Culture Magazine Thursday  13/09/2012 G Issue 379
فضاءات
الخميس 26 ,شوال 1433   العدد  379
 
وتم العناق
من حقي أن أخطئ
حسن علي البطران

 

يبقى الإنسان بحكم إنسانيته وعفويته وفطرته يتعامل مع الحياة ببساطة، وبصورة تلقائية في كثيرٍ من المواقف مهما كان حريصاً، ونتيجة لهذه المواقف لابد أن يكون في أحدها على أقل تقدير ينحو إلى تصرف قد يجانب الصواب أحياناً، وهذا أمر طبيعي بحكم الفطرة البشرية، والتي هي ليست منزهة عن الخطأ والنسيان وبعض الهفوات، كونه غير محاط بالعصمة المطلقة. فالإنسان لا مفر له من الخطأ، مهما كان حذراً ودقيقاً في أفعاله وأقواله كونه بشراً.

عموماً ليس من العيب أن يخطئ الإنسان، ولكن من العيب أن يستمر في مواصلة الخطأ مهما كان نوعه وصنفه ودرجته بعد أن يتنبه له، أو أن يعرف أنه خطأ أو يشير إليه آخرون وإعلامهم له بالخطأ، وهذا يجرنا إلى تعريف الخطأ وماذا يعني ؟ الخطأ سلوك يصدر من الإنسان بشكل عفوي دون تعمد أو قصد لحدوثه، وقد يحدث أيضاً بآلية مخطط لها والقصد منها هو ممارسة الخطأ نفسه، مع دراية وعلم المخطئ أن هذا خطأً، وهذا له كلام آخر، وليس محور حديثنا الآن..

والخطأ هو ضد الصواب، وهو أمر مخالف لما ينبغي أن يكون عليه هذا الأمر، والخطأ حسب نظر الآخرين حالة غير طبيعية ولا تتوافق ووجهة نظرهم..

نظرية الخطأ شائكة ولها عمق وأبعاد متعددة، ولها صور متنوعة وذات تراكمات معرفية، لن أسير ولن أمشي في مساحة تحمل نظريات وتعاريف ومفاهيم (الخطأ) بشكل يدعو إلى التعمق والتعقيد بقدر ما سوف أوجز له مفهوماً (للخطأ) بآلية مبسطة من خلال الفهم العام والذي لا يُختلف فيه، وقد أختصرت مفهومي للخطأ كما قال الجرجاني: « الخطأ هو ما ليس للإنسان فيه قصد..»، وهذا يعني أن الإنسان بطبيعته تلقائي في سلوكياته، ومن هذه التلقائية قد تتجاوز سلوكياته دون تخطيط أو قصد حداً أو خطاً معيناً يُرى في الحكم العام هو غير لائق وأنه خروجاً عن الأخلاق الإنسانية أو تجاوزاً للعرف أوالدين، وهذا لابد أن يصدر منا، كوننا خاضعين تحت مظلة (الإنسانية)، وإن كنا نحاول أن نتجنب هذا السلوك غير المرغوب فيه، وحتماً أننا سنسقط ونقع في شيء منه، ولكن ثقافتنا وإطلاعنا وتغلغل القيم الاجتماعية والدينية فينا قد تقلل من هذه الأخطاء أو هذه الهفوات اللإرادية إن صح أن نسميها.

وكوني غير منزه وغير معصوم، قطعاً سأخطئ مهما أجتهدتُ وكنتُ حذراً، بل من حقي أن أُخطئ كي أتعلم من أخطائي وكوني في الأساس بشراً..!! ولكن للأخطاء صور متعددة من الصعوبة أن نقوقعها في إطار محدد، ومن هنا ندرك أنه ليس هنالك إنساناً لم يخطئ، إلا من أختاره الله وفق معطيات محددة، فالقاعدة التي أنا أُومن بها بل هي من إبتداعاتي (من حقي أن أخطئ ما دمت من البشر) وأقصد بالخطأ العفوي غير المتعمد كما عُرف سابقاً أو الخطأ المتعمد وأقصد به الذي نتج بسبب تقدير لأمر جميل، لكنه لم يرتقِ هذا الأمر إلى الصواب والحكمة، حيث رافقه سوء تقدير، ومن هذا المنطلق فقد يخطيء الكثير من الناس بل جلهم إن لم يكن كلهم..!! وأنا من الذين قد أخطوا كغيري، لكن هنالك خطأ ارتكبته من الصنف الثاني (الخطأ المتعمد الناتج عن سوء تقدير) وأجده خطأ كبيراً، وهو الخطأ الوحيد الذي لا أُسامح نفسي عليه بالرغم أن الآخرين يرونه جداً طبيعياً، وربما لا يرتقي عندهم إلى مرتبة (الخطأ).

!سوء التقدير، وسوء التوقيت، وسوء الاختيار كلها جاءت خلف حدوث هذا الخطأ، وهذا ما جعلني أسمه وأصفه بالخطأ الكبير، حيث هدفه والإقدام عليه نبيل وطاهر، ولكن للأسف لم ننظر إليه من كل الجوانب، وهذا ما أدى إلى تحويل الهدف الجميل إلى خلافه، وقد يسير بك إلى التدهور والانفعالية السلوكية، والتي قد تصدر عليها حكماً قاطعاً أن ذلك خطأ فادحاً، رغم أن غيرك لا يراه خطأ، وهنا تبرز المفارقة في تقدير الأخطاء وتدرج مراتبها.. ولكنني والحمد لله حاولت إصلاحه ووفقت في ذلك الإصلاح قبل فوات الأوان.

وتبقى الصيغة الأساسية والمتفق عليها عرفاً وشرعاً وقانوناً أن الخطأ يبقى خطأ مهما ما تولد له ومن حوله من مبررات وأعذار..! عموماً نبقى نحن نشعر بالاعتزاز فيما ندرك أنه هذا خطأ ونحاول تعديله وتجنب الوقوع فيه مرة أخرى، وكم نشعر بالارتياح وعمق السعادة حينما نعترف بأخطائنا ولا نصنع لها أية مبررات أمام الآخرين ما دامت هي أخطاء فعلاً، نعم يتغلغل فينا الرضا بالمتعة واللذة السلوكية والروحية، وربما نرتقي بأنفسنا إلى القداسة البشرية.. نعم (من حقي أن أخطيء.. كوني من البشر) ولكن...، نعم كلنا معشر البشر خطاؤون وخيرنا من تعلم من أخطائه.

Albatran151@gmail. com الاحساء

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة