقه والاجتهاد والإدارة والاقتصاد والفتوحات واستيعاب الشعوب الجديدة التي دخلت في الإسلام أو احتكت وتعاملت مع المسلمين القادمين من الجزيرة العربيَّة.

كل هذه الصفات الشخصيَّة لعمر والظروف والإمكانات التي توفرت في عهده الذي امتد لأكثر من عشر سنوات، كل ذلك مكَّنه من أن يُبْدع في عمله، ويتوفق في حكمه، ويكون فذًّا فريدًا في سيرته، وسلوكه مع الناس، وحرصه على تحقيق العدل في كلِّ تصرَّفاته، وتوفير الرَّحْمة لِكُلِّ فئات المجتمع بصرف النَّظر عن جنسهم أو قبيلتهم أو عرقهم أو دينهم.

اطلعت على كتابات كثيرة واستمعت إلى آراء عديدة، منها ما يُؤَيِّد بصورة عامة إنتاج وعرض هذا المسلسل وعلى كتابات أخرى وآراء تعارض ظهور هذا المسلسل وأترابه... وكان من الكتابات البارزة المعارضة المنتقدة ما كتبه الدكتور (عمر حسين الموجان السعدي) على الصفحة قبل الأخيرة من جريدة (الجزيرة) في عددها 14567 الصادر في 28 رمضان الماضي.. وأقول: إن القراءة التي قدَّمها الدكتور (السعدي) بارك الله فيه قراءة وجيهة وإن الملاحظات التي أبداها ملاحظات قيمة يجب أن تُؤخذَ بعين الاعتبار، ولكنَّني آخذ عليه العناوين المثيرة التي أوردها بدايَّة لمقاله وقد جاء فيها قوله: (خلل واضح في الدراسة التاريخيَّة وضعف فادح في المعالجة الفنيَّة) وقوله بالخط الكبير (أخطاء منهجيَّة حوَّلت عمر إلى عمل مسيء).

ولعلَّ من العناوين الداخليَّة التي لفتت انتباهي في هذا المقال قوله: (لا يمكن لمسلسل كهذا أن يغطي السيرة العمريَّة في جانبها الفقهي ولا في قيادتها العسكريَّة ولا في تنظيمها الإداري والقضائي) فهذا العنوان قد أصاب فيه الكاتب الكريم كبد الحقيقة.

أما المسلسل فقد حقَّق في نظري نجاحًا كبيرًا من حيث النصِّ، ومن حيث الإخراج، ومن حيث التمثيل والتنفيذ.

لقد كنت أخشى وأتهيب وأتوجس خيفة من تمثيل الصحابة الكرام وبصورة خاصة العشرة المبشرين بالجنَّة منهم، وأمهات المؤمنين رَضِي اللهُ عَنهم جميعًا، ولكن تمكَّن الدكتور (وليد سيف) هذا الكاتب الألمعي أن يكتب نصَّ هذا المسلسل العمري، وتمكَّن المخرج المبدع الأستاذ (حاتم علي) أن يخرج لنا وقائعه باقتدار، وتمكّن الممثل الواعد الأستاذ (سامر إسماعيل) والكوكبة من الممثلين والممثلات معه من أن يبرزوه إلى حيز الواقع الملموس...

وبطبيعة الحال ما كان للكاتب والمخرج والممثلين أن يقوموا بهذا العمل الضخم الجبار لولا دعم ومساندة القائمين على قناة ال M.B.C والمسؤولين في مؤسسة (قطر) للإعلام والذين تسلَّحوا بالعلم الشرعي واحتموا به، والذين استظلوا بمظلة ستة من كبار علماء الدين في العالم الإسلامي، هم: الدكتور (يوسف القرضاوي) رئيس الاتحاد العالمي لعلماء الدين الإسلامي، وأحد كبار علماء الدين في (مصر) و(قطر) والعالم، والدكتور (أكرم العمري) أحد كبار علماء الدين في (العراق) وفي (المدينة المنورة) وفي (قطر) والدكتور (سلمان العودة) والدكتور (عبدالوهاب الطريري) والدكتور (سعد مطر العتيبي) وهم من أبرز العلماء والباحثين والدعاة في المملكة العربيَّة السعوديَّة، والدكتور (علي الصلابي) أحد كبار العلماء في (ليبيا) وفي (شمال إفريقيا) وسادسهم هذا وهو الدكتور (الصلابي) له حوالي ثلاثين كتابًا، ألفها في السيرة النبويَّة الشريفة وفي سير (أبي بكر الصديق) و(عمر بن الخطاب) و(عثمان بن عفان) و(علي بن أبي طالب) و(الحسن بن علي) و(معاويَّة بن أبي سفيان) و(عبد الله بن الزبير) رَضِي اللهُ عَنهم وفي سير (عمر بن عبدالعزيز) و(محمد الفاتح) و(سيف الدين قطز) و(صلاح الدين الأيوبي) و(الإمام الغزالي) و(العز بن عبدالسَّلام) -رحمهم الله- وتاريخ (الدَّوْلة الأمويَّة) و(الدَّوْلة العثمانيَّة) و(دولة المرابطين والموحدين) و(الدَّوْلة الفاطميَّة) و(دولة السلاجقة) ومؤلفات أخرى في (وسطيَّة القرآن) و(تاريخ الحركة السنوسيَّة) وغيرها من الموضوعات.

وأنا حينما أقول هذا الكلام لا أقلل من قيمة وأهميَّة ووزن الطرف الآخر المعارض لتمثيل كبار الصحابة، وبالتالي الذين رفضوا إنتاج هذا المسلسل، ورفضوا عرضه على الناس، فيكفي أن في طليعة هذا الطرف المانع المعترض سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ وهيئة كبار العلماء في المملكة بالإضافة إلى مشيخة الجامع الأزهر في مصر، فهؤلاء ومن معهم يمثِّلون جبهة دينيَّة إسلاميَّة قويَّة جدًا لها وزنها الكبير، وأهميتها البالغة، واحترامها العظيم... ولكنَّني أقول ببساطة أن هذه المسألة بعد أن وقف إلى جانبها، وأيدتها مجموعة من كبار علماء الدين في العالم العربي والإسلامي... إن هذه المسألة قد أصبحت مسألة اجتهاديَّة... وبعدما كنت متوجسًا خيفة منها، وبعد أن أيدتها ثلة من علماء الدين المرموقين في العالم... أصبحت مؤيدًا لها وصار في نظري أن تمثيل الصحابة لا غبار عليه، وأنه لا خوف منه، ولا حرج من تعاطيه عندما يكون العمل متقنًا متميزًا رائدًا نصًا وإخراجًا وتمثيلاً وتنفيذًا.

لقد قفزت في كلامي السابق إلى أن العمل كان عملاً ناجحًا... ولم أقفز هذه القفزة من فراغ، ذلك أن كل عمل يقاس نجاحه أو سقوطه بالنتائج التي يحقِّقها إيجابًا أو سلبًا واستطيع أن أقول: إن الفئات التي استفادت منه بصورة قاطعة هي:

فئات المشاهدين التي لا تعرف شيئًا من سيرة (عمر) رَضِي اللهُ عَنه، وأعماله الكبيرة، وإصلاحاته العظيمة، وإنجازاته الإنسانيَّة، أو تعرف النزر اليسير منها... فهؤلاء دون شكٍّ قد استفادوا من متابعتهم لوقائع هذا المسلسل استفادة كبيرة... وافترض أن هذه الفئات من المشاهدين هم من المسلمين..

والفئات الثانيَّة التي استفادت من هذا المسلسل، فئات المشاهدين غير المسلمين الذين لا يتكلَّمون اللغة العربيَّة... وأقول ذلك وأنا استبق الأحداث قبل أن (يدبلج) هذا المسلسل إلى اللغات العالميَّة كالإنجليزيَّة والفرنسيَّة، والروسيَّة والألمانيَّة، ولغات الشعوب الإسلاميَّة، كالأوردو، والفارسيَّة، والسواحليَّة وغيرها... وقد وصلت إلى هذه النتيجة، من الآثار الطيبة الرائعة التي ظهرت على وجوه جماهير الإندونسيين والأتراك الذين تابعوا وقائع هذا المسلسل من خلال (دبلجته) الأوليَّة التي أجريت باللغتين الإندونيسيَّة والتركيَّة، في المقابلات أجريت معهم.

والفئة الثالثة التي استفادت أو ستستفيد من هذا المسلسل هم جماهير إخواننا الشيعة المنصفين الذين تبّروا على بغض (عمر) رَضِي اللهُ عَنه، وكراهيته، إلى درجة الإشادة بالمجوسي (أبو لؤلؤة) الذي قتله، واتِّخاذ مكان في (إيران) يخص (أبا لؤلؤة) هذا يُزار تكريمًا له، واحترامًا لما قام به من عمل.... إن هؤلاء الإخوة من الشيعة المنصفين الذين يبحثون عن الحقيقة استفادوا أو سيستفيدون من خلال الدبلجة المقبلة لهذا المسلسل باللغة الفارسيَّة خصوصًا.

وأما الفئة الرابعة من المشاهدين الذين يعرفون من سيرة (عمر) رَضِي اللهُ عَنه وسيرته، الشيء الكثير... فإنَّهم سيوثقون المعلومات التي لديهم ويؤكِّدونها... بل وسيتذكرونها على الأقل...

وعلى كلٍّ حال فإنَّ الملاحظات التي وجهت لهذا المسلسل وبصورة خاصة عددٌ لا بأس منه من ملاحظات الدكتور (عمر السعدي) التي أوردها في مقاله الآنف الذكر في صحيفة (الجزيرة) ملاحظات وجيهة تستحق التأمُّل والنَّظر والعمل على تلافيها، ولعلّ أبرز ملاحظة وجّهها هذا المقال لهذا المسلسل قول (الدكتور السعدي): لا يمكن لمسلسل (واحد) أن يغطي السيرة العمريَّة في جانبها الفقهي، ولا في قيادتها العسكريَّة ولا في تنظيمها الإداري والقضائي)... فسيرة (عمر) رَضِي اللهُ عَنه سيرة حافلة، وسيرة غنيَّة، وسيرة مُتعدِّدة المزايا والآثار الإيجابيَّة...... وما دمنا في ميدان الملاحظات والمآخذ، فأقول: لقد وقع المُمثِّلون في عدد من الأخطاء اللغويَّة التي ما كان لهم أن يقعوا فيها وفي طليعة هذه الأخطاء؛ اثنان الأول في كلمة (دولة) المأخوذ من قول الله سبحانه وتعالى في سورة (الحشر) {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ}، أي لكي لا يكون متداولاً فقط بين الأغنياء منكم، فقد تلفظ بهذه الكلمة أكثر من ممثل ومنهم من مثل دور (عمر) رَضِي اللهُ عَنه على أنها (دَولة) بفتح الدال وهذا خطأ، والصَّوَاب ضم الدال فتكون الكلمة (دُوْلة).

.... والخطأ الثاني ورد على لسان الممثلة التي قامت بدور (هند بنت عتبة) حينما انتهت معركة (أحد) بهزيمة المسلمين، واستشهاد (حمزة بن عبدالمطلب) رَضِي اللهُ عَنه... وجاءت (هند) لتعبّر عن فرحتها العارمة بمقتل (حمزة) رَضِي اللهُ عَنه الذي كان السبب الرئيس في مصرع ابنها البكر وأبيها وأخيها وعمها، فبقرت بطن (حمزة) واستخرجت منه كبده وحاولت أن تلوكه بفمها لكنَّها لم تستطع أن تسيقه، ثمَّ علت على ضخرة مشرفة، وصرخت بأعلى صوتها:

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سُعْر

ما كان عن (عتبة) لي من صبر

ولا أخي، وعمّه، وبِكرْي

شفيتُ نفسي وقضيتُ تَدْري

شفيت (وحشيٌ) غليل صدري

فشكر (وحشي) على عمري

حتى ترِمّ أعظمي في قبري

فقد لفظت الممثلة التي قامت بدور (هند) كلمة (بكر) بفتح الباء والصَّوَاب أنها بكسر الباء، فهي (بِكْر) ومعناها الولد الأول للإِنسان، فقد فقدت (هند) في غزوة (بدر) ابنها الأول وأباها وأخاها وعمّها....

ومن الملاحظات التي تذكر على هذا المسلسل أن الممثلة الكبيرة القديرة (منى واصف) لم تعط الدور الذي تستحقه الذي يمكنها أن تقوم به بِكلِّ اقتدار...

كذلك فإنّ عددًا من الممثلين لم يقوموا بالأدوار المطلوبة منهم خير قيام... وفي رأيي أن الممثلين الذين قاموا بأدوار كل من (علي بن أبي طالب) و(عثمان بن عفان) و(عبدالرحمن بن عوف) و(خالد بن الوليد) رَضِي اللهُ عَنهم... لم يحقِّقوا من خلال ما مثلوه الشخصيات التي تحدَّثوا عنها، من خلال ما قرأنا عنها وما استقر في أذهاننا من صفاتها.. ولو أن المخرج قد كلف للقيام بتلك الأدوار ممثلين آخرين كطلحت حمدي، و(محمود سعيد) و(جمال سليمان) و(عباس النوري) و(أشرف عبد الغفور) و(زنياتي قدسيَّة) ومن في مستواهم لكان العطاء أفضل والنتيجة أحسن.

ولعلَّ من الضروري أن أقف وقفة موضوعيَّة عند شخصية الذي مثل شخصيَّة (عمر بن الخطاب) رَضِي اللهُ عَنه.. هو ممثل واعد ولا شكّ، حديث التخرّج من معهد (الفنون المسرحيَّة) في (دمشق).. وقد قام بالدور المطلوب منه بشكلٍّ مقبول لكنَّني أقول: كنت أحسّ بين الفترة والأخرى عند عرض المسلسل أن هذا الرَّجل كان باردًا بعض الشيء.. كانت ردود فعله بطيئة.. ولم يكن قريبًا من القلب في بعض الأحيان.. وقد تأكَّدت هذه الشكوك واتضحت هذه الأحاسيس حينما تابعت له بعض المقابلات واللقاءات التي أجريت معه فيما بعد عرض المسلسل أي بعد رمضان.. وعلى الرغم من أن صوته الحقيقي كان صوتًا جيدًا، فقد استغربت كل الاستغراب من إلغاء صوته في المسلسل واستبداله بصوت آخر عن طريق الدوبلاج.

إن عمر السيد (سامر إسماعيل) هو سبعة وعشرون عامًا.. وفي اعتقادي أن هذه السن المبكرة قد لا تُؤهِّله للقيام بدور (عمر) رَضِي اللهُ عَنه ولا سيما أنه يخطر على البال حينما نتحدث عن شخصيَّة (عمر) رَضِي اللهُ عَنه، كبار الممثلين أمثال (عبد الله غيث) -رحمه الله-، و(عبد الرحمن آل رشي) مده الله بالصحة والعافيَّة و(محمود ياسين) و(يوسف شعبان) و(عزة العلايلي) وغيرهم..

لقد قلت: إن هذا المسلسل كان ناجحًا بِكلِّ المقاييس ولا يعني كلامي هذا أنه كان كاملاً مكملاً من كل الجوانب، بل عليه ملاحظات وجيهة ذكرها غيري وكذلك فقد أوردت بعضًا منها وقلت: لا بُدَّ من تلافيها... ولكي يتحقق ذلك فأنا اقترح وقبل أن أُدوِّن اقتراحي أقول: لقد سمعت بعض ذوي الشأن يقولون: إن هذا المسلسل قد تكلف إنتاجه مبلغ مائتي مليون ريال... وقال آخرون: إنه تكلف مبلغ مائة مليون دولار أي ما يقارب ضعف المبلغ السابق..

وأنا أقول: إن سيرة (أبي حفص) رَضِي اللهُ عَنه، وإبرازها حيَّة أمام النَّاس تستحق أضعاف أضعاف هذا المبلغ في حده الأعلى.. ففي مثل هذه الميادين يجب أن تنفق الأموال، وفي مثلها يجب أن يتنافس المتنافسون.

أما اقتراحي الذي أقدمه في خضم القراءة التي قدّمتها هذه فهو يقوم على إعادة إنتاج هذا العمل، وذلك بتكليف الدكتور (وليد سيف) هذا الكاتب الألمعي العبقري بأن يطلع على آراء ومقترحات المعارضين ويستوعبها ويسارع إلى تعديل النصوص بحيث يصحح بعض الأخطاء التاريخيَّة التي تكون قد حصلت ويسد الثغرات التي نسيت أو أغفلت.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة