Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
ترجمات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
حوار مع جوليان بارنز 2-2
الأدب هو عملية إنتاج أكاذيب كبيرة وجميلة تجعلنا ندرك الحقيقة
ترجمة: د. حمد العيسى

 

تقديم: هنا حوار مع الروائي الإنكليزي المعاصر واللامع جوليان بارنز. الذي ولد في 19 كانون الثاني/يناير 1946، ودرس «اللغات المعاصرة» في جامعة أكسفورد. وكانت ثلاث من رواياته قد وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» التي تسمى حالياً «مان بوكر» وهي: «ببغاء فلوبير» (1984)، «إنكلترا، إنكلترا» (1998)، و»آرثر وجورج» (2005)، ولكنه لم يفز بمان بوكر إلا عندما وصل إلى قائمة البوكر القصيرة في المرة الرابعة عام 2011، عن روايته «الإحساس بنهاية»، التي تقع في 150 صفحة فقط. أصدر بارنز 11 رواية باسمه الحقيقي أولها كان عام 1980، وآخرها في عام 2011. كما أصدر 4 روايات بوليسية تحت اسم مستعار هو دان كافانا، وأيضاً، صدر له 7 كتب أدبية منوعة: قصص قصيرة ومقالات وسيرة ذاتية. وصدر عن أدبه 8 كتب نقدية. وحصل على العديد من الجوائز الأدبية في أوروبا وبخاصة من فرنسا حيث يحظى بشعبية واسعة. وهنا حوار مثير معه أجرته الكاتبة سكارليت بارون، التي تحضر الدكتوراه في الأدب الإنكليزي في جامعة أكسفورد، والتي عنونت أطروحتها ب «تأثير فلوبير على جيمس جويس». أجرت بارون الحوار بمناسبة صدور سيرة بارنز الذاتية عام 2008، بعنوان «لا شيء يخاف منه»، والتي أعلن فيها عن إلحاده صراحة؛ حيث بدأها بسطر أرعب القراء المؤمنين: «لا أؤمن بالله، ولكنني أفتقده»! وما بين الأقواس للمترجم.

(بارون): ترجمتَ وحررتَ مؤخراً كراساً للروائي الفرنسي ألفونس دوديه (1840-1897)، أرخ فيه لموته البطيء والتدريجي والمؤلم بالزهري (كتاب «في أرض الألم»، 2002). كيف تحقق ذلك؟

(بارنز): عثرت على كراس دوديه بالصدفة في مكتبة تايلوريان في أكسفورد أثناء قيامي بعمل بحث لروايتي ببغاء فلوبير. أتذكر أنني همست: «يا له من عمل رائع». ثم وجدت نفسي ذات يوم على وشك أن أكتب واحد من عمودي لملحق صحيفة تايمز الأدبي (TLS) الذي كتبت فيه: «إليكم شيئاً رائعاً لم يترجم بعد، شخص ما يجب أن يترجمه». ثم فكرت: لماذا لا أفعل ذلك بنفسي؟ لقد كانت الترجمة صعبة جداً، ولكنني استمتعت بها. لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً، وأعتقد أن الترجمة الجيدة تستغرق وقتاً أطول وجهداً أكثر من الكتابة الأصلية.

(بارون): معظم كتابك يتعلق بخوفك من الموت. هل عندك أي مشاعر أخرى عن الموت؟

(بارنز): نعم، إضافة إلى الخوف، أنا أكره الموت أيضاً. ولكن المشكلة في خلط المشاعر هو أنك تخاطر بشخصنة الموت أكثر من اللازم. يجب أن لا تحول الموت إلى مجاز، كرجل مع منجل. الموت ليس هو الأمر الرقم واحد الذي يطاردك. الموت هو مجرد عملية. إنه مثل بعض البيروقراطية الفظيعة والقاسية في العمل، وهو نشط ليكمل الكوتا المطلوبة، شخصنة الموت مع درجات كثيرة جداً من المشاعر، يمنحه شرفاً أكثر من اللازم.

(بارون): تقول في كتابك هذا إنك أحياناً تجد «الحياة طريقة مبالغ فيها لتضييع الوقت». هل يمكن أن تصف نفسك باليائس؟

(بارنز): كلا! أنا متفائل.

(بارون): تقول إنك لست كاتباً اعترافياً، ولكن - في كتابك - قلت «خوفي من الموت أصبح جزءاً أساسياً مني». بالتأكيد، فضح مثل هذا الشاغل هو «اعتراف»، أليس كذلك؟

(بارنز): نعم، أظن ذلك. أنا لا أعتبر كتابي اعترافياً لأنني أعتقد أن الأدب الاعترافي هو الأدب الذي يكتب للتنفيس عن شيء في صدرك. أنا لا أؤمن بنظرية كتابة السيرة الذاتية كعلاج نفسي تطهري على الإطلاق. أعتقد أن هذا الكتاب هو تمرين لفحص نفسي كحالة وكجواب عن سؤال: في هذه المرحلة من الزمن، ماذا يعني أن لا نؤمن بشيء وحتى الآن عدم القدرة على التوفيق بين هذا الأمر وفكرة أنك ستموت؟

(بارون): هل الهدف من الكتاب - جزئياً على الأقل - هو حث الناس للحديث عن الموت بصورة أكثر؟

(بارنز): نعم. أعتقد أننا لا نتحدث عن الموت بما فيه الكفاية في هذه الأيام. هذا يعود - جزئياً - لأننا نعيش أطول، ونتوقع أن نعيش أطول ، وجزئياً لأن الموت غادر المنزل. نحن لم نعد نجلس قرب أسرَّة الناس، وإذا فعلنا ذلك، فإننا نفعله في المستشفيات. نحن سلمنا أمور الموت والوفاة للمهنيين الخبراء الذين يقولون لنا ما يتوجب علينا القيام به وكيفية القيام به وأين يجب أن نحضر؟ إنهم لا يقولون لنا كيف سيوجعنا الحزن. إنهم ليسوا جيدين في ذلك.

(بارون): هل يمكن أن نقول إن فلوبير هو ملهمك الأدبي؟

(بارنز): أعتقد أنه شخصية عميقة وبارزة في حياتي الكتابية. ولكن هل أعتقد أنه في الواقع أثر في طريقة كتابتي للرواية؟ كلا! لأنه فرنسي، ولأنه أيضاً ميت. ولأنه أيضاً بعيد بأكثر من مائة سنة عني الآن. ولكن من حيث الطريقة التي ينبغي أن تتصرف فيها والطموح والمثل العليا التي يجب أن تكون عليها ككاتب؟ نعم، بالتأكيد.

(بارون): سارتر كتب مقالا بعنوان «ما الأدب؟». ما هو الأدب بالنسبة لك؟

(بارنز): هناك العديد من الإجابات على هذا السؤال. أقصرها هو أنه «أفضل وسيلة لقول الحقيقة». إنه عملية إنتاج أكاذيب كبيرة وجميلة ومنظمة لتقول الحقيقة أكثر من أي تجميع آخر للحقائق. أكثر من ذلك، الأدب يشمل أشياء كثيرة، مثل اللعب بسرور مع اللغة، وأيضا، طريقة تواصل حميمة وغريبة مع أناس لن تلتقيهم أبدا. أيضا كونك كاتب يمنحك شعورا بمجتمع تاريخي، وهو ضعيف ككيان اجتماعي طبيعي في بريطانيا القرن الحادي والعشرين. فعلى سبيل المثال، أنا لا أشعر بأي علاقات خاصة مع عالم الملكة فيكتوريا، أو مع المشاركين في الحرب الأهلية أو حرب الوردتين، ولكني أشعر برابطة خاصة جدا مع كتاب وفنانين مختلفين معاصرين لتلك الفترات والأحداث.

(بارون): كتبت المقالات كطالب في جامعة أكسفورد ، مثل أي شخص آخر. ألم يكتشف أي مدرس موهبة خاصة بك وحاول بالتالي تشجيعك؟

(بارنز): ماذا؟!! موهبة خاصة؟!!! لا أعتقد أني كنت أملك أي شيء يمكن اكتشافه مطلقا. عندما دخلت امتحان نهائي شفهي قال لي أحد الأساتذة الممتحنين بعدما تفحص أوراقي ، وكان مدرسا شديد اللهجة في كلية المسيح اسمه كرايلشيمر: ماذا تريد أن تفعل بعد تحصل على شهادتك؟ قلت: حسنا، أود أن أصبح أستاذا معكم. لقد قلت ذلك جزئيا لأن أخي كان قد نجح في قسم الفلسفة، وأيضا لم يكن لدي أي فكرة حقيقية حول ما يجب فعله. تفحص كرايلشيمر أوراقي مرة أخرى، ثم قال: هل سبق لك أن فكرت في الصحافة؟ وهذا بالطبع أكثر شيء ازدراء كان يمكنه قوله ، من وجهة نظره. وعلى أي حال رسبت في جامعة أكسفورد ولم أكمل في قسم الفلسفة.

(بارون): لنعد إلى أعمالك ، بعد روايتك الأولى «مترولاند» والمراجعات الجيدة التي لقيتها ، هل أصبحت أكثر ثقة؟

(بارنز): رؤية الكتاب في شكله الفيزيائي المادي وقراءة بعض المراجعات الجيدة كان مطمئنا. ولكن بعد ذلك فكرت، بطبيعتي - وأفترض أنني أشترك في هذا مع الكثير من الكتاب الآخرين - ماذا لو لم أستطع أن أنتج سوى كتاب واحد فقط؟ وهكذا فالرواية الثانية هي دائما أكثر صعوبة، وإن كان في حالتي كانت على الأقل أسرع. ما زلت أجد نفسي أفكر: حسنا، ربما أكون قد كتبت سبعة أو ثمانية أو تسعة روايات ، ولكن هل يمكن أن أفعلها في المرة القادمة؟ أنا مقتنع بأن حالة الروائي العادي يجب أن تكون عند «مستوى مرتفع للقلق».

(بارون): بالطبع، بعض الروائيين أنتجوا كتابا عظيما واحدا فقط - مثل رواية باسترناك «د. زيفاجو»، ورواية لامبيدوزا «الفهد». في الواقع، هل ينبغي للمرء أن يعتبر الرواية مثل العمل البيروقراطي لينتج الكثير من الكتب في فترات زمنية منتظمة؟ لماذا لا يكفي كتاب عظيم واحد؟

(بارنز): أنت محقة تماما. لا يوجد أي سبب على الإطلاق لكي يكتب المرء فقط من أجل الكتابة. أعتقد أنه من المهم جدا التوقف عندما لا يكون لديك شيء جديد تقوله. ولكن الروائيين يتوقفون في بعض الأحيان للأسباب الخطأ ، باربارا بيم (1913-1980) توقفت لأن ناشرها ثبطها عندما قال إن كتبها قد أصبحت مسطحة. أنا لست من المعجبين كثيرا بالروائي إي إم فورستر(1879-1970) ، لكنه توقف عندما توصل لقناعة بأن ليس لديه المزيد ليقوله. هذا قرار مثير للإعجاب ورائع ، وربما كان يجب عليه أن يتوقف في وقت أبكر. ولكن هل هناك روائي سيتعرف أن اللحظة التي ليس لديه أو لديها أي شيء يقوله قد وصلت؟ من الشجاعة الاعتراف بذلك. ونظرا لكونك كاتبا محترفا مليئا بالقلق على أية حال، فمن السهولة أن تسيئ فهم العلامات. ولكن أنا معك حول جودة الروايتين التين ذكرتيهما خصوصا رواية لامبيدوزا التي بعنوان «الفهد»، وهي كتاب هام. باسترناك مؤلف رواية «دكتور زيفاجو» كان معروفا دائما كشاعر، وكتب بعد ذلك رواية أصبحت شهيرة.

أعتقد أنك تأمل ككاتب، على نطاق واسع، أن أفضل عمل لك سوف ينجو من الفناء ويواصل البقاء على قيد الحياة، ولكن ربما كانت كيفية إنتاج أفضل عمل لغز، حتى بالنسبة لك. هناك كتاب غزيرين الإنتاج مثل جون أبدايك، وأنا أبجله، وقد أنتج خمسين أوستين كتابا. «رباعية رابيت» لأبدايك هي بالتأكيد واحدة من أعظم الروايات الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن لا يمكنك أن تقول لجون أبدايك: انظر، أرجو أن تكتب «رباعية رابيت» ثم تتوقف. بعض الكتاب مثل الصبار: كل سبع سنوات تأتي زهرة مجيدة ، ثم هناك سبع سنوات من السبات. آخرون لا يعملون كذلك ؛ مزاجهم يجبرهم على الكتابة.

(بارون): البروفة الأولى دائما تكون محفوفة بالصعاب. إنها مؤلمة جدا مثل الولادة، ، ولكن بعد أن تنال الرعاية وتلعب مع الطفل الوليد تكون هناك فرحة وبهجة كاملة.

(بارنز): آآآه! لكن في بعض الأحيان المشكلة ليست في الرضيع، إنها في كون البروفة بشعة وغير صالحة للقراءة مطلقا. فهي لا تبدو وكأنها كتاب على الإطلاق. أنا أميل إلى الكتابة بسرعة في المسودة الأولى، ومن ثم أراجع وأنقح كثيرا.

(بارون): ولذلك ، أنت تكتب أكثر من اللازم في المسودة الأولى؟!!

(بارنز): بل دائما ، وفي المسودة الأولى يبدأ العمل الحقيقي. متعة البروفة الأولى أنها تساعدك في خداع نفسك بأنك قريب جدا من الكتاب الحقيقي. ومتعة المسودات اللاحقة يكمن - جزئيا - في أن المسودة الأولى لم تستغفلك وتمنعك أن تدرك أيضا أن أشياء كثيرة وكبيرة جدا يمكن تغييرها في وقت متأخر جدا مما يعطي شعورا بأن الكتاب قابل دائما للتطوير بل حتى بعد نشره يعتبر قابلا للتحسين. وهذا هو السبب - على الأقل جزئيا - الذي يجعلني ضد استخدام معالج النصوص أي برامج الكتابة على البي سي أو اللاب توب، لأنها تميل إلى جعل الأمر منتهيا بسرعة ربما قبل أوانه. أنا مؤمن بضرورة عمل جهد معين من العمل اليدوي. كتابة رواية يجب أن تصبح كأنها بذاتها «حرفة تقليدية».

(بارون): ولهذا تكتب بخط اليد؟

(بارنز): كتبت رواية «لوف، إتسيترا» (حب ، إلخ) باليد. ولكن عادة أنا اكتب على بي سي من طراز «آي بي إم» ، ثم أصحح باليد مرارا وتكرارا حتى تصبح البروفة غير مقروء تقريبا، ثم أطبعها لتكون بروفة نظيفة، ثم أصحح باليد مجددا. وهلم جرا.

(بارون): متى تتركها؟ ما لذي يجعلك تشعر بأنها جاهزة؟

(بارنز): عندما أحس أن التغييرات التي أضعها تلخبط وتشوش النص أكثر مما تحسنه. عندها أعلم ان الوقت قد حان لقول: وداعا.

(بارون): إذن من أجل ماذا تستخدم البي سي ؟

(بارنز): الإيميل والتسوق!!!

Hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة