Culture Magazine Thursday  13/12/2012 G Issue 389
فضاءات
الخميس 29 ,محرم 1434   العدد  389
 
مرايا..!
بثينة الإبراهيم

 

روى الجاحظ في كتاب الحيوان قصّةً عن قاضي البصرة عبدالله بن سوّار، الذي كان يُعرف بأنّه زمّيتٌ ركينٌ، وكان يوجز في قوله فيبلغ بالكلام اليسير المعاني العديدة، فلكأنّما كان يحقّق ما قد تحقّق اليوم لمستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»!

تقتضي الآداب العامة رد المخاطَب على المتكلّم - ما لم يكن في ذلك تجريحٌ من سبابٍ ونحوه مما ينافي الذوق والآداب - وربما أطالا حديثهما أو قصراه بحسب ما اقتضاه الحديث أو السؤال، بل ويمكن الردّ على المشاتم بما لا يهبط بمنزلة مخاطبه كما صنع ذاك الحكيم الذي حاول أحدهم أن يستفزّه بسؤال وقحٍ حول ما يخرج من الإنسان كيف طعمُه، وكان أن أجابه بإجاباتٍ هادئة منطقية، فانقلب السّحر على الساحر!

ولنعدْ إلى تويتر مرةً أخرى، فنجد أن بعضَ الأسماء اللامعة تنأى عن الردّ عمّن يوجّه لها سؤالاً من متابعيها أو غيرهم ومداخلاتهم وحتى تحاياهم !، فيتجاهل أولئك أطروحاتِ هؤلاء، وكأنهم يريدون إيصال فكرة أنهم للعرض وليس للّمس! ولعل في قول إيليّا أبو ماضي ما يختصر الكثير من القول:

يا أخي لا تملْ بوجهك عني

ما أنا فحمةٌ ولا أنتَ فرقدْ

أنتَ مثلي منَ الثّرى وإليهِ

فلماذا يا صاحبي التّيهُ والصّدْ

وليس القصد من ذلك أن يُطلب من أصحاب تلك الأسماء إهمال مصالحهم والتفرغ للردود والمداخلات، ولكن على الأقل تحقيق نوع من النسبة والتناسب لإشباع نهم الراغبين للمعرفة وتقادح الأفكار وتلاقحها، التي صار «تويتر» أحد روافدها شئنا ذلك أم أبينا!

ربما يكون المثقف - على وجه الخصوص - مطالباً اليوم أكثر مما مضى بنزع ما يُتهم به أنه يكتب من برجٍ عاجيّ وبأن يتخلّى عن عنجهيته وصلفه المدّعاة عليه، وربّما تحتّم عليه أن يصبح مراتٍ «أديباً في السوق» كما كتب مرةً عمر فاخوري، وليكون في ذلك دعوةٌ نحو «اشتراكية» الحوار والتزام المثقف بمهامه المنوطة به.

يقول عبدالله بن سوّار قاضي البصرة بعد أن أرهقته ذبابةٌ وألحّت عليه: فما أكثر مَن أعجبَتْه نفسُه فأراد اللّه عزّ وجلّ أن يعرِّفه من ضعْفِه ما كان عنهُ مستوراً وقد علمت أنِّي عند الناس مِنْ أزْمَتِ الناس، فقد غلَبَني وفَضَحَني أضعفُ خلْقِه ثمَّ تلا قولَهُ تعالى: « وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنْقذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ « .وفي قوله هذا حكمةٌ لأولي الألبابِ لو يسمعون فيستجيبون !

- القاهرة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة